الراعي و المسؤول

غسان جان كير

اعلمْ يا رعاك الله , إن السؤال , والتساؤل , والمسؤولية , والتسوّل , كلها مِنْ أصلٍ واحد , هو (سأل).  

فالسائلُ عن الشيء , هو طالبُ العلم بالشيء , كأن يسأل الفلاحون الحكومة : لماذا رفضتم استلام محصولنا من الشعير ؟ . فتردُّ الحكومة : نخشى أنّ يكونَ الشعيرُ مُستوردا من خارج الحدود , وقد يكونُ الفلاحون سُؤلةً (أي كثيري السؤال , والغلبة) فيسألون : ما مصيرُ الشعير ؟, إن لم نبعه للتجار بأقل من سعر التكلفة . وقد ترد الحكومة : دبروا رأسكم , ما لنا علاقة .
حينئذٍ يتحوّلُ السؤال , من معنى طلب المعرفة , إلى الاستجداء , واستعطاء الشيء , وهو بالمناسبة آخر مرحلة في التكسّب وأرذله , كأن يقول الفلاحون : مِن بيت المال يا مؤمنين , اشتروا شعير الفلاحين , لا تتركونا نهباً للمرابين , لا تأخذونا بجريرة جشع السماسرة والمتاجرين , مشان الله لا تتركونا محتاجين , الله يخليكم لمناصبكم إلى يوم الدين .
وقد ترد الحكومة : (ما راح نشتري يعني ما راح نشتري).
أما التساؤلُ يا طويل العمر , فهو السؤال في مرحلته الجنينية , لا يخرج إلى العلن إلا مُكتملا وقد أصبح سؤالا , ولأنّ السؤالَ من أجل العلم – في كل مراحله – يستدعي سخصا يُسأل منه , فقد يعمد الإنسان إلى التساؤل مع ذاته , كأن يسأل أحدنا نفسه : كيف للبطيخ  أنْ يكبر وينمو في عزّ الصيف , علما أنّ مظهر الأرض يوحي بأنها قاحلة ؟.
والتساؤل لا يقتصر على سؤال الفرد لذاته , فقد تتساءل الجماعة فيما بينها أيضا , حيث كلُّ فرد ينشدُ جوابا عند الآخر , كأن يتساءل أعضاء مجلس محافظة الحسكة عن : (أسباب تراجع الخطة الزراعية , حيث بلغت المساحة المزروعة فعلا بالقمح على كل مصادر الري 210 آلاف هكتار , والمساحة المقررة في الخطة هي 331 ألف هكتار , أي أن هناك 121 ألف هكتار لم تُزرع بمحصول القمح في محافظة الحسكة في هذا الموسم . أما بالنسبة لمحصول القطن فقد بلغت المساحة الواردة في الخطة الزراعية المقررة للموسم الصيفي الحالي 55 ألف هكتار , رخّص الفلاحون منها 43 ألف هكتار ولم يزرعوا سوى 39850 ألف هكتار , وهذا يعني أن هناك زهاء 15 ألف هكتار لم تتم زراعتها) , ومع أنه تساؤل جيد , وينمُّ عن الألم , إلا أنه حريٌ , بأعضاء مجلس محافظة (طوكيو) , كونهم لا يعلمون شيئاً عن النتائج الكارثية لارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية , كما لا يعلمون شيئا عن مدى إسهام وسائل الإعلام في حملات التغيير الاجتماعي , خاصة في التحول إلى الري الحديث.
أما المسؤول يا رعاك الله , فكلنا رعاة , وكلنا مسؤولون عن الرعية , فالراعي مسؤول عن الغنم , يُنقذ الخروف من فم الذئب غير هيّاب منه , ويتغاضى عن الحلال والحرام إن رعى القطيع الجائع مزروعات الغير , بل ويعزف على الناي مُآنساً رعيته . فلا غرابة أن يكون الكثير من الأنبياء رعاة , ولا غرابة أن يمتنع الصحابي (عبد الله ابن مسعود) عن إعطاء الرسول محمد (ص) وصاحبه آبي بكر , قليلا من الحليب , لأنه مؤتمن على القطيع , و لا غرابة أن يُعيّنَ فيما بعد صاحبا لبيت المال .

فكلُّ مَن سُئِل فهو مسوؤل , إن كان لطلب علم , أو قضاء حاجة , أو لقاء , أو سبب (تفشي ظاهرة التسول في محافظة الحسكة) .     

Gassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…