عباس عباس
كنت مازلت حديث العهد بالهجر وناره, الحزن يحزُّ في أعماقي, يمزقه وأنا المستسلم له بكل برود وبغير مبالاة , نعيم المساعدات العينية من الحكومة الألمانية قد غشت عيني, لذا لم أكن أرغب على التغير أو العودة عنه , فقد كان السيف قد سبق العذل , والندم لم يكن إلا ذلك السيف وقد إجتاز الفؤاد وإنتهيت .
وفي ليلة حين كنت ضيفاً على قريب لي يعيش في مدينة بوخم الألمانية وبصحبتي أخي الأصغر أكرم ,
كنت مازلت حديث العهد بالهجر وناره, الحزن يحزُّ في أعماقي, يمزقه وأنا المستسلم له بكل برود وبغير مبالاة , نعيم المساعدات العينية من الحكومة الألمانية قد غشت عيني, لذا لم أكن أرغب على التغير أو العودة عنه , فقد كان السيف قد سبق العذل , والندم لم يكن إلا ذلك السيف وقد إجتاز الفؤاد وإنتهيت .
وفي ليلة حين كنت ضيفاً على قريب لي يعيش في مدينة بوخم الألمانية وبصحبتي أخي الأصغر أكرم ,
حاولت أن أجتاز ما أنا فيه من همٍ بقليل من الخمر, إلا أنني جرعت من الكثير , وبعدها قادني أخي بسيارته نحو مدينة أخن, والمسافة تحتاج إلى ساعتين عندما يكون السائق أخي أكرم الصبور.
تأكد أخي من أنه على الطريق السريع الصحيح , حتى إطمأن ودار بمفتاح المسجل في سيارته , ليصدح صوت الآت من عشقي الآبدي, من مدينتي أحلامي , من الأمل الذي ضاع بعد أن هاجرها بلبلها مع الصداح آرام, وهو يغني ….هي ليلي.. لي واي بريندارو بلبلو…..
أثور معه …تتمزق أحشائي معه….أكفر….أبكي….آنين لايسمعه حتى الرب……
أطلب من أخي إعادة الأغنية, ومن ثم حين ملّ من طلبي , بدأت أأمره وأنا أكفر به…وهو الصابر السموح , يطيعني بصمت, وقد أدرك ماأنا فيه ؟……ومن أجل تلك الليلة التي قسيت على أخي فيها وأنا الذي أحبه كثيراً….إمتنعت عن شرب الخمر بتاتاً وحتى بعد مرور عشرون عامٍ لم أعد إليه .
نسيت بعد تلك الليلة آرام, أو تناسيته, وإن كنت بين فينة وأخرى أذهب بسيارتي على قمة الجبل الذي هو ضمن مساحة مدينة آخن, وأستمع إليه وهو يئن لهجرة البلبل, فأتحسر وأرتشف الكثير من دموع الندم, ثم أعود لأطفالي وزوجتي.
بعدها الذي خفف همي في غربتي هذه , إلتقائي ببعض الرفاق من الحزب العمال الكردستاني, ومنهم الشهيد خيري والشهيد ريزكار والمغني سيدخان والمغني شمدين…., والعمل الذي كنت أكلف به من قبل الرفاق المسؤولين كان يخفف من وجعي, ومن ضمن ما كنت أقوم به وبشكل مكرر يومي تقريباً هو نقل الرفاق بين الدول الأربعة , ألمانية وهولندا وبلجيكا وفرنسا , وإلتقائي مجدداً بآرام كانت ضمن تلك المهمات.
دخلت كعادي في كل يوم تقريباً مركزالحزب (حزب العمال الكردستاني- درنك بالكردية) لمدينة آخن الألمانية, ومن هناك حيث بإنتظاري الرفيق الشهيد ريزكار (الشهيد زرادشت من ديركا حمكو) المسؤول العام عن منطقة آحن, لنذهب معاَ إلى مدينة بون حيث مكتب عملي (كمسؤول مالي لمنظة المثقفين الأكراد (روشنبير) ولمجلة روشن .
كان ينتظرني بإبتسامته المعهودة أمام الباب, وقبل أن أنطق وأقول له ما كنت أريد قوله , طلب مني الذهاب إلى مدينة جانج الهولندية .
بين مدينة جانج ومدينة آخن خمسون كيلو متر, ومكتب الحزب هناك أعرفه جيدأً فقد شاركت الرفاق في فتحه مثل الكثير من المراكز ….. لم أسأله لماذا يجب أن أذهب, لأنني كنت غالباً ما أذهب هناك, لنقل البريد والصحف وإلقاء نظرة عابرة على مجرى سير العمل هناك.
إلا أن المفاجئة كانت عظيمة حين ذكر لي إسم الفنان القدير آرام, وقال : ستأخذه معك إلى بون .
منذ سنوات لم آراه , وآخر مرة كنت قد شاهدته فيها قبل هجرتي بسنة , حين إلتقينا وبالصدفة على عشاءٍ عابر في مقهى كربيس الصيفي , ومن ثم ضعنا نحن الإثنان , هو بعيدأ عن جمهوره الذي عشقه ومدينته القامشلي التي بقي وفياً لها حتى حين كان في يريفان, وأنا ضعت في متاهات الغربة والهجران .
دخلت مركز الحزب, كان ينتظر الرفيق الذي سينقله على أحر من الجمر, والقلق باد عليه, وأول ما أن شاهدني حتى بادرني بقوله :
1-أنت ماذا تفعل هنا؟!….
-وأنت ياآرام….
طبعاً….الكرد عندما يلفظون كلمة آرام بدون ألقاب, ندرك منه الإحترام… التقدير… الحب…وقد كان يعرف ذلك بكل تأكيد …..
ونحن نشرب الشاي, إلتفت إلي وهو يستفسر بحِيرة :
-هل تعرف الطرقات جيداً….فأنا لاأحمل جواز سفر…
لن أزيد على ذلك شيئاً, لأني سأنتقل لقصتي معه في طريق عودتنا .
المطلوب مني إعادته لمدينة جانج حيث الرفاق هناك يتكفلون بالباقي, والباقي هو نقله إلى مدينة بروكسل حيث مكان إقامته قبل أن يهديه آبو بيتاً في يونان كما قيل لي .
توجهنا نحو الحدود الهولندية, والتي كانت مغلقة قبل الإتفاق الأروبي, ومعي كل من أخي محمود وصديقه معصوم ديركي , والثلاثة لايحملون جوازات سفر .
إجتزت بهم الحدود بدون أية مشكلة, وإرتاح آرام جداُ لذلك بعد القلق الذي كان يظهره من خلال أسئلته الكثيرة , إلا أن المفاجئة كانت على الطريق السريع , في نقطة تفتيش غير متوقعة بتاتاً .
وقف الشرطي وطلب منا الجوازات, قدمت له جواز سفري الأزرق الخاص باللاجئين السياسيين, وإنتظر الثلاثة .
حين ذاك ترجلت من السيارة وفتحت له علبة السيارة الخلفي ليشاهد البزق الذي سجل به أرام ليس تاريخ هجرة البلابل فقط, بل عظمة إنسان أرمني أحب أن ينطق بزقه هذا, الكردية التي عشقها كأبيه الشاعر .
وقلت للشرطي, هي فرقة موسيقية كردية سنذهب لتقديم حفلة, في تلك اللحظة وقف آرام بجنبي وحمل البزق, وحرك بإصبعه خفيفا وتراً أو وترين…
أعاد لي جواز سفري وتمنا لنا ليلة سعيدة , لم أجد أرام سعيداً كما في تلك الرحلة, فقد إستمر لقاؤنا وحتى أنه شارك عائلتي بعدة حفلات خاصة, مثل عيد ميلاد إبني محمد وله فيها كعادته صوت شجي مسجل .
واليوم …وياأعز الناس ترحل….فمن سيغني للبل الذي تركته في هجره يبكي آساه…..
أثور معه …تتمزق أحشائي معه….أكفر….أبكي….آنين لايسمعه حتى الرب……
أطلب من أخي إعادة الأغنية, ومن ثم حين ملّ من طلبي , بدأت أأمره وأنا أكفر به…وهو الصابر السموح , يطيعني بصمت, وقد أدرك ماأنا فيه ؟……ومن أجل تلك الليلة التي قسيت على أخي فيها وأنا الذي أحبه كثيراً….إمتنعت عن شرب الخمر بتاتاً وحتى بعد مرور عشرون عامٍ لم أعد إليه .
نسيت بعد تلك الليلة آرام, أو تناسيته, وإن كنت بين فينة وأخرى أذهب بسيارتي على قمة الجبل الذي هو ضمن مساحة مدينة آخن, وأستمع إليه وهو يئن لهجرة البلبل, فأتحسر وأرتشف الكثير من دموع الندم, ثم أعود لأطفالي وزوجتي.
بعدها الذي خفف همي في غربتي هذه , إلتقائي ببعض الرفاق من الحزب العمال الكردستاني, ومنهم الشهيد خيري والشهيد ريزكار والمغني سيدخان والمغني شمدين…., والعمل الذي كنت أكلف به من قبل الرفاق المسؤولين كان يخفف من وجعي, ومن ضمن ما كنت أقوم به وبشكل مكرر يومي تقريباً هو نقل الرفاق بين الدول الأربعة , ألمانية وهولندا وبلجيكا وفرنسا , وإلتقائي مجدداً بآرام كانت ضمن تلك المهمات.
دخلت كعادي في كل يوم تقريباً مركزالحزب (حزب العمال الكردستاني- درنك بالكردية) لمدينة آخن الألمانية, ومن هناك حيث بإنتظاري الرفيق الشهيد ريزكار (الشهيد زرادشت من ديركا حمكو) المسؤول العام عن منطقة آحن, لنذهب معاَ إلى مدينة بون حيث مكتب عملي (كمسؤول مالي لمنظة المثقفين الأكراد (روشنبير) ولمجلة روشن .
كان ينتظرني بإبتسامته المعهودة أمام الباب, وقبل أن أنطق وأقول له ما كنت أريد قوله , طلب مني الذهاب إلى مدينة جانج الهولندية .
بين مدينة جانج ومدينة آخن خمسون كيلو متر, ومكتب الحزب هناك أعرفه جيدأً فقد شاركت الرفاق في فتحه مثل الكثير من المراكز ….. لم أسأله لماذا يجب أن أذهب, لأنني كنت غالباً ما أذهب هناك, لنقل البريد والصحف وإلقاء نظرة عابرة على مجرى سير العمل هناك.
إلا أن المفاجئة كانت عظيمة حين ذكر لي إسم الفنان القدير آرام, وقال : ستأخذه معك إلى بون .
منذ سنوات لم آراه , وآخر مرة كنت قد شاهدته فيها قبل هجرتي بسنة , حين إلتقينا وبالصدفة على عشاءٍ عابر في مقهى كربيس الصيفي , ومن ثم ضعنا نحن الإثنان , هو بعيدأ عن جمهوره الذي عشقه ومدينته القامشلي التي بقي وفياً لها حتى حين كان في يريفان, وأنا ضعت في متاهات الغربة والهجران .
دخلت مركز الحزب, كان ينتظر الرفيق الذي سينقله على أحر من الجمر, والقلق باد عليه, وأول ما أن شاهدني حتى بادرني بقوله :
1-أنت ماذا تفعل هنا؟!….
-وأنت ياآرام….
طبعاً….الكرد عندما يلفظون كلمة آرام بدون ألقاب, ندرك منه الإحترام… التقدير… الحب…وقد كان يعرف ذلك بكل تأكيد …..
ونحن نشرب الشاي, إلتفت إلي وهو يستفسر بحِيرة :
-هل تعرف الطرقات جيداً….فأنا لاأحمل جواز سفر…
لن أزيد على ذلك شيئاً, لأني سأنتقل لقصتي معه في طريق عودتنا .
المطلوب مني إعادته لمدينة جانج حيث الرفاق هناك يتكفلون بالباقي, والباقي هو نقله إلى مدينة بروكسل حيث مكان إقامته قبل أن يهديه آبو بيتاً في يونان كما قيل لي .
توجهنا نحو الحدود الهولندية, والتي كانت مغلقة قبل الإتفاق الأروبي, ومعي كل من أخي محمود وصديقه معصوم ديركي , والثلاثة لايحملون جوازات سفر .
إجتزت بهم الحدود بدون أية مشكلة, وإرتاح آرام جداُ لذلك بعد القلق الذي كان يظهره من خلال أسئلته الكثيرة , إلا أن المفاجئة كانت على الطريق السريع , في نقطة تفتيش غير متوقعة بتاتاً .
وقف الشرطي وطلب منا الجوازات, قدمت له جواز سفري الأزرق الخاص باللاجئين السياسيين, وإنتظر الثلاثة .
حين ذاك ترجلت من السيارة وفتحت له علبة السيارة الخلفي ليشاهد البزق الذي سجل به أرام ليس تاريخ هجرة البلابل فقط, بل عظمة إنسان أرمني أحب أن ينطق بزقه هذا, الكردية التي عشقها كأبيه الشاعر .
وقلت للشرطي, هي فرقة موسيقية كردية سنذهب لتقديم حفلة, في تلك اللحظة وقف آرام بجنبي وحمل البزق, وحرك بإصبعه خفيفا وتراً أو وترين…
أعاد لي جواز سفري وتمنا لنا ليلة سعيدة , لم أجد أرام سعيداً كما في تلك الرحلة, فقد إستمر لقاؤنا وحتى أنه شارك عائلتي بعدة حفلات خاصة, مثل عيد ميلاد إبني محمد وله فيها كعادته صوت شجي مسجل .
واليوم …وياأعز الناس ترحل….فمن سيغني للبل الذي تركته في هجره يبكي آساه…..