بيوار إبراهيم
Bewar.brahim@yahoo.com
Bewar.brahim@yahoo.com
التراجيديا الحقيقية للإنسان لا تكمن في نواقصه التي تقوض كماله بل تكمن في مبتغاه و فيما يريده و ما يخطط من أهداف و مشاريع حياتية عنيدة و مليئة بالكمال و حتى بتخطي هذا الكمال, قد تكون التضحيات الجمة التي دفعها الشعب الكردي في جنوب كردستان هي بمثابة التخطي للكمال الذي أشرت إليه آنفاً, لكن ما مدى تقدمهم في ذلك التخطي لحدود الكمال عبر تضحياتهم في سبيل الحرية و الخلاص من الظلم و الاستبداد, أو بالأحرى ما مدى حفاظهم عليه؟؟؟
هذا السؤال و الكثير من الأسئلة التي تترك آثاراً جارحة في قلب كل كردي تمتلئ أعماقه بالكردايتي, هذا الشعور الآيل للسقوط عند الكثيرين بجنوب كردستان في مستنقعات الأنانية و نسيان الماضي و ما يتضمن من تضحيات و لم يكتفوا بعبادة الأنانية فقط بل تحولوا إلى خلق أعمال مريبة من قتل النساء بدافع غسل الشرف و ختان البنات و أشياء أخرى. هذه الأعمال الضيقة الأفق التي تركت آثاراً غير حميدة و نظرة سلبية عند المجتمع الدولي عن الشعب الكردي عامة و في إقليم كردستان العراق خاصة و الأخص أن تكون مدينة السليمانية و المناطق التي تتبعها إدارياً هي بؤرة مثل هذه الأعمال التي اشتهرت بختان البنات عكس مدينة دهوك التي اشتهرت بقتل النساء بدافع غسل العار و الشرف خاصة عام 2008.
لكن مؤخراً و بعكس ما كان الاعتقاد يسري بمفعوله من تقدم نحو الأحسن ,و آخر ما كنا ننتظره منهم هو فتح أبواب النار على مصراعيه و لكن بشكل أدهى و أخطر مما قد يسبب الأذى و الضرر إلى كل الشعب الكردي في الأجزاء الأخرى من كردستان و هو القيام بجمع الكتب من المكتبات و حرقها في الساحات العامة لأسباب لا تتم بصلة عن الحقيقة التي جعلتهم يشعلون النار في الكتب و ذر رمادها مع التراب في عين صاحبها الكاتب و الأستاذ الجامعي د.فرهاد بيربال, المطالبة بالتغيير و محاربة الفساد شيء حضاري و يؤدي نحو التقدم بين الشعوب و الأوطان الأخرى, لكن اللجوء إلى الأعمال الرجعية و السبل المستبدة من أجل المطالبة بالتغيير مثل حرق الكتب هو أمر أكثر من رجعي و لن نكون مبالغين إذا قلنا أنه أمر خطير و كان من المهم أن تتوقف كافة الأقلام الحرة و المؤسسات الثقافية و العلمية و الأدبية في إقليم كردستان عند هذا الحدث المؤسف الذي يشوه التاريخ و يجعل من الشعب عرضة للتخلف و الجهل( ألا يكفيهم الجهل الذي يعيشونه الآن؟) عندما نعود لقراءة التاريخ فإننا لا نجد أية إشارة أو دليل أن المنظمات أو الحكومات أو أي حكم آخر من الإمبراطوريات و الإمارات التي تولت زمام الحكم الكردي قامت بإحراق الكتب و المخطوطات بل العكس مما فعله الكثيرين من الأباطرة و الأمراء في العالم عامة و في العالم العربي خاصة بحيث أحرقوا مكتبات بكاملها تلك الحرائق التي التهمت الكتب بقصد محوها عن الوجود و دفعت الشعوب بذلك ثمناً باهظاً من عمليات التدمير الشاملة لتلك الأفكار و الأيديولوجيات التي كانت تتضمن في بواطن تلك الكتب و بما أننا بصدد حرق الكتب في إقليم كردستان العراق لا بد من ذكر حرق هولاكو لجميع مكتبات العراق سنة1221م و هنا يمكننا القول أن الذين أحرقوا كتب الدكتور فرهاد بيربال كانوا متأثرين بما فعله هولاكو في مكتبات العراق. من أخطر الظواهر التي تجتاح المجتمعات و تقيدهم و من ثم تؤدهم حياً هو محاربة التقدم الحضاري و ذلك عبر محاربتهم للثقافة و العلوم الإنسانية التي تتيح للإنسان معرفة السبل نحو العيش المنير بضوء العلم و المعرفة بعيداً عن الجهل و الظلام. الحملة الشرسة التي استهدفت صاحب أصدق و أشجع قلم حر في كل إقليم كردستان العراق د.فرهاد بيربال و شقيقه الكاتب خسرو بيربال تحمل في طياتها كل أنواع الغبن و الأنانية, بعد أن أعلن د.فرهاد بيربال تأييده الكامل للأخ مسعود البارزاني و أعلن بشجاعة قائلاً ” حتى لو لم يرشح الأخ مسعود بارزاني نفسه في الانتخابات كنت سأصوت لأجله”, اشتعلت الحملة عليه و على شقيقه الأخ خسرو بيربال أكثر و من جملة الأسباب التي جعلوا منها سنداً لأنفسهم كي يناوروا و يحرقوا ما تبقى من ماء وجهوهم هو تصريح الأخ نجيرفان بارزاني أثناء افتتاحه لمكتبة الزيتون في 22 أكتوبر 2008 وشكره الخاص للدكتور فرهاد بيربال على إهدائه له نسخة من أول صحيفة كردية صدرت في التاريخ عام 1898 :” لقد أهداني الدكتور (فرهاد بيربال) نسخة من جريدة (كوردستان)، وهي أول جريدة كوردية صدرت ونشرت في عام 1898 على يد مقداد مدحت بدرخان في القاهرة . وكمساهمة متواضعة مني لهذه المكتبة أود إهداء هذه النسخة من (جريدة كوردستان) إلى مكتبة الزيتون على الرغم من كونها ثمينة وغالية عندي لكن هذه النسخة تستحق أن تهدى إلى هذه المكتبة لأنها تناسب مكانتها وهي دعم لهذه الخطوة المقدسة شكري وتقديري للدكتور (فرهاد بيربال) على هذه الهدية الثمينة التي قدمها لي. ولكنني أفضل أن لا تكون هذه الهدية ملكا لي وحدي فقط وإنما ملك للجميع في مكتبة الزيتون”.
هنا يكمن الشك لأن د.فرهاد بيربال معروف برأيه لبناء لغة كردية موحدة و بالأبجدية اللاتينية و قد نشر له الكثير من المقالات بهذه الأبجدية التي يحتقرها الكثيرين من الأخوة المثقفين “السورانيين” و يحاربونها بشدة بل يصل الأمر بالبعض منهم أن يصفوها بالأبجدية التركية و عندما يهدي بنفسه نسخة من أول صحيفة صدرت باللغة الكردية في التاريخ و التي أصدرها أحد أجداد مؤسس الأبجدية اللاتينية الأمير جلادت بدرخان لا بد و أن تقوم القيامة لأن نجيرفان بارزاني ابن اللهجة الكرمانجية و فرح أيما فرح بالهدية التي تلقاها من كاتب و أكاديمي معروف لكنه ابن اللهجة السورانية هذا التقارب و الاندماج دق على نواقيس الخطر عند الكثيرين ممن يكرهون الوحدة و التوحيد و حتى التغيير, إذا ما تحولت الأبجدية في الإقليم من العربية إلى اللاتينية فأية كارثة ستعصف بهم!!؟؟
يقال:” لا تدخل في رأيك بخيلاً فيقصر فعلك, و جباناً فيخوفك ما لا تخاف, و حريصاً فيعدك ما لا يرجى”. بالنسبة للشعب الكردي و كما هو معروف عنه نسبياً فإن أغلب الدروب التي سلكها هذا الشعب في سبيل الحرية و الخلاص بأنه لم يدخل في رأيه لا البخلاء و لا الجبناء و لا الحريصين , بل حاول جاهداً أن يتخطى كل أزمة تعترض دروب مسيرته من أجل الخلاص و هذا الجهد أنتج الاستقلال النسبي في إقليم كردستان العراق بعد الكوارث و الويلات, و ما فعله د. فرهاد بيربال من تصويته في الانتخابات لصالح جهة تكون قادرة على قيادة دفة الحكم في الإقليم, موقف جريء لا يستطيع الكثيرين من أبناء ذلك الوطن أن يقتربوا منه أو حتى أن يفكروا به, لكن يبدو” إن الشياطين تحصد الحسنات كلما رجموهم بالحصيات” تحول موقفه إلى نيران التهمت كتبه فوق قلعة شيروان و بات مع شقيقه الكاتب خسرو بيربال هدف لحملة شرسة مع تشويه له و قبله الرئيس مسعود بارزاني الذي لا يرضى لنفسه أية ألقاب سوى لقب بيشمركة, السؤال الذي يفرض نفسه هنا: أبهذه الطريقة الغير حضارية و عبر تشويه رجل قلما يوجد مثله بين الشعب الكردي عامة و الكردستاني خاصة تطالبون بالتغيير و بمحاربة الفساد!!؟؟ ألا تعتقدون إن كل من يشوه رموزه و الأخ مسعود بارزاني أحد هذه الرموز هو قمة الفساد بعينه و المشي نحو الخلف من أجل التغيير هو الرجعية بعينها؟؟؟ مسعود بارزاني إن لم يكن هو السلام بعينه فهو رجل السلام الذي يعلن مراراً و تكراراً” لن أسمح بالاقتتال الكردي- الكردي و سيصبح حلماً بعيد المنال لكل أعداء الشعب الكردي و ليس إقليم كردستان وحده”. مسعود البارزاني الذي يواجه دولة عسكرية مدججة بالأسلحة و يرفض نطق كلمة” منظمة إرهابية” على أي حزب كردي آخر و على المقاتلين في شمال كردستان, يصبح اليوم رئيساً للجاش بأقلام مواطنيه؟؟؟ “الجاش” هذه الكلمة التي أبت مغادرة ذلك الوطن كلما غادرت كلما عادت و هي تلبس زياً آخر و بفكر آخر. لا بد و أن الذين يخافون من مواقف د. فرهاد بيربال يتخيلون إذا ما أسند إليه حقيبة وزارية مثل وزارة الثقافة أو وزارة التعليم العالي, كيف سيرسم بجنونه المبدع و مواقفه الصريحة لوحة حية و حضارية تضيء وجه إقليم كردستان العراق بين الأمم؟؟؟
الحكومة لديها أخطائها و البارتي لديه أخطائه لأنهم ليسوا ملائكة في الأخير هم بشر ولا بد أن يخطأوا, لكن الخطأ الأعمى هو معالجة الخطأ بخطأ أكبر و أقبح, و تصويت د. فرهاد لصالح الأخ مسعود بارزاني و دعوته بأن يكون هذا الرجل بمثابة المرجعية الفكرية و السياسية للشعب الكردي ليست جاسوسية أو خطأ ً بحق استقلاليته الأدبية و لا تدخل في خانة الأخطاء و لا في مستنقعات الخيانة بحق كورديته.
إن اغتيال الكتب و حرقها و وأدها أقوى و أعنف من اغتيال الإنسان و حرقه و وأده, لأن الإنسان يمضي نحو الزوال أما الكتب تكاد تكون الدليل الوحيد على وجود البشرية فوق وجه الأرض لأن الحضارات تضيع و تندفن بمجرد القضاء على المكتبات و حرق الكتب. تاريخ العراق ملئ بالفواجع و الكوارث, ما تزال هباب حرائق مكتباته العامة و الشخصية موجوداً بين مائه و هوائه و أهمها مكتبة بيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد و أحرقها المغول و رمى بكتبها في نهر دجلة إلى أن تحولت مياهه إلى اللون الأسود جراء المداد الذي دونت به تلك الكتب, و لنتحدث بلا حرج عن جدنا البطل صلاح الدين الأيوبي الذي سخر كل بطولاته لله و المسلمين و نسي أصله و شعبه و أمته الكردية و كأن الله كان بحاجة إلى بطولاته كي ينقذ المسلمين, و عن ما فعله بمجرد دخوله مصر هو إحراق و إتلاف الكتب في المكتبات الفاطمية حيث تم في عهده كما يذكر المؤرخون أمثال المقريزي و القلقشندي الذي يشير:( وكانت من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعاً للكتب النفيسة من جميع العلوم… ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولتهم (أي دولة الخلفاء الفاطميين) بموت العاضد آخر خلفائهم، واستيلاء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على المملكة بعدهم، فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة، ووقفها بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة، فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق منها إلا القليل).
و لا بد أن نذكر و الذكرى تنفع المؤمنين أن صلاح الدين الأيوبي من جنوب كردستان و اليوم تمضي شريحة كبيرة من أهالي إقليم كردستان على دربه بكل وفاء و لم يعد يهمهم الكراديتي بأي شيء يذكر و لو لم يكن الأخ مسعود البارزاني على دفة الحكم في الإقليم لكانت رؤوس المقاتلين الكورد في شمال كردستان أول صفقة يتم الاتفاق عليها فوق طاولات المفاوضات الكردستانية – التركية, لكنه و بحكمته الرصينة و روحه المليئة بالكوردايتي يسعى جاهداً و بأي ثمن إلى إيجاد الحلول السلمية للقضية الكردية و إحلال السلام و الأمان للشعب الكردي أينما كان بعيداً عن الاقتتال الأخوي و الفتن و التشرذم الذي فتك بالبنية السياسية و الثقافية و الاجتماعية لدى الشعب الكردي. الشعوب التي تتضور جوعاً ثقافياً و اجتماعيا و سياسياً ينظرون بفارغ الصبر إلى الشفاه التي ترمي لهم بكسرة ابتسامة, هذه الشعوب التي تأكدت في آخر الأمر إن جنونهم لم ينشأ إلا من المَعِدات الخاوية و الأفواه المليئة بالريح و عندما تحاول المطالبة بالمستحيل تدرك جيداً أنها ستحرم من الممكن و هذا الممكن هو الآخر يخذلهم و يبتعد عنهم سالكاً لنفسه مجرى آخر.
لكن مؤخراً و بعكس ما كان الاعتقاد يسري بمفعوله من تقدم نحو الأحسن ,و آخر ما كنا ننتظره منهم هو فتح أبواب النار على مصراعيه و لكن بشكل أدهى و أخطر مما قد يسبب الأذى و الضرر إلى كل الشعب الكردي في الأجزاء الأخرى من كردستان و هو القيام بجمع الكتب من المكتبات و حرقها في الساحات العامة لأسباب لا تتم بصلة عن الحقيقة التي جعلتهم يشعلون النار في الكتب و ذر رمادها مع التراب في عين صاحبها الكاتب و الأستاذ الجامعي د.فرهاد بيربال, المطالبة بالتغيير و محاربة الفساد شيء حضاري و يؤدي نحو التقدم بين الشعوب و الأوطان الأخرى, لكن اللجوء إلى الأعمال الرجعية و السبل المستبدة من أجل المطالبة بالتغيير مثل حرق الكتب هو أمر أكثر من رجعي و لن نكون مبالغين إذا قلنا أنه أمر خطير و كان من المهم أن تتوقف كافة الأقلام الحرة و المؤسسات الثقافية و العلمية و الأدبية في إقليم كردستان عند هذا الحدث المؤسف الذي يشوه التاريخ و يجعل من الشعب عرضة للتخلف و الجهل( ألا يكفيهم الجهل الذي يعيشونه الآن؟) عندما نعود لقراءة التاريخ فإننا لا نجد أية إشارة أو دليل أن المنظمات أو الحكومات أو أي حكم آخر من الإمبراطوريات و الإمارات التي تولت زمام الحكم الكردي قامت بإحراق الكتب و المخطوطات بل العكس مما فعله الكثيرين من الأباطرة و الأمراء في العالم عامة و في العالم العربي خاصة بحيث أحرقوا مكتبات بكاملها تلك الحرائق التي التهمت الكتب بقصد محوها عن الوجود و دفعت الشعوب بذلك ثمناً باهظاً من عمليات التدمير الشاملة لتلك الأفكار و الأيديولوجيات التي كانت تتضمن في بواطن تلك الكتب و بما أننا بصدد حرق الكتب في إقليم كردستان العراق لا بد من ذكر حرق هولاكو لجميع مكتبات العراق سنة1221م و هنا يمكننا القول أن الذين أحرقوا كتب الدكتور فرهاد بيربال كانوا متأثرين بما فعله هولاكو في مكتبات العراق. من أخطر الظواهر التي تجتاح المجتمعات و تقيدهم و من ثم تؤدهم حياً هو محاربة التقدم الحضاري و ذلك عبر محاربتهم للثقافة و العلوم الإنسانية التي تتيح للإنسان معرفة السبل نحو العيش المنير بضوء العلم و المعرفة بعيداً عن الجهل و الظلام. الحملة الشرسة التي استهدفت صاحب أصدق و أشجع قلم حر في كل إقليم كردستان العراق د.فرهاد بيربال و شقيقه الكاتب خسرو بيربال تحمل في طياتها كل أنواع الغبن و الأنانية, بعد أن أعلن د.فرهاد بيربال تأييده الكامل للأخ مسعود البارزاني و أعلن بشجاعة قائلاً ” حتى لو لم يرشح الأخ مسعود بارزاني نفسه في الانتخابات كنت سأصوت لأجله”, اشتعلت الحملة عليه و على شقيقه الأخ خسرو بيربال أكثر و من جملة الأسباب التي جعلوا منها سنداً لأنفسهم كي يناوروا و يحرقوا ما تبقى من ماء وجهوهم هو تصريح الأخ نجيرفان بارزاني أثناء افتتاحه لمكتبة الزيتون في 22 أكتوبر 2008 وشكره الخاص للدكتور فرهاد بيربال على إهدائه له نسخة من أول صحيفة كردية صدرت في التاريخ عام 1898 :” لقد أهداني الدكتور (فرهاد بيربال) نسخة من جريدة (كوردستان)، وهي أول جريدة كوردية صدرت ونشرت في عام 1898 على يد مقداد مدحت بدرخان في القاهرة . وكمساهمة متواضعة مني لهذه المكتبة أود إهداء هذه النسخة من (جريدة كوردستان) إلى مكتبة الزيتون على الرغم من كونها ثمينة وغالية عندي لكن هذه النسخة تستحق أن تهدى إلى هذه المكتبة لأنها تناسب مكانتها وهي دعم لهذه الخطوة المقدسة شكري وتقديري للدكتور (فرهاد بيربال) على هذه الهدية الثمينة التي قدمها لي. ولكنني أفضل أن لا تكون هذه الهدية ملكا لي وحدي فقط وإنما ملك للجميع في مكتبة الزيتون”.
هنا يكمن الشك لأن د.فرهاد بيربال معروف برأيه لبناء لغة كردية موحدة و بالأبجدية اللاتينية و قد نشر له الكثير من المقالات بهذه الأبجدية التي يحتقرها الكثيرين من الأخوة المثقفين “السورانيين” و يحاربونها بشدة بل يصل الأمر بالبعض منهم أن يصفوها بالأبجدية التركية و عندما يهدي بنفسه نسخة من أول صحيفة صدرت باللغة الكردية في التاريخ و التي أصدرها أحد أجداد مؤسس الأبجدية اللاتينية الأمير جلادت بدرخان لا بد و أن تقوم القيامة لأن نجيرفان بارزاني ابن اللهجة الكرمانجية و فرح أيما فرح بالهدية التي تلقاها من كاتب و أكاديمي معروف لكنه ابن اللهجة السورانية هذا التقارب و الاندماج دق على نواقيس الخطر عند الكثيرين ممن يكرهون الوحدة و التوحيد و حتى التغيير, إذا ما تحولت الأبجدية في الإقليم من العربية إلى اللاتينية فأية كارثة ستعصف بهم!!؟؟
يقال:” لا تدخل في رأيك بخيلاً فيقصر فعلك, و جباناً فيخوفك ما لا تخاف, و حريصاً فيعدك ما لا يرجى”. بالنسبة للشعب الكردي و كما هو معروف عنه نسبياً فإن أغلب الدروب التي سلكها هذا الشعب في سبيل الحرية و الخلاص بأنه لم يدخل في رأيه لا البخلاء و لا الجبناء و لا الحريصين , بل حاول جاهداً أن يتخطى كل أزمة تعترض دروب مسيرته من أجل الخلاص و هذا الجهد أنتج الاستقلال النسبي في إقليم كردستان العراق بعد الكوارث و الويلات, و ما فعله د. فرهاد بيربال من تصويته في الانتخابات لصالح جهة تكون قادرة على قيادة دفة الحكم في الإقليم, موقف جريء لا يستطيع الكثيرين من أبناء ذلك الوطن أن يقتربوا منه أو حتى أن يفكروا به, لكن يبدو” إن الشياطين تحصد الحسنات كلما رجموهم بالحصيات” تحول موقفه إلى نيران التهمت كتبه فوق قلعة شيروان و بات مع شقيقه الكاتب خسرو بيربال هدف لحملة شرسة مع تشويه له و قبله الرئيس مسعود بارزاني الذي لا يرضى لنفسه أية ألقاب سوى لقب بيشمركة, السؤال الذي يفرض نفسه هنا: أبهذه الطريقة الغير حضارية و عبر تشويه رجل قلما يوجد مثله بين الشعب الكردي عامة و الكردستاني خاصة تطالبون بالتغيير و بمحاربة الفساد!!؟؟ ألا تعتقدون إن كل من يشوه رموزه و الأخ مسعود بارزاني أحد هذه الرموز هو قمة الفساد بعينه و المشي نحو الخلف من أجل التغيير هو الرجعية بعينها؟؟؟ مسعود بارزاني إن لم يكن هو السلام بعينه فهو رجل السلام الذي يعلن مراراً و تكراراً” لن أسمح بالاقتتال الكردي- الكردي و سيصبح حلماً بعيد المنال لكل أعداء الشعب الكردي و ليس إقليم كردستان وحده”. مسعود البارزاني الذي يواجه دولة عسكرية مدججة بالأسلحة و يرفض نطق كلمة” منظمة إرهابية” على أي حزب كردي آخر و على المقاتلين في شمال كردستان, يصبح اليوم رئيساً للجاش بأقلام مواطنيه؟؟؟ “الجاش” هذه الكلمة التي أبت مغادرة ذلك الوطن كلما غادرت كلما عادت و هي تلبس زياً آخر و بفكر آخر. لا بد و أن الذين يخافون من مواقف د. فرهاد بيربال يتخيلون إذا ما أسند إليه حقيبة وزارية مثل وزارة الثقافة أو وزارة التعليم العالي, كيف سيرسم بجنونه المبدع و مواقفه الصريحة لوحة حية و حضارية تضيء وجه إقليم كردستان العراق بين الأمم؟؟؟
الحكومة لديها أخطائها و البارتي لديه أخطائه لأنهم ليسوا ملائكة في الأخير هم بشر ولا بد أن يخطأوا, لكن الخطأ الأعمى هو معالجة الخطأ بخطأ أكبر و أقبح, و تصويت د. فرهاد لصالح الأخ مسعود بارزاني و دعوته بأن يكون هذا الرجل بمثابة المرجعية الفكرية و السياسية للشعب الكردي ليست جاسوسية أو خطأ ً بحق استقلاليته الأدبية و لا تدخل في خانة الأخطاء و لا في مستنقعات الخيانة بحق كورديته.
إن اغتيال الكتب و حرقها و وأدها أقوى و أعنف من اغتيال الإنسان و حرقه و وأده, لأن الإنسان يمضي نحو الزوال أما الكتب تكاد تكون الدليل الوحيد على وجود البشرية فوق وجه الأرض لأن الحضارات تضيع و تندفن بمجرد القضاء على المكتبات و حرق الكتب. تاريخ العراق ملئ بالفواجع و الكوارث, ما تزال هباب حرائق مكتباته العامة و الشخصية موجوداً بين مائه و هوائه و أهمها مكتبة بيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد و أحرقها المغول و رمى بكتبها في نهر دجلة إلى أن تحولت مياهه إلى اللون الأسود جراء المداد الذي دونت به تلك الكتب, و لنتحدث بلا حرج عن جدنا البطل صلاح الدين الأيوبي الذي سخر كل بطولاته لله و المسلمين و نسي أصله و شعبه و أمته الكردية و كأن الله كان بحاجة إلى بطولاته كي ينقذ المسلمين, و عن ما فعله بمجرد دخوله مصر هو إحراق و إتلاف الكتب في المكتبات الفاطمية حيث تم في عهده كما يذكر المؤرخون أمثال المقريزي و القلقشندي الذي يشير:( وكانت من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعاً للكتب النفيسة من جميع العلوم… ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولتهم (أي دولة الخلفاء الفاطميين) بموت العاضد آخر خلفائهم، واستيلاء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على المملكة بعدهم، فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة، ووقفها بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة، فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق منها إلا القليل).
و لا بد أن نذكر و الذكرى تنفع المؤمنين أن صلاح الدين الأيوبي من جنوب كردستان و اليوم تمضي شريحة كبيرة من أهالي إقليم كردستان على دربه بكل وفاء و لم يعد يهمهم الكراديتي بأي شيء يذكر و لو لم يكن الأخ مسعود البارزاني على دفة الحكم في الإقليم لكانت رؤوس المقاتلين الكورد في شمال كردستان أول صفقة يتم الاتفاق عليها فوق طاولات المفاوضات الكردستانية – التركية, لكنه و بحكمته الرصينة و روحه المليئة بالكوردايتي يسعى جاهداً و بأي ثمن إلى إيجاد الحلول السلمية للقضية الكردية و إحلال السلام و الأمان للشعب الكردي أينما كان بعيداً عن الاقتتال الأخوي و الفتن و التشرذم الذي فتك بالبنية السياسية و الثقافية و الاجتماعية لدى الشعب الكردي. الشعوب التي تتضور جوعاً ثقافياً و اجتماعيا و سياسياً ينظرون بفارغ الصبر إلى الشفاه التي ترمي لهم بكسرة ابتسامة, هذه الشعوب التي تأكدت في آخر الأمر إن جنونهم لم ينشأ إلا من المَعِدات الخاوية و الأفواه المليئة بالريح و عندما تحاول المطالبة بالمستحيل تدرك جيداً أنها ستحرم من الممكن و هذا الممكن هو الآخر يخذلهم و يبتعد عنهم سالكاً لنفسه مجرى آخر.
كل إنسان يملك إمكانيات جيدة تساعده بالنضال في سبيل الحرية و العيش بسلام يمكنه بناء المدائن, لكن ما يجري في إقليم كردستان العراق شيء تقشعر له الأبدان لأن الكثيرين منهم ينسون أو يتناسون أن تلك الأرض هي بلادهم و لا بد أن يكافحوا من أجلها, يروون الأرض بعرقهم كما أسقوها من دمائهم لكن ما يحصل الآن هو العكس كل عملهم هو النوم خلف الأبواب المغلقة و النوافذ المسدلة الستائر لا يعرفون ماذا تعني الزراعة أو الصناعة أو الإنتاج من أجل التصدير و إذا ما دققنا النظر في أعينهم و في بواطن أعماقهم و بالرغم من الثراء الفاحش المسيطر عليهم بشكل هستيري نرى إدمانهم للكثير من أنواع الجوع و تحديداً الجوع الكلاسيكي الموشوم بالمَعِدات الخاوية وبالتأكيد أنا لا أقصد الجوع الثقافي لأن هذا الجوع بعيد كل البعد عن شريحة كبيرة من المجتمع هناك, هنا يمكن الإشارة بكل وضوح إلى الذين يعارضون كل شيء من أجل اللاشيء تحت ما يسمونه المعارضة من أجل التغيير, غيروا ما في أنفسكم قبل أن تطالبوا الآخرين بالتغيير لأنكم تعيشون في صحراء قاحلة لا أعتقد أن الأخ مسعود بارزاني سيمنعكم من زراعة الأشجار في شوارع مدائنكم و خارجها؟؟؟ لا أعتقد أنه سيحكم عليكم بالسجن المؤبد إذا ما استصلحتم الأراضي الزراعية و سكبتم النفايات التركية المسجل عليها (مواد غذائية) أمام أبوابهم في عقر دارهم؟؟؟ أليست هذه إحدى أهم مطالب د.فرهاد بيربال من الحكومة و من الشعب أن تتركوا البضائع التركية و تستثمروا أراضيكم الغنية بكل شيء؟؟؟ لكن بدل أن تركزوا على الأولويات التي تساهم في بناء كوردستان حضارية و متقدمة, مع الأسف فإن سلطة الكراسي تعمي القلوب قبل الأعين و هنا لا يسع القول إلا أن تحاولوا قراءة كتاب( الأمير) لكاتبه مكيافيللي لعل و عسى أن تفهموا معنى حكمة السلطة عندما تتسلط على أصحاب السلطة و تعميهم, و تفرقوا بين السلطة من أجل البناء و السلطة من أجل الأنانية و الخراب .