«أبي توفى»

  لقمان ديركي

أذكر تماماً متى كانت المرة الأولى التي أسمع فيها هذه الجملة « أبي توفى»، كان ذلك في شتاء 1972 في مدينة حلب التي انتقلنا إليها حديثاً قادمين من الدرباسية مسقط رأسي أقصى الشمال، يومها دخل أبي (حسين) الذي رحل إلى جوار ربه الخميس الماضي ليشجعني على التعرف على صفي الجديد في مدينتي الجديدة، وبعد أيام من الدوام غاب محمود التلميذ في صفنا عن الدوام لمدة أسبوع، وعندما عاد من جديد سألته الآنسة فاطمة عن سبب غيابه فقال: «أبي توفى». كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها تلك الجملة الرهيبة، ومن يومها أصبح محمود صديقي، وازدادت صداقتنا عمقاً، بعد أن انتقلنا إلى ذات الحي الذي يسكن فيه مع أهله، ثم دخلنا إلى الجامعة معاً، هو إلى الهندسة، وأنا إلى الأدب الفرنسي، هو تخرَّج وأصبح باشمهندساً قد الدنيا، بينما محسوبكم كان يرسب العام تلو العام حتى ضجرت الكلية مني فقذفتني الأقدار إلى معهد التمثيل
وما أكملنا هناك أيضاً كما تعرفون جميعاً وذلك إمعاناً مني في إثبات تفوقي في الفشل، وبالتالي ازداد أسف والدي عليّ وحزنه على عدم توفيقي في الدراسة، وانقطع التواصل بيني وبين محمود منذ سنوات رغم محاولتي الإتصال به عدة مرات، أتذكره دائماً، فهو من أصدقاء الطفولة، إلا أنني تذكرتُ أنني عام 1972 لم أقل له «العمر إلك»، كنا أطفالاً نخجل من التفوه بهذه الكلمات، اكتفينا بلعب الكرة وعقد الصداقة الطفولية من دون بنود أو معاهدات، والآن ها أنذا أقول لأصدقائي: «أبي توفى» من دون أن أنتظر منهم أن يقولوا لي: «العمر إلك». لا، لاأنتظر أن يقولوا لي ذلك الآن، لأنني كنتُ أقول لصديقي محمود بعد 37 عاماً من رحيل والده: «العمر إلك».

جريدة بلدنا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: إدريس سالم

تنهض جميع نصوصي الروائية دون استثناء على أرضية واقعية، أعيشها حقيقة كسيرة حياة، إلا إن أسلوب الواقعية السحرية والكوابيس والهلوسات وأحلام اليقظة، هو ما ينقلها من واقعيتها ووثائقيتها المباشرة، إلى نصوص عبثية هلامية، تبدو كأنها منفصلة عن أصولها. لم أكتب في أيّ مرّة أبداً نصّاً متخيّلاً؛ فما يمدّني به الواقع هو أكبر من…

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الخَيَالُ التاريخيُّ هُوَ نَوْعٌ أدبيٌّ تَجْري أحداثُه في بيئةٍ مَا تَقَعُ في المَاضِي ضِمْن ظُروفِها الاجتماعية ، وخَصائصِها الحقيقية ، مَعَ الحِرْصِ عَلى بِناء عَالَمٍ تاريخيٍّ يُمْكِن تَصديقُه ، والاهتمامِ بالسِّيَاقاتِ الثقافية ، وكَيفيةِ تَفَاعُلِ الشَّخصياتِ مَعَ عَناصرِ الزَّمَانِ والمكان ، ومُرَاعَاةِ العاداتِ والتقاليدِ والبُنى الاجتماعية والمَلابس وطبيعة…

فواز عبدي

يقال إن الأمثال خلاصة الحكمة الشعبية، لكن هناك أمثال في تراثنا وتراث المنطقة باتت اليوم تحتاج إلى إعادة تدوير عاجلة… أو رميها في أقرب سلة مهملات، مع بقايا تصريحات بعض المسؤولين. مثال على ذلك: المثل “الذهبي” الذي يخرجه البعض من جيبهم بمجرد أن يسمعوا نقداً أو ملاحظة: “القافلة تسير والكلاب تنبح” كأداة جاهزة لإسكات…