اللهم لا حسد

غسان جان كير

كأنما يُفرض علينا أن نحسد بعضنا بعضاً, فنُجاهد ونُجهد أنفسنا بالبحث والتحليل والتفسير, والاستمداد من البقية الباقية من إنسانيتنا, ألّا يتحول الحسد إلى نتيجته الحتمية وهي بُغضنا لبعضنا البعض.

وإن كانت العواصف الترابية, وغبارية الأُفق, تسعى لفعل مفاعيلها المُثبطة في أرواحنا, فإن بقايا ملامح قصص جداتنا, تُحتّم علينا أن نؤمن ب (البقاء للأصلح), وأن كلُ طارئ وغير وظيفيّ في الحياة إلى زوال, فترانا لا نحسد الفاسدين و لا نكرههم, بل, نتمنى أن يتحول رُخام فيلاتهم إلى قشور موز كي يتزحلقوا عليها, فيسلم منهم ما قسّمه الله لنا من أرزاق.
مَنْ شبّه كثرة العدد بالجراد فقد ظلم سكان الجزيرة, أينما ولّيت وجهك في دمشق, ستجد إنسانا بسحنته الجزراوية, تتحاشى النظر إلى عيونه, ويتحاشك أيضا, كي لا تفضحكما السذاجة في التعامل برُقيّ في المجتمع الراقي, والآمال المُنكسرة (المُكسّرة) في روحيكما, واحترام ضمنيّ يمنعكما من إبحار وغوص العيون في نهر فردوسي لصدر شبه مكشوف لشآمية تتبرم من رائحة عرقكما وقد افسد أريج عطرها, في حافلة تتبرم من أزمة سير وتئن من حملكما, كأنين أُم جفّ حليبها, فهام أبنائها على وجوههم بحثا عن حليب أُم لم تُنجبهم.

كأنما نحن (حَمَد) الذي تقول قصته: انه في أوقات تعرض القبيلة للغزو, كانوا يقولون له: حَمَد لجدام لجدام (حَمَد إلى الأمام إلى التمام), وفي أيام الأعراس والولائم يقولون: حَمَد لِوَرا لِوَرا (حَمَد إلى الوراء رجاءاً).

كأنما علينا أن نحسد المحافظات الأُخرى – اللهم اشهد إن بياض قلبنا من بياض قُطننا, اللهم اشهد إن براءتنا من تعايشنا مع خرفاننا, اللهم اشهد إننا نستسقيك مطراً رأفة ألّا تذبل بسمات مزروعاتنا – وليس للحسد سبيلٌ إلى قلوبنا, بل نبارك صناعاتها و زراعاتها وسوّاحها وأفرحها وليالي مِلاحها ومهرجاناتها, ومهرجان البندورة في ادلب, ومهرجان العسل في مصياف, ومهرجان الياسمين في دمشق, ومهرجان القطن (الجزراوي) في حلب, (يعني صارت وصارت ليش ما نستحدث مهرجان للفستق كمان, كوننا رابع دولة بإنتاجه).

حقا إنا على الجفاف لصابرون, ولأفراح إخوتنا فرحون, فقد قيل قديما (إذا جارك بخير فأنت بخير), وهذا يعني أن أبناء الجزيرة سيجدون فرصاً للعمل لدى غيرها من المحافظات, في مطاعمها وملاهيها التي تكثر بكثرة الجراد, بل بكثرة الجزراويين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…