تأليف :دونالد جاكسون
عرض: حواس محمود
يتناول هذا الكتاب لمؤلفه دونالد جاكسون تاريخ وأصل الكتابة من البدايات الأولى مرورا بظهور الحروف الأبجدية في روما والعصور المظلمة والعصور الوسطى وانتهاء بالكتابة في عصر الآلة توزعت فصول الكتاب على 310 صفحة مع قائمة بالصور الإيضاحية
يقول المؤلف: عندما نصنع الأشياء بأيدينا ، نبث فيها طاقة تنبع من أعماقنا ، وحين نرى أو نلمس بأصابعنا أشياء صنعها حرفيون فارقوا الحياة منذ زمن بعيد جدا ، فإني على يقين من أننا نشعر بطاقاتهم الموجودة تحت كل مسحة فرشاة أو خطة قلم ، وبمقدرتنا أن نتجاوب كليا مع هذه الطاقة كما نفعل مع جمال تلك الأشياء وبراعة تصميمها
عرض: حواس محمود
يتناول هذا الكتاب لمؤلفه دونالد جاكسون تاريخ وأصل الكتابة من البدايات الأولى مرورا بظهور الحروف الأبجدية في روما والعصور المظلمة والعصور الوسطى وانتهاء بالكتابة في عصر الآلة توزعت فصول الكتاب على 310 صفحة مع قائمة بالصور الإيضاحية
يقول المؤلف: عندما نصنع الأشياء بأيدينا ، نبث فيها طاقة تنبع من أعماقنا ، وحين نرى أو نلمس بأصابعنا أشياء صنعها حرفيون فارقوا الحياة منذ زمن بعيد جدا ، فإني على يقين من أننا نشعر بطاقاتهم الموجودة تحت كل مسحة فرشاة أو خطة قلم ، وبمقدرتنا أن نتجاوب كليا مع هذه الطاقة كما نفعل مع جمال تلك الأشياء وبراعة تصميمها
فعند الكتابة لا نقوم فقط بنقل المعلومات عن طريق اختيار الكلمات وترتيبها ، بل نكشف عن شيئ ينبع من أعماق شخصيتنا عبر كل رعشة صادرة عن اليد ، لذلك فإن هذه الإشارات التي بقيت لنا من تجارب الإنسان الأولى مع الحروف الأبجدية لا تقدم لنا الدليل المادي على إبداع هذا الإنسان ومهارته بقدر ما تشبه كتابة أحد الأصدقاء وما تنطوي عليه من صلة حميمة في قلبه وعقله . إنَ تاريخ الحروف وأشكالها هو تاريخ البشرية ذاتها
الكتابة المصرية :
في نفس الزمن الذي استوطن فيه السومريون الأراضي الممتدة بين التقاء نهري دجلة والفرات عام 3500 ق . م أسس المصريون حضارة أعظم شأنا وأطول بقاء على امتداد نهر النيل وضفافه الخصبة، وارتكزت القاعدة الاقتصادية برمتها عند المصريين القدماء كما هو الحال على ارتفاع وانخفاض منسوب فيضان نهر النيل وخصوبة سهول الطمي على طول ضفتي النهر، ومن هنا نجد أنَ معظم الكتابات والنقوش القديمة التي حافظت على بقائها حتى الآن تناولت شؤونا كارتفاع منسوب الفيضان وحدود الممتلكات والعقارات وجمع الضرائب التي ارتبطت بحالة الأراضي التي أصابها الفيضان ، وأسس المصريون القدماء حكومة مركزية وظفت عددا ضخما من النساخ الرسميين ، ولعل تطور المهارات الكتابية والخطية كان بمثابة المفتاح الرئيس لحياة رغيدة تنعم بالأمان والبساطة فقد كتب أحد كبار الموظفين آنذاك في رسالة لولده (استخدمت هذه الرسالة فيما بعد لأغراض التعليم في المدارس) موجها النصح إليه : “ينبغي أن تحب الحروف كما تحب أمك فمن خلال المعرفة التي تقدمها هذه الحروف تستطيع أن تجنب نفسك العمل الشاق ، وكن سيد له سمعته الرفيعة” هذا ولقد شغف الأمراء وكبار الموظفين بالكتابات التي تمثلهم بواسطة ورق البردي والفرشاة أو عن طريق القراءة من لفافة مفتوحة
لقد تطورت أساليب الكتابة المصرية والسومرية والتقت في نقاط متشابهة عبر عوامل البيكتوغرام والإيديوغرام والفونو غرام ، لكن المصريين توسعوا أكثر في هذه الطريقة حين ابتكروا العلامات الأبجدية ، فطوروا سلسلة تتألف من(24) رمزا تقريبا بحيث يمثل كل واحد منها ساكنا واحدا، فمنحهم ذلك أبجدية فعالة وكاملة تقريبا ، وتجدر الاشارة إلى أنه على الرغم من مراحلهما الثورية المتشابهة ، كان الاختلاف بين كل من الكتابة المصرية والسومرية جذريا من حيث المظهر، فتاريخ المرحلة الأولى يعود إلى بدايات القراءة والكتابة المصرية التي أطلق عليها اليونانيون اسم المرحلة الهيروغليفية (وتعني الكتابة المنقوشة المقدسة) واليونانيون هم أول من عرف هذه اللغة وذلك بعد مضي (2000) عام تقريبا على اندثار الحضارة الفرعونية وظلت هذه الكتابة الطريقة المثلى المتبعة في المخطوطات الدينية والنصوص التذكارية لفترة طويلة بعد انقضاء المرحلتين التاليتين المعروفتين بالديموطيقية (الكتابة المصرية والهيرية (وهي كتابة أبسط من الهيروغليفية) فنشأ بالمحصلة كلا النوعين من الهيروغليفية لذلك بقيت الأساليب الثلاثة ذات نظام يعتمد أساسا على رسم الصورة في الكتابة ليشمل تركيبا موحدا من البيكتوغرام والفونو غرام والإيديوغرام حتى بعد تطور مبادئ الإشارات الأبجدية البسيطة
ظهور الحروف الأبجدية :
من خلال الانفتاح الواسع على شعوب وبلدان كثيرة صاغ الفينيقيون أبجديتهم بالإعتماد على مصادر مختلفة حيث تضمنت المسمارية والهيروغليفية المصرية والخط المنيوي ، بالإضافة إلى أشكال أخرى من الكتابة استمدوها من شمال مستوطناتهم وشرقها، يتمتع الشكل المادي للكتابة الفينيقية بصفات “الكتابة السريعة” التي يمكن أن نلاحظها عند المصريين من خلال استخدامهم للفرشاة القصبية ، ولكن أساس النظام الكتابي الفينيقي اعتمد على أبجدية أكثر فاعلية قام بتطويرها الكتبة من الأمم المجاورة ممن تحتم عليهم تطوير أنظمة كتابية أكثر بساطة، وبسبب بطء الأسلوب اليدوي المتبع في تدوين السجلات بواسطة الأداة الأسفينية على الصلصال كانت الانجازات الرئيسية للنظام الفينيقي – على العكس من النظام المصري- تكمن في أنه نظام متكامل لا يتطلب الزخرفة المستوحاة من آثار الأنظمة القديمة، فقد خصص رمز واحد لكل صوت من الأصوات بالمقارنة مع تطابق الواحد لكل مقطع من المقاطع اللفظية، وكانت الرموز واضحة وسهلة الكتابة ولا ترتبط الحروف بأية علاقة ظاهرية مع الصور أو الأيديو غرامات
أنظمة الكتابة الشرقية :
يرى المؤلف بأنَ الأبجدية التي طورها الفينيقيون ترسخت أيضا في أنظمة الكتابة الشرقية ، فالشعوب الآرامية التي يشكل الفينيقيون جزءا منها، استوطنت سورية قبل عام 1000 ق م واشتهرت هذه الشعوب بالتجارة الواسعة والمزدهرة في جميع أنحاء المنطقة الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط ووادي الفرات، أما فيما يتعلق بنظامهم الكتابي وحروفهم الأبجدية فقد حملت شبها كبيرا مع النظام الكتابي لدى الفينيقيين وحروفهم التي انتشرت باتجاه الغرب، أما الخط الإسلامي في اللغة العربية الذي ينحدر من سلالة النبطية للكتابة الآرامية، فقد ظهر بادئ الأمر حوالي 500 ميلادية، ولكن من المؤكد أنَ الأشكال الأولية لهذه الكتابة قد عرفت طريقها إلى حيز الوجود قبل (200) عام من ذلك التاريخ، ولا يصعب في حقيقة الأمر تعقب آثار الشكل الخارجي لهذه الكتابة التي تنطوي على ما بذل على ارتباطها بالفينيقية وتماسها المباشر مع الكتابة الهيرية والديموطيقية في مصر القديمة، وعندما أصبح هذا الخط متبعا في تدوين القرآن الكريم في أوائل القرن السابع انتشر مع الفتوحات الإسلامية الواسعة في شمال أفريقيا وآسيا الصغرى باتجاه الهند والصين
الكتابة الصينية : تعد الكتابة الصينية قديمة قدم الكتابة الآرامية ، هذه الكتابة استمرت (3000) سنة كنظام أساسه البيكتوغرام ، ويبدو أنها تطورت في مراحلها الأولية على نمط المسمارية السومرية ، فشرعت باستخدام البيكتوغرام ومن بعده الأيديوغرام ، ثم أضيفت الرموز الصوتية، لكن اللغة الصينية عانت من قصور واضح لأنها تألفت عموما من كلمات ذات مقاطع لفظية واحدة، ونظرا لوجود حد أقصى من عدد الأصوات القصيرة الممكنة التي يستطيع الصوت البشري أن يؤديها (تستخدم اللفظة الصينية حوالي أربعمئة إلى خمسمئة صوت قصير) فهذا يعني أنَ عددا ضخما من هذه الأصوات يجب أن يكون لها معان مشتركة ومختلفة ، ويوجد في اللغة الانجليزية أصوات لها معانيها المشتركة والمختلفة ، وقد استطاع الصينيون تمييز “اللفظات المتجانسة” في لغتهم باستخدام أربع مستويات واضحة وجلية من طبقات الصوت ، ومن خلال سياق الكلام أيضا ، ولكن لم تنشأ أبجدية صوتية في الصين لأن استخدامها سيولد عددا صغيرا من الكلمات المتطابقة والقصيرة ، كما أنها في حالة كهذه يجب أن تقوم مقام ثمانية وثلاثين معنى منفصلا
الكتابة عند اليونانيين :
يصعب في الحقيقة وصف آثار الغزو ” الدوري” لأراضي اليونان في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، ولا نعرف أيضا إلى أية درجة اندمج فيها اليونانييون مع غزاتهم المستعمرين أو فيما إذا أقام أولئك الغزاة بطرد الأهالي وإبعادهم عن أراضي الوطن ، ولكن يبدو أنَ الأحداث كانت مأساوية ، لأنَ علم الآثار يقدم الدليل على حلول الدمار والحرق بالمدن على يد غزاة من الجهلة والأميين ، وعبر القرون التي توسطت هذه المرحلة يعتقد أن بعض الجاليات التي تتكلم اللغة اليونانية تمكنت من النجاة ، واستعادت ازدهارها من خلال اتصالها مع الشعوب المجاورة في البحر الأبيض المتوسط عن طريق نشاطاتها التجارية ، وقد أدى هذا الاختلاط مع مرور الزمن إلى استخدام أبجدية تعتمد على النماذج الفينيقية ، أما كيف استطاع فن الكتابة أن ينمو في هذا العصر المظلم ويبقى حيا حتى الآن فهذا أمر قد لا نتوصل إلى معرفته على الإطلاق
تتألف الأبجدية الفينيقية من مجموعة محدودة تحتوي على (24) رمزا ملحقا بأصوات صامتة منفردة ، وقد اقتبس اليونانييون هذه السلسلة من الإشارات ، إلا أنها كانت بأمس الحاجة لإجراء تعديلات هامة عليها تتناسب ومتطلبات اللغة اليونانية ، وكذلك الأمر بالنسبة لابتكار رموز جديدة وخصوصا فيما يتعلق بالحروف الصوتية التي افتقرت اليها الألفباء الفينيقية على غرار اللغات السامية الأخرى ، وظهرت عدة تعديلات على الأبجدية الفينيقية في كل مكان من اليونان بعد عام 900 ق م ولكن في عام 403 ق م أصبحت الكتابة “الأيونية” عموما كتابة متداولة ومتفق عليها في حكومات المدن اليونانية وهي بالأصل الكتابة التي استعملها أبناء “أيونا” على سواحل آسيا الصغرى ، ويتناول المؤلف صناعة ورق البردي للكتابة عليها ، كذلك على جلود الحيوانات ، والتي يعود تاريخها إلى زمن بعيد جدا حيث يوجد منها الآن نماذج مصرية تعود إلى حوالي (2500) ق. م ، لكن مما لاشك فيه أنَ ازدياد متطلبات الحضارات الجديدة فرض تحسين طريقة معالجة هذه الجلود وتحضيرها للكتابة ، فالجلد يدوم لفترات طويلة ويبقى مظهره العام جيدا وجميلا ، تعتبر” لفائف البحر الميت الكتابية “ التي عثر عليها في صحراء جدة عام 1974م من أكثر الوثائق الجلدية شهرة التي حافظت على وجودها من الماضي البعيد
الكتابة عند الرومانيين :
لقد انسجمت الشعوب الرومانية مع الألفباء اليونانية واستوعبتها استيعابا كاملا إما عن طريق التماس المباشر مع اليونانيين أومن خلال تأثير بلاد “إتروريا” القديمة في إيطاليا ، فاقتبسوا الأحرف ABEZIKMNOTXYدون أي تغيير يذكر، وأعادوا تركيب الرموز اليونانية وصاغوا منها الحروف CGLSPRDأما الحروف VFQفقد أخذوها عن الحروف اليونانية التي باتت مهملة وقديمة في اللغة اليونانية ، ثم ما لبثت الكتابات اللاتينية واليونانية المنقوشة بعد بداياتها الأولى أن أظهرت المزيد من الرتابة والأناقة في التصميم والتنفيذ ، وعندما وصلت حدود الإمبراطورية الرومانية إلى شرق أسبانيا وشمال أفريقيا وجزء من بلاد ” الغال” في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، طور الرومان سلسلة كاملة من الحروف الأبجدية ملبين بذلك كافة متطلبات شؤون الحياة اليومية ، واحتلت الحروف الملكية ذات الاسم الرنان ” حروف النصب التذكارية الضخمة” مركز الصدارة في هذه المجموعة سوية مع حروف أصغر منها حجما وذات شكل مضغوط عرفت باسم ” الحروف البسيطة الكبيرة” وارتبطت النهايات الدقيقة والناعمة من ذنابات (وهي الخطوط الرقيقة التي ينهي بها أعلى الحرف أو أسفله) أحرف كلا النوعين ارتباطا وثيقا بطريقة حفرها على الحجر بواسطة الإزميل لأنها صممت خصيصا لهذا الغرض
الكتابة في العصور المظلمة:
حل رق البرشمان (جلود العجل والغنم) مكان ورق البردي منذ بداية انتشار الديانة المسيحية ، وأصبح المادة الكتابية الرئيسية في الغرب، وجدير بالإشارة أن الجلد المذكور يصبح ناعما جدا وأملسا أكثر من ورق البردي بعد كشط سطحه واتحاد هذا السطح مع القلم الريشي ، الذي يجمع بين النعومة والخشونة النسبية في آن واحد، خلق إمكانات تقنية جديدة لدى فناني العصور المظلمة ، لم يسبق استخدامها من جانب الكتبة الذين تعاملوا مع مواد أكثر خشونة كالقلم القصبي أو الريشة القصبية على ورق البردي بعد كشط الجلود وتنعيمها ، كما يبقى وبر مخملي الملمس على السطح ، وتقطع الصفحات وتجمع في مجموعات تتألف من أربعة صحف أو أكثر ، ثم تطوى من منتصفها وتثقب بشكل يوافق ويطلق لوح القياس كي تزود الإطار بالتصميم المطلوب وتحدد موقع السطور من أجل الكتابة، وبعد فض الصفحات تظهر علامات مماثلة على الصحيفتين اليمنى واليسرى من الكتاب، ثم يتم تحديد السطور بتحزيزها بواسطة أداة مستدقة رفيعة وصلبة تترك علامة على جانب واحد من الجلد ، بينما تبقي سطرا مرفوعا على الجنب الآخر ، وبذلك تزول الحاجة إلى تسطير كلا الجانبين
الكتابة في العصور الوسطى :
انتهت امبراطورية شارلمان وسلالته الحاكمة بانتهاء القرن العاشر، إلا أنَ تراث الأحرف الصغيرة الكارولينجية استمر بالانتقال إلى كل أجيال النساخ لأربعة قرون أخرى، ولكن حصلت تغيرات طفيفة مع مرور الزمن حتى إنَ شكل الأبجدية القوطية المنضغطة ذات الزوايا التي ظهرت في القرن الثالث عشر كانت تشبه سلفها شبها بسيطا ، وبمعزل عن الاعتبارات الفعلية التي كانت تؤثر دوما على أساليب الكتابة وشكلها ظهرت مؤثرات حسية أيضا من حيث الطراز والأسلوب ، وتغيرت هذه المؤثرات بسرعة في الفترة نفسها ، حيث نستطيع رؤيتها في العديد من الفنون في ذلك العصر ، أما الأحرف المدورة والمقوسة الخاصة بمدرسة شارلمان فظهرت على نوافذ وأبواب كنيسة القصر في ” أختن” بينما انتشرت الزاوية المدببة الخاصة بالأبجدية القوطية الشمالية في كل مكان من المباني وفن العمارة في ذلك العصر ، علاوة على ذلك اختلفت القوطية الشمالية بسطورها المكتظة بأشكال سوداء قاتمة اختلافا جذريا عن نظيرتها في الجنوب الدافئ ، إلا أن مبادئ الأسلوب المدبب لم تتوطد في إيطاليا حيث نشأت وتطورت في تلك المنطقة نسخة ذات انفراج زاوي أكبر تدعى(البروتندا) أو القوطية الإيطالية ، كان الهدف الرئيس من إنتاج الكتب حتى القرن الثاني عشر تسويق نوعين من الكتب ، كتب فاخرة مصممة للأمراء والملوك وقاعات المحاكم ، وكتب لاهوتية تفيد في أغراض الكنيسة ، ولكن حين أدت الثقافة والعلوم العربية والإغريقية إلى إنشاء المراكز التعليمية المستقلة سرعان ما ظهرت الحاجة الماسة والملحة للحصول على الكتب وإلى أعمال أرسطو وغيره من الفلاسفة الأقدمين بالإضافة إلى دراسات المنطق والرياضيات والموسيقى وعلم الفلك
الكتابة في عصر الآلة :
بالرغم من أن القلم الريشي كان أداة ناجحة جدا خلال قرون عديدة بعد أن حل مكان القلم القصبي في الأيام الأولى من انتشار الديانة المسيحية في الغرب ، ظل دوما موضع التنافس مع أدوات أخرى تستعمل في هذا الميدان ، لقد حاول العديد من المخترعين والصناعيين على مر القرون وفي بلدان مختلفة صنع شكل معدني معين كبديل عن القلم الريشي ، وكما يحدث في أغلب الأحيان سرعان ما ظهرت الابتكارات في أماكن عديدة في ذات الوقت كي تلبي الحاجة لتوفر هذا القلم ، وتعددت الإدعاءات حول لقب المخترع الأول للأقلام المعدنية ، فقد سجل كتاب مخطوط عام (1748) إدعاء “جوهان جانستن ” حاكم ” ايكسلا – شابل” في ” آخن” أنه من دون تبجح يدعي حق الشرف في اختراع قلم جديد ، وليس ” الأمرعرضيا لأن الله ألهمني في الوقت المناسب كيفية صنع الأقلام الفولاذية ”
إلا أنَ صحيفة ” بوسطن ميكانيك” نشرت تنويها في آب (1835 م ) يشير إلى أنَ مخترع الأقلام الفولاذية عام (1800م) كان أمريكيا مواطن معروف في ” وانيتنا” إسمه السيد” بيير غرين ويليامسون ” وسرعان ما اقتبست عنه الإنجليز هذا الإبتكار وحققوا منه أرباحا طائلة، كما نسب منشور ألماني شرف الإختراع إلى معلم مدرسة في ” كوينغربرغ بأنه صنع أقلاما من المعدن عام (1808) م لكن جهوده في هذا الاختراع أوصلته إلى الفقر
في أواخر القرن التاسع عشر كانت المعامل الرئيسية الثلاثة عشر في ” بيرمنغهام ” تستخدم 28 طنا من أنعم الرقائق الفولاذية في الأسبوع الواحد ، وتنتج منها حوالي )175) مليون ريشة قلم كل عام ، ثم يجري تعليبها وشحنها إلى الأسواق ، في كافة أصقاع العالم ، وفي غضون خمسين سنة أو أقل ، اختفى القلم الريشي من الوجود ، ونفي دون رجعة ، لقد كانت الوسائل الصناعية وراء هذا التاريخ الحافل بتطور صناعة الأقلام التي تأسست في”بيرمنغهام ” وإنتشار الأقلام وسيادتها المطلقة هامش:
الكتاب : تاريخ الكتابة
المؤلف : دونالد جاكسون
المترجم : محمد علام خضر
الناشر: وزارة الثقافة السورية 2007
الصفحات 311 ق كبير
العنوان : سوريا القامشلي ص ب 859 – حواس محمود
الكتابة المصرية :
في نفس الزمن الذي استوطن فيه السومريون الأراضي الممتدة بين التقاء نهري دجلة والفرات عام 3500 ق . م أسس المصريون حضارة أعظم شأنا وأطول بقاء على امتداد نهر النيل وضفافه الخصبة، وارتكزت القاعدة الاقتصادية برمتها عند المصريين القدماء كما هو الحال على ارتفاع وانخفاض منسوب فيضان نهر النيل وخصوبة سهول الطمي على طول ضفتي النهر، ومن هنا نجد أنَ معظم الكتابات والنقوش القديمة التي حافظت على بقائها حتى الآن تناولت شؤونا كارتفاع منسوب الفيضان وحدود الممتلكات والعقارات وجمع الضرائب التي ارتبطت بحالة الأراضي التي أصابها الفيضان ، وأسس المصريون القدماء حكومة مركزية وظفت عددا ضخما من النساخ الرسميين ، ولعل تطور المهارات الكتابية والخطية كان بمثابة المفتاح الرئيس لحياة رغيدة تنعم بالأمان والبساطة فقد كتب أحد كبار الموظفين آنذاك في رسالة لولده (استخدمت هذه الرسالة فيما بعد لأغراض التعليم في المدارس) موجها النصح إليه : “ينبغي أن تحب الحروف كما تحب أمك فمن خلال المعرفة التي تقدمها هذه الحروف تستطيع أن تجنب نفسك العمل الشاق ، وكن سيد له سمعته الرفيعة” هذا ولقد شغف الأمراء وكبار الموظفين بالكتابات التي تمثلهم بواسطة ورق البردي والفرشاة أو عن طريق القراءة من لفافة مفتوحة
لقد تطورت أساليب الكتابة المصرية والسومرية والتقت في نقاط متشابهة عبر عوامل البيكتوغرام والإيديوغرام والفونو غرام ، لكن المصريين توسعوا أكثر في هذه الطريقة حين ابتكروا العلامات الأبجدية ، فطوروا سلسلة تتألف من(24) رمزا تقريبا بحيث يمثل كل واحد منها ساكنا واحدا، فمنحهم ذلك أبجدية فعالة وكاملة تقريبا ، وتجدر الاشارة إلى أنه على الرغم من مراحلهما الثورية المتشابهة ، كان الاختلاف بين كل من الكتابة المصرية والسومرية جذريا من حيث المظهر، فتاريخ المرحلة الأولى يعود إلى بدايات القراءة والكتابة المصرية التي أطلق عليها اليونانيون اسم المرحلة الهيروغليفية (وتعني الكتابة المنقوشة المقدسة) واليونانيون هم أول من عرف هذه اللغة وذلك بعد مضي (2000) عام تقريبا على اندثار الحضارة الفرعونية وظلت هذه الكتابة الطريقة المثلى المتبعة في المخطوطات الدينية والنصوص التذكارية لفترة طويلة بعد انقضاء المرحلتين التاليتين المعروفتين بالديموطيقية (الكتابة المصرية والهيرية (وهي كتابة أبسط من الهيروغليفية) فنشأ بالمحصلة كلا النوعين من الهيروغليفية لذلك بقيت الأساليب الثلاثة ذات نظام يعتمد أساسا على رسم الصورة في الكتابة ليشمل تركيبا موحدا من البيكتوغرام والفونو غرام والإيديوغرام حتى بعد تطور مبادئ الإشارات الأبجدية البسيطة
ظهور الحروف الأبجدية :
من خلال الانفتاح الواسع على شعوب وبلدان كثيرة صاغ الفينيقيون أبجديتهم بالإعتماد على مصادر مختلفة حيث تضمنت المسمارية والهيروغليفية المصرية والخط المنيوي ، بالإضافة إلى أشكال أخرى من الكتابة استمدوها من شمال مستوطناتهم وشرقها، يتمتع الشكل المادي للكتابة الفينيقية بصفات “الكتابة السريعة” التي يمكن أن نلاحظها عند المصريين من خلال استخدامهم للفرشاة القصبية ، ولكن أساس النظام الكتابي الفينيقي اعتمد على أبجدية أكثر فاعلية قام بتطويرها الكتبة من الأمم المجاورة ممن تحتم عليهم تطوير أنظمة كتابية أكثر بساطة، وبسبب بطء الأسلوب اليدوي المتبع في تدوين السجلات بواسطة الأداة الأسفينية على الصلصال كانت الانجازات الرئيسية للنظام الفينيقي – على العكس من النظام المصري- تكمن في أنه نظام متكامل لا يتطلب الزخرفة المستوحاة من آثار الأنظمة القديمة، فقد خصص رمز واحد لكل صوت من الأصوات بالمقارنة مع تطابق الواحد لكل مقطع من المقاطع اللفظية، وكانت الرموز واضحة وسهلة الكتابة ولا ترتبط الحروف بأية علاقة ظاهرية مع الصور أو الأيديو غرامات
أنظمة الكتابة الشرقية :
يرى المؤلف بأنَ الأبجدية التي طورها الفينيقيون ترسخت أيضا في أنظمة الكتابة الشرقية ، فالشعوب الآرامية التي يشكل الفينيقيون جزءا منها، استوطنت سورية قبل عام 1000 ق م واشتهرت هذه الشعوب بالتجارة الواسعة والمزدهرة في جميع أنحاء المنطقة الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط ووادي الفرات، أما فيما يتعلق بنظامهم الكتابي وحروفهم الأبجدية فقد حملت شبها كبيرا مع النظام الكتابي لدى الفينيقيين وحروفهم التي انتشرت باتجاه الغرب، أما الخط الإسلامي في اللغة العربية الذي ينحدر من سلالة النبطية للكتابة الآرامية، فقد ظهر بادئ الأمر حوالي 500 ميلادية، ولكن من المؤكد أنَ الأشكال الأولية لهذه الكتابة قد عرفت طريقها إلى حيز الوجود قبل (200) عام من ذلك التاريخ، ولا يصعب في حقيقة الأمر تعقب آثار الشكل الخارجي لهذه الكتابة التي تنطوي على ما بذل على ارتباطها بالفينيقية وتماسها المباشر مع الكتابة الهيرية والديموطيقية في مصر القديمة، وعندما أصبح هذا الخط متبعا في تدوين القرآن الكريم في أوائل القرن السابع انتشر مع الفتوحات الإسلامية الواسعة في شمال أفريقيا وآسيا الصغرى باتجاه الهند والصين
الكتابة الصينية : تعد الكتابة الصينية قديمة قدم الكتابة الآرامية ، هذه الكتابة استمرت (3000) سنة كنظام أساسه البيكتوغرام ، ويبدو أنها تطورت في مراحلها الأولية على نمط المسمارية السومرية ، فشرعت باستخدام البيكتوغرام ومن بعده الأيديوغرام ، ثم أضيفت الرموز الصوتية، لكن اللغة الصينية عانت من قصور واضح لأنها تألفت عموما من كلمات ذات مقاطع لفظية واحدة، ونظرا لوجود حد أقصى من عدد الأصوات القصيرة الممكنة التي يستطيع الصوت البشري أن يؤديها (تستخدم اللفظة الصينية حوالي أربعمئة إلى خمسمئة صوت قصير) فهذا يعني أنَ عددا ضخما من هذه الأصوات يجب أن يكون لها معان مشتركة ومختلفة ، ويوجد في اللغة الانجليزية أصوات لها معانيها المشتركة والمختلفة ، وقد استطاع الصينيون تمييز “اللفظات المتجانسة” في لغتهم باستخدام أربع مستويات واضحة وجلية من طبقات الصوت ، ومن خلال سياق الكلام أيضا ، ولكن لم تنشأ أبجدية صوتية في الصين لأن استخدامها سيولد عددا صغيرا من الكلمات المتطابقة والقصيرة ، كما أنها في حالة كهذه يجب أن تقوم مقام ثمانية وثلاثين معنى منفصلا
الكتابة عند اليونانيين :
يصعب في الحقيقة وصف آثار الغزو ” الدوري” لأراضي اليونان في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، ولا نعرف أيضا إلى أية درجة اندمج فيها اليونانييون مع غزاتهم المستعمرين أو فيما إذا أقام أولئك الغزاة بطرد الأهالي وإبعادهم عن أراضي الوطن ، ولكن يبدو أنَ الأحداث كانت مأساوية ، لأنَ علم الآثار يقدم الدليل على حلول الدمار والحرق بالمدن على يد غزاة من الجهلة والأميين ، وعبر القرون التي توسطت هذه المرحلة يعتقد أن بعض الجاليات التي تتكلم اللغة اليونانية تمكنت من النجاة ، واستعادت ازدهارها من خلال اتصالها مع الشعوب المجاورة في البحر الأبيض المتوسط عن طريق نشاطاتها التجارية ، وقد أدى هذا الاختلاط مع مرور الزمن إلى استخدام أبجدية تعتمد على النماذج الفينيقية ، أما كيف استطاع فن الكتابة أن ينمو في هذا العصر المظلم ويبقى حيا حتى الآن فهذا أمر قد لا نتوصل إلى معرفته على الإطلاق
تتألف الأبجدية الفينيقية من مجموعة محدودة تحتوي على (24) رمزا ملحقا بأصوات صامتة منفردة ، وقد اقتبس اليونانييون هذه السلسلة من الإشارات ، إلا أنها كانت بأمس الحاجة لإجراء تعديلات هامة عليها تتناسب ومتطلبات اللغة اليونانية ، وكذلك الأمر بالنسبة لابتكار رموز جديدة وخصوصا فيما يتعلق بالحروف الصوتية التي افتقرت اليها الألفباء الفينيقية على غرار اللغات السامية الأخرى ، وظهرت عدة تعديلات على الأبجدية الفينيقية في كل مكان من اليونان بعد عام 900 ق م ولكن في عام 403 ق م أصبحت الكتابة “الأيونية” عموما كتابة متداولة ومتفق عليها في حكومات المدن اليونانية وهي بالأصل الكتابة التي استعملها أبناء “أيونا” على سواحل آسيا الصغرى ، ويتناول المؤلف صناعة ورق البردي للكتابة عليها ، كذلك على جلود الحيوانات ، والتي يعود تاريخها إلى زمن بعيد جدا حيث يوجد منها الآن نماذج مصرية تعود إلى حوالي (2500) ق. م ، لكن مما لاشك فيه أنَ ازدياد متطلبات الحضارات الجديدة فرض تحسين طريقة معالجة هذه الجلود وتحضيرها للكتابة ، فالجلد يدوم لفترات طويلة ويبقى مظهره العام جيدا وجميلا ، تعتبر” لفائف البحر الميت الكتابية “ التي عثر عليها في صحراء جدة عام 1974م من أكثر الوثائق الجلدية شهرة التي حافظت على وجودها من الماضي البعيد
الكتابة عند الرومانيين :
لقد انسجمت الشعوب الرومانية مع الألفباء اليونانية واستوعبتها استيعابا كاملا إما عن طريق التماس المباشر مع اليونانيين أومن خلال تأثير بلاد “إتروريا” القديمة في إيطاليا ، فاقتبسوا الأحرف ABEZIKMNOTXYدون أي تغيير يذكر، وأعادوا تركيب الرموز اليونانية وصاغوا منها الحروف CGLSPRDأما الحروف VFQفقد أخذوها عن الحروف اليونانية التي باتت مهملة وقديمة في اللغة اليونانية ، ثم ما لبثت الكتابات اللاتينية واليونانية المنقوشة بعد بداياتها الأولى أن أظهرت المزيد من الرتابة والأناقة في التصميم والتنفيذ ، وعندما وصلت حدود الإمبراطورية الرومانية إلى شرق أسبانيا وشمال أفريقيا وجزء من بلاد ” الغال” في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، طور الرومان سلسلة كاملة من الحروف الأبجدية ملبين بذلك كافة متطلبات شؤون الحياة اليومية ، واحتلت الحروف الملكية ذات الاسم الرنان ” حروف النصب التذكارية الضخمة” مركز الصدارة في هذه المجموعة سوية مع حروف أصغر منها حجما وذات شكل مضغوط عرفت باسم ” الحروف البسيطة الكبيرة” وارتبطت النهايات الدقيقة والناعمة من ذنابات (وهي الخطوط الرقيقة التي ينهي بها أعلى الحرف أو أسفله) أحرف كلا النوعين ارتباطا وثيقا بطريقة حفرها على الحجر بواسطة الإزميل لأنها صممت خصيصا لهذا الغرض
الكتابة في العصور المظلمة:
حل رق البرشمان (جلود العجل والغنم) مكان ورق البردي منذ بداية انتشار الديانة المسيحية ، وأصبح المادة الكتابية الرئيسية في الغرب، وجدير بالإشارة أن الجلد المذكور يصبح ناعما جدا وأملسا أكثر من ورق البردي بعد كشط سطحه واتحاد هذا السطح مع القلم الريشي ، الذي يجمع بين النعومة والخشونة النسبية في آن واحد، خلق إمكانات تقنية جديدة لدى فناني العصور المظلمة ، لم يسبق استخدامها من جانب الكتبة الذين تعاملوا مع مواد أكثر خشونة كالقلم القصبي أو الريشة القصبية على ورق البردي بعد كشط الجلود وتنعيمها ، كما يبقى وبر مخملي الملمس على السطح ، وتقطع الصفحات وتجمع في مجموعات تتألف من أربعة صحف أو أكثر ، ثم تطوى من منتصفها وتثقب بشكل يوافق ويطلق لوح القياس كي تزود الإطار بالتصميم المطلوب وتحدد موقع السطور من أجل الكتابة، وبعد فض الصفحات تظهر علامات مماثلة على الصحيفتين اليمنى واليسرى من الكتاب، ثم يتم تحديد السطور بتحزيزها بواسطة أداة مستدقة رفيعة وصلبة تترك علامة على جانب واحد من الجلد ، بينما تبقي سطرا مرفوعا على الجنب الآخر ، وبذلك تزول الحاجة إلى تسطير كلا الجانبين
الكتابة في العصور الوسطى :
انتهت امبراطورية شارلمان وسلالته الحاكمة بانتهاء القرن العاشر، إلا أنَ تراث الأحرف الصغيرة الكارولينجية استمر بالانتقال إلى كل أجيال النساخ لأربعة قرون أخرى، ولكن حصلت تغيرات طفيفة مع مرور الزمن حتى إنَ شكل الأبجدية القوطية المنضغطة ذات الزوايا التي ظهرت في القرن الثالث عشر كانت تشبه سلفها شبها بسيطا ، وبمعزل عن الاعتبارات الفعلية التي كانت تؤثر دوما على أساليب الكتابة وشكلها ظهرت مؤثرات حسية أيضا من حيث الطراز والأسلوب ، وتغيرت هذه المؤثرات بسرعة في الفترة نفسها ، حيث نستطيع رؤيتها في العديد من الفنون في ذلك العصر ، أما الأحرف المدورة والمقوسة الخاصة بمدرسة شارلمان فظهرت على نوافذ وأبواب كنيسة القصر في ” أختن” بينما انتشرت الزاوية المدببة الخاصة بالأبجدية القوطية الشمالية في كل مكان من المباني وفن العمارة في ذلك العصر ، علاوة على ذلك اختلفت القوطية الشمالية بسطورها المكتظة بأشكال سوداء قاتمة اختلافا جذريا عن نظيرتها في الجنوب الدافئ ، إلا أن مبادئ الأسلوب المدبب لم تتوطد في إيطاليا حيث نشأت وتطورت في تلك المنطقة نسخة ذات انفراج زاوي أكبر تدعى(البروتندا) أو القوطية الإيطالية ، كان الهدف الرئيس من إنتاج الكتب حتى القرن الثاني عشر تسويق نوعين من الكتب ، كتب فاخرة مصممة للأمراء والملوك وقاعات المحاكم ، وكتب لاهوتية تفيد في أغراض الكنيسة ، ولكن حين أدت الثقافة والعلوم العربية والإغريقية إلى إنشاء المراكز التعليمية المستقلة سرعان ما ظهرت الحاجة الماسة والملحة للحصول على الكتب وإلى أعمال أرسطو وغيره من الفلاسفة الأقدمين بالإضافة إلى دراسات المنطق والرياضيات والموسيقى وعلم الفلك
الكتابة في عصر الآلة :
بالرغم من أن القلم الريشي كان أداة ناجحة جدا خلال قرون عديدة بعد أن حل مكان القلم القصبي في الأيام الأولى من انتشار الديانة المسيحية في الغرب ، ظل دوما موضع التنافس مع أدوات أخرى تستعمل في هذا الميدان ، لقد حاول العديد من المخترعين والصناعيين على مر القرون وفي بلدان مختلفة صنع شكل معدني معين كبديل عن القلم الريشي ، وكما يحدث في أغلب الأحيان سرعان ما ظهرت الابتكارات في أماكن عديدة في ذات الوقت كي تلبي الحاجة لتوفر هذا القلم ، وتعددت الإدعاءات حول لقب المخترع الأول للأقلام المعدنية ، فقد سجل كتاب مخطوط عام (1748) إدعاء “جوهان جانستن ” حاكم ” ايكسلا – شابل” في ” آخن” أنه من دون تبجح يدعي حق الشرف في اختراع قلم جديد ، وليس ” الأمرعرضيا لأن الله ألهمني في الوقت المناسب كيفية صنع الأقلام الفولاذية ”
إلا أنَ صحيفة ” بوسطن ميكانيك” نشرت تنويها في آب (1835 م ) يشير إلى أنَ مخترع الأقلام الفولاذية عام (1800م) كان أمريكيا مواطن معروف في ” وانيتنا” إسمه السيد” بيير غرين ويليامسون ” وسرعان ما اقتبست عنه الإنجليز هذا الإبتكار وحققوا منه أرباحا طائلة، كما نسب منشور ألماني شرف الإختراع إلى معلم مدرسة في ” كوينغربرغ بأنه صنع أقلاما من المعدن عام (1808) م لكن جهوده في هذا الاختراع أوصلته إلى الفقر
في أواخر القرن التاسع عشر كانت المعامل الرئيسية الثلاثة عشر في ” بيرمنغهام ” تستخدم 28 طنا من أنعم الرقائق الفولاذية في الأسبوع الواحد ، وتنتج منها حوالي )175) مليون ريشة قلم كل عام ، ثم يجري تعليبها وشحنها إلى الأسواق ، في كافة أصقاع العالم ، وفي غضون خمسين سنة أو أقل ، اختفى القلم الريشي من الوجود ، ونفي دون رجعة ، لقد كانت الوسائل الصناعية وراء هذا التاريخ الحافل بتطور صناعة الأقلام التي تأسست في”بيرمنغهام ” وإنتشار الأقلام وسيادتها المطلقة هامش:
الكتاب : تاريخ الكتابة
المؤلف : دونالد جاكسون
المترجم : محمد علام خضر
الناشر: وزارة الثقافة السورية 2007
الصفحات 311 ق كبير
العنوان : سوريا القامشلي ص ب 859 – حواس محمود