في احدى زياراتي للاتحاد السوفييتي السابق انتقلنا من موسكو الى – يريفان – عاصمة جمهورية أرمينيا السوفييتية وطلبت من الجهة المضيفة زيارة منزل آرام ديكران وتوجهنا برفقة المثقف الكردي الأرميني السوفييتي دكتور جليلي جليل الى مدينة – آبوفيان – حيث يقيم ووصلنا المنزل وللأسف كان مسافرا واجتمعنا مع أفراد عائلته الذين استقبلونا بكل حفاوة وتشاء الصدف أن تكون زوجة الراحل من مواليد قريتي جمعاية التي سكنتها لأعوام عائلات أرمنية من نفس منطقة عائلتنا – بشيري – قادتها الأقدار للتلاقي مجددا في – بني ختي – ( ماوراء خط الترين ) هربا من بطش العدو المشترك ومن بين أبناء تلك العائلات من توجه الى لبنان وانخرط في الأحزاب الأرمنية ليقوموا بعد ذلك بأدوار ايجابية في اعادة اللحمة الى العلاقات الأرمنية الكردية ومنهم من استقبل كبير عائلتنا – خليلي سمي – الذي أنقذ الأرمن في منطقة نفوذه – ببلاد البشيرية ومضارب آل ديبو – من الابادة التركية بعد هروبه من منفاه الأناضولي واصلا – جمعاية – منهكا مريضا بالسل ونقله الى مشفى – المحنث – الخاص بالأمراض الصدرية في لبنان على نفقة حزب – الطاشناق – حيث وافته المنية هناك ووري الثرى في مقابر الأرمن ببرج حمود بناء على فتوى خاص من البطريرك الأرمني.
دشن الفنان المطرب الموسيقار آرام ديكران مدرسة جديدة في الغناء الكردي جمعت بين الأصالة والحداثة ودمجت الموسيقى واللحن والغزل والجمال بالالتزام بقضايا الشعب والوطن وهو من عبر خير تعبير عبر صوته وآلته الموسيقية عن معاناة الأرمن والكرد ووحدة نضالهما ومصيرهما لم يتوقف أبدا عن ابداعه وعطائه رغم كل المعوقات واجتاز كل الحواجز القومية والدينية ليغني بالنهاية للانسان المعذب المحروم من الحرية وحق الحياة كرديا كان أم أرمنيا شركسيا أم شيشانيا ومن باب الوفاء للرجل فان كل فناني الغناء والطرب من الكرد الذين جاؤوا من بعده مدينون لمدرسته الحديثة وعليهم الحفاظ عليها وتطويرها واغنائها.
لقد وضع اللبنة الأولى في صرح هذه المدرسة الأصيلة – الحديثة والده عندما كان في القامشلي وأصبح التلميذ النجيب المبدع من بعده بل حمل أولاده ذلك الارث اللذين شاركوه في نشاطاته الفنية , واستمر العطاء بعد انتقاله الى – هايستان – أرض الآباء والأجداد في أرمينيا حيث فتحت أمامه آفاقا أكثر تلاؤما ليغرد كطائر حر عاشق للحياة الجديدة في راديو يريفان وليواصل ابداعه الفني في بيئته القومية وبعد ذلك في الدول الأوروبية دون أن يتخلى لحظة عن الغناء بالكردية حيث أتقنها اسوة بمواطنه الراحل المطرب العظيم – كربيت خاجو – الذي له فضل كبير على الغناء الكردي حيث قام بدور أساسي في دعم الأديب الراحل – جاسمي جليل – في افتتاح قسم كردي للمرة الأولى في راديو يريفان في كنف نظام ثورة أكتوبر وقدم نفسه كفنان كردي بعد تغيير اللكنة الأرمنية في اسمه عند تقديم الطلب للجهات الرسمية حيث لم يكن حينذاك في أرمينيا أي فنان كردي وهي شهادة موثقة سمعتها من الراحل العم – جاسم – لدى اللقاء به بمنزله بحضور أبنائه وبناته وآخرين.
آرام ديكران مدرسة فنية متجددة تركت بصماتها في الفن الكردي من موسيقى وغناء ولحن وخلفت أثرا لايمكن امحاؤه في كل بيت كردي اغنياته على كل شفة ولسان واسمه محفور في الوجدان الكردي في كل مكان وفي الوقت ذاته ظاهرة سياسية انبثقت من أعماق التاريخ لتزاوج الحاضر وتؤسس للمستقبل مستقبل شعوبنا في التحرر والتعايش السلمي والتآلف والعيش المشترك والتمازج الثقافي لقد كتب على هذا العبقري أن يحمل هموم المعذبين ويجسد مأساة الملايين من الأرمن والكرد فقد كانت طفولته ثمرة هروب عائلته المشردة من بطش الطغاة لينتهي بها المآل في القامشلي ليعود قي شبابه الى الوطن الأم ثم يغادره الى ديار الغربة الأوروبية وينتهي به المطاف في اليونان حيث توقف قلبه الكبير الحزين.