نظرة نقدية في المشهد الثقافي الكردي

  برزو محمود

-I-

ممارسة الكتابة في العمل الثقافي سواء في المجال التخصصي أو في مجالات الحياة والعلوم الأخرى نشاط ايجابي وحيوي يمكن أن يلعب دوراً ما في تطوير وتنمية الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية. والكاتب الحقيقي لا بد أن يكون صادقاً مع نفسه ومع الأخرين، يكتب ويصور معاناة شعبه وطبيعة قضيته في حقبة تاريخية معينة، وأن يشعر بأنه ليس رقماً عادياً، بل أنه صاحب رسالة تجاه مجتمعه، ويعمل في سبيل الاصلاح والتغيير باتجاه الأفضل والسير في عملية التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، رافضاً وناقداً كل ما يعيق هذه المسيرة.
المجتمع الكردي في سوريا يعيش حالة غير مستقرة ومرتبكة في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ناتج عن ظروف موضوعية يفرضها القوانين المركزية السائدة، وذاتية تتمثل في وعي وحركة الانسان الكردي، فضلاً عن أنه لا يزال يحمل سمات التفكير العشائري المتخلف يغلب عليه الطابع الريفي، علماً أن هناك نمواً واضحاً في تكوين شريحة تكنوقراطية تعمل على أصعدة علمية ومعرفية عديدة في سوريا. وفي هكذا مناخ نجد أن الحراك الثقافي الكردي يسير على هدى الحراك السياسي الكردي، وينمو في اطار علاقات تتسم بالاضطراب والتمزق والصفات الآنية.
في هذا المقال سأحاول قدر الامكان أن أشخص الجانب السلبي من خلال  سلوك ومواقف بعض المثقفين الكرد في المجتمع الكوردي السوري تحديداً اذ تميزوا بسمات وخصائص بدأ ت تظهر وتتفاعل على ارض الواقع منذ أكثر من عشر سنوات، أي مع تنشيط وتبلور الحركة الثقافية الكردية التي تنشر نتاجاتها باللغتين العربية والكردية عبر الكتب والكراريس والمطبوعات المستقلة، وعبر صحافة الاحزاب الكردية في سوريا، وأيضاً من خلال صحافة كردستان العراق التي دامت فترة زمنية محدودة وتوقفت توزيعها في سوريا مع سقوط النظام العراقي في عام 2003 . هذا النشاط الثقافي في مجال الكتابة والندوات الثقافية ازداد أكثر فأكثر مع ظهور الانترنت وسرعة النشر حيث المواقع الكردية والعربية العديدة، والطرق المختلفة في التواصل الفكري والسياسي والثقافي، والتعبير عن الرأي عبر القنوات العديدة.
من المعروف أن النخبة الثقافية في مجتمع ما لا بد أن تتسم في طبيعة علاقاتها الداخلية بالإيجابية في مظهرها الخارجي على الأقل، حتى إن لم تلعب دورها الحيوي إلى حد كبير في التطور الثقافي والفكري والمعرفي للمجتمع. إلا أننا لو دققنا قليلاً في العناصر الفاعلة في حركية المشهد الثقافي الكردي في سوريا وطبيعة العلاقات السائدة بين أعضائها، سرعان ما تبدو واضحة لكل واحد منا بأنها تتسم بالتفكك والشللية والتكتل إلى جانب قيام بعض العناصر السلبية بنشر الاحقاد واحداث الكراهية بين صفوف المثقفين. السؤال هنا هل هذه العلاقة السلبية هي نتيجة طبيعية للعلاقة الكردية- الكردية في مجتمع لا يزال التخلف الاجتماعي وقيم العشيرة تأخذ حيزاً من ذهنيتنا وتتجسد في سلوكياتننا وتصرفاتنا؟ أم أن هناك أشخاص لعبت دوراً أساسياً في صنع هذه العلاقة؟ باعتقادي أن السبب الرئيسي لهذا الواقع المريض هو النزعات الفردية لدى فئة صغيرة محددة من الكتاب، وقيامهم ببث السموم بين المثقفين تنحو باتجاه سلبي مليئة بالضغائن والحسد والحقد ازاء كل قلم حر يكتب بجدية ويفكر في مصلحة الثقافة الكردية، وليس في خدمة مجموعة تعيش على التوسل المعرفي من جانب، والاختلاس النصي من جانب أخر. ومن الواضح أيضا، أن هذه الفئة غارقة في الفساد إلى الحد الذي تتغلب فيه المصلحة الذاتية على المصلحة العامة. لا يمكن أن نصف هذه الفئة بالمثقفة لأن أخلاقها وسلوكها وطبيعة علاقتها تشبه الى حد كبير أخلاق وطبيعة عصابات المافيا، علماً أن عناصرها ليسوا في درجة واحدة من السوء إلا أن المنفعة الذاتية تجمعهم في دائرة واحدة كونت مدرسة تجمع كل ناقص في المحتوى يتوق إلى الكمال في المظهر. وأعتقد أيضاً أن لهذه المسألة أبعادا وأسباباً اجتماعية تشكل البيئة الملائمة في تفشي أمراض نفسية تصيب بعض الأفراد لسنا في مجال الخوض في تفاصيلها. هذا الواقع الشاذ باعتقادي نابع من داخلنا، من عناصر محددة باتت غير أبهة بطبيعة المسؤولية التاريخية المترتبة على عاتقها، فهو ينسى أو يتناسى أنه انسان كردي يعاني من التقسيم القومي المفروض عليه نتيجةً للوضع الجيوسياسي القائم، وبسبب الحظر المفروض على الثقافة الكردية، باستثناء الهامش الضئيل حيث يتحرك المثقف في حدود معينة لا تساعده على تطوير ثقافته الكردية كما يجب. هذا الواقع الشاذ أفرز فئة من كتاب الفوتوكوبي لا يهمها من الثقافة سوى الشهرة الزائفة لأنها خاوية أساساً وعاجزة عن التفاعل الإيجابي في الوسط الثقافي، فدخلت في عملية إبرام عقد غير شريف بين عناصرها المحورية التي لم تكن تتجاوز عدد أصابع اليد الواحد في البداية، لكنها عملت على جذب وكسب عدداً من الشخصيات الثقافية الأخرى إلى جانبها، وتحبك الإشاعات الكاذبة ضد خصومهم وضد كل الآصوات التي لا تتفق مع رأيهم ورغباتهم، أو أنها لا تنسجم مع أصواتهم وكتاباتهم الهابطة والمتدنية في مستواها ومحتواها، لذا نراهم يعملون على التقليل من مكانة وأهمية العناصرالثقافية المختلفة معهم، بغية كسر إرادتهم ليخضعوا أو يذعنوا لإرادتهم وطلباتهم التي تتمحور في ذاتية مرضية تطالب بالتستر على تخلفهم وزيفهم الثقافي. ومن الملاحظ أن بعض الشخصيات العاملة في الوسط الثقافي والسياسي الكردي عملت بطرق خبيثة ولجأت إلى العمل بسياسة (فرق تسد) ولعبت دوراً قذراً في تفتيت العلاقة الرابطة بين المثقفين الكرد بغية الاصطياد في الماء العكر. لا شك أن التاريخ لن يرحم كل من ساهم في زرع الخلافات والأحقاد بين كتاب الكرد، وأن حقيقة الأدوار القذرة ستظهر على السطح في المستقبل، عاجلاً أم أجلاً.
وفي هذا السياق يمكن تحليل هذا الواقع المريض على ضوء نزعة التشيؤ، وهي آفة تصيب بعض الكتاب والسياسيين، هؤلاء الذين يقدمون أعمالاً وخدماتاً مقابل الحصول على شيء من الوجاهة أو تحقيق قدر من الكارزمية وفق تصورهم ورغباتهم، لذا تراهم يبحثون هنا وهناك عن كاتب يعمل في شرح أفكارهم المضيئة ولاسيما ما يتمتعون به من (نكران الذات) و(سعيهم الجاد) في توحيد صفوف الحركة الكردية، يبحثون عن كاتب يقوم بتدوين (المآثر والبطولات) التي حققوها، والنتاجات الابداعية التي أنجزوها كل ذلك خلال فترة نضالهم الدؤوب لكي تسجل ذلك بأسمائهم، ومن ثم تضاف الى سجل الخالدين يذكرها الأجيال القادمة. بينما حقيقة المسألة هي أن السياسيون منهم لا يعملون إلا لتشتت المشتت أصلاً، وتقزيم الحركة الكردية، والهائها في متاهات أفكارهم المسخرة اساساً في خدمة تثبيت كراسيهم ومناصبهم واطالة عمر زعماتهم وتجارتهم.
وهنا أوكد أنه في الوقت الذي نأسف على وجود هذه الحالات، ونسخر منها بشدة، إلا أننا لا ننكر، بل نؤكد أن هناك الكثير من المناضلين من أبناء شعبنا وخاصة من الطبقة الفقيرة ضحوا بكل ما لديهم دون أي مقابل يذكر من أجل تأمين الحقوق القومية المشروعة لشعبهم، وثمة كتاب ومثقفين وسياسيين في الحركتين الثقافية والسياسية كافحوا وسخروا قلمهم من أجل تقديم ما هو أفضل من النتاج الابداعي الأصيل، وساهموا بشكل مباشر في تطوير الأدب الكردي، وبذلوا جهداً كبيراً من أجل نشر الكلمة الصادقة. هؤلاء تدون أسمائهم ليس على صفحات الكتب والمواقع الانترنتية فحسب، بل أنها تحفر في قلوب شعبنا وتنقش في ضمير ووجدان كل كردي مخلص وشريف، هؤلاء من نزين تاريخنا باسمائهم، هؤلاء من ينبغي علينا أن نذكر اسمائهم على الدوام، هؤلاء يشكلون محطة تقدير واحترام لدينا طالما الدم تسير في عروقنا، ومادمنا نشعر بشيء من الكرامة.
II
من الملاحظ ومن خلال النصوص والكتابات المنشورة أن مجموعة من الكتاب يميلون باتجاه المديح الذاتي والمديح التبادلي الذي كنا نأمل أن يزول مع تقدم الحالة الثقافية، وتطور المثقف معرفياً وأخلاقياً، إلا أنه لا يزال يستخدم كطريقة ومبدأ يلجأ إليه بعض الكتاب ومن مختلف المستويات. وهذا ما يذكرنا بتقليد (الشاباش) الذي دام حتى ستينيات القرن الماضي في المجتمع الكردي حيث النظام الاقطاعي كان سائداً في العهد العثماني، اذ كان يمارس في المناسبات الاجتماعية وخاصة ًحفلات الزفاف (العرس) منها، حيث صوت الموسيقي والمنشد هو المسموع في هكذا مناسبة، فالمغني أو الموسيقي الذي كان يدير هذا التجمع من الناس على شكل صف أو صفوف في هيئة الرقص كان يمدح علناً الأغا بالطريقة الشاباشية الخاصة مقابل مقدار من المال يقدمها له الأغا. هذا التقليد لا زال متداولاً في بعض الأحيان وفي مناطق ريفية معينة، ولو أنها قد قلت كثيراً نتيجة التغيير الطارئ في الوضع الاجتماعي والاقتصادي الكردي في سوريا.
هذه الحالة تعبر عن نفسها بشكل أو بأخر لتظهر بجلاء لدى فئة تنتمي إلى جسم الحركة الثقافية الكردية والتي تعبر عن ولائها بشكل أو بأخر لهذا الحزب أو ذاك، والدعاية له مقابل تقديم الحزب خدمات قد تزين من صورتهم وترفع من هيئتهم الثقافية سواء عبر ترتيب وتنظيم ندوات ثقافية يعرضون فيها ما لديهم من بضاعة كاسدة ومعلومات مكررة تعتمد على النقل والمدالسة، وتفتقر إلى الابتكار، أو تأمين ظهورهم في مقابلة تلفزيونية تعود عليهم بالشهرة. هذا وأن بعض الأحزاب تبذل جهوداً غير عادية من أجل كسب هذه النوعية من الكتاب إلى جانبها ولو في الظاهر فقط، إلا أنها تتخلى عنهم بأقل ثمن متما شعروا أن ولاءهم بدأ يتزعزع أو أن حسابات الطاعة لديهم غير كافية بالقدر المطلوب. هذه الظاهرة خاصية سلبية تبدو على السطح بسبب عقلية التخلف اذ لا يزال رواسب النظام الاجتماعي القديم يحتل مساحة غير قليلة من ذهنيتنا مما يشل من حركة تقدمنا، ويصبح الواحد منا أسيرا لمنظومة عقلية لم تعد قادراً على مواكبة مستجدات العصر الحديث. هذه الأفة ستلازمنا طالما ننجذب لما هو يزين من مظهرنا واسمائنا دون الاهتمام بالمضمون الذي يزيد من ازدهار ثقافتناً، أي تضخيم الشكل على حساب المضمون، واستخدام الطرق المؤدية إلى تحقيق قدر من الكارزمية هدف كبير لدى بعض المثقفين حيث يستخدمون وسائل لم تخطر ببال أحد للتقرب من حدود هذه الكارزمية حيث السحر والفتنة عبر التقاط صور ولقاءات على الشاشة التلفزيونية الفضائية (ولاسيما الاف المشاهدين) مع شخصيات سياسية وأدبية واجتماعية ذات وزن وشهرة كبيرة في مجتمعات الشرق الاوسط. وللهدف ذاته يبذلون جهوداً كبيرة من أجل تأمين المشاركة والحضور في المحافل أو المهرجانات الثقافية وخاصة التي تؤمن لهم ظهوراً على الشاشة الساحرة، هذه المحافل الثقافية التي لا تأخذ بالشروط العلمية والمعايير الموضوعية أو التخصصية بنظر الاعتبار، بل الاعتبارات السياسية والصداقات الشخصية والولاءات الحزبية هي القوانين المعمول بها في منطقتنا، والباحثون عن الكارزمية المزيفة يستخدمون كل الطرق من أجل بلوغها، حتى مكبرات الصوت في مجالس العزاء وفي حفلات الزفاف لم تسلم منهم، ولماذا لا؟؟ والجمهور موجود في هذا المكان، ليعلن عريف الحفل عن الترحيب بالمثقف الفلاني (الكبير) أمام هذا الحشد، وليسمع الجميع اسمه باعتباره شخصاً غير عادياً. أجل! أنهم يبحثون عن الكارزمية المزيفة ولو لفترة قصيرة لأن عمرها لا يمكن أن يدوم طالما أن طبيعة ونوعية النتاج هو المعيار الذي يقرر مصير مؤلفه في نهاية المسير، والدرجة الابداعية التي بلغها، وكأن بعض الاشخاص قد تعلموا الكتابة بهدف الكتابة وهم على دراية تامة بمستواهم العلمي المتواضع والمحتوى الفقير لنتاجاتهم، لذا تراهم يبذلون قصارى جهدهم في الدعاية والتزمير لمنتجاتهم الابداعية ووصفها بنعوت لغوية تهدف إلى رفع قيمتها الادبية والفنية، إذ يدركون بالكيفية التي يتعاملون بعضهم البعض سواء عن طريق التلقين والغمز أو دون الحاجة الى ذلك (فاللبيب من الاشارة يفهم).هذا التوهم ربما يستغرق فترة ما، لكن حقيقة النصوص الكتابية ومستواها الفني من السهل أن تظهر بفعل النقد المنهجي بعيداً عن  التشويه المتعمد والمدالسة.
وقد وصل الأمر مع أحد الكتاب أنه عبر صراحة عن المديح الذاتي في مقدمة كتابه، كما لو أن القضية هي مجرد تقديم طلب ليستحوذ على شهادة عظمة قبل غيره علماً أنه تأخر في طرحه لهذه المسألة، اذ كان من المفروض أن يقدم بطلبه هذا في الجزء الأول من دراسته.
وهناك بعض الكتاب إذ فشلوا في تأدية رسالتهم الثقافية، انخرطوا في صفوف الحركة الكردية عسى أن ينالوا ما أفتقدوه في مشروعهم الثقافي أو لم يقدروا على تحقيقه. فتراهم يلجؤون إلى إستخدام الكتابة كوسيلة دعائية واعلانية في الوسط الحزبي للوصول الى مراكز حزبية تمنحهم مكانة ومركزا اجتماعيا تعويضاًً للنقص الكامن في اللاشعور لدى هذه الفئة. كما نشاهد فئة أخرى من (الكتاب) تستخدم الكتابة بأساليب معينة وطرق ملتوية في بعض الأحيان لعرض شخصيته/ها على الشاشة الانترنتية أو الفضائية كما لو أنه/ها مفكر أو باحث أو …. القاب تنفيخية عديدة من هذا القبيل يصف بها نفسه ويعرضها على القارئ المستهلك، ظاناً أنه بهذا الأسلوب سيكسب الكثير من الشهرة التي قد تساعده، حسب تصوره، في حل عقدة نقصه الشعوري والنفسي والاجتماعي. أما ما ينشر في تاريخ الحركة الثقافية الكردية في سوريا، نرى أن مجموعة منهم يهرولون ويتسابقون في تسجيل اسبقية المباشرة في الكتابة أي أن ترتيبه يأتي الأول في نشر كتاباته عبر مقالاتهم ومقابلاتهم الوهمية، أو أنه أول من بدأ بالكتابة بالكردية بعد البدرخانيين، مبيناً للقارئ الكردي مدى عراقة عبقريته وضرورة تسجيل أهمية هذا التاريخ التاريخي، وكأنه يمثل نهاية التاريخ، وأن انتاجاته لا تقل عن مستوى كتابات مفكري الغرب والشرق معاً مثل فوكوياما وطيب تيزيني وغيرهم. وفي مقال أخر أحد الكتاب يصف كاتباً من شلته بـ(الريادة)، وكلما سئل أمام الكاميرات ووسائل الاعلام الكردية لا يبخل في اطلاق الدعاية لصالح اعضاء شلته فقط، ويسهب بالتنقيب عن آثارهم وابداعاتهم، وينتظر الرد بالمثل في لقاءتهم المستقبلية. هذا الاتجاه تنمو في بيئة معينة لها سمات مشتركة من حيث المستوى والعقلية والمصلحة، ووصل الأمر إلى درجة أن فئة من السياسيين تأثروا بتعاليم وتوجيهات هذه المدرسة الثقافية، اذ يستخدمون جانباً من كتاباتهم في خدمة الدعاية الشخصية والدعاية لهذا المسؤول الحزبي أو ذاك بهدف الوصول الى مبتغاه. وهناك من يهجرون مواقعهم الحزبية ليحتلوا مواقع جديدة بدافع المصلحة الذاتية ليست إلا نتيجة لما آلت إليه الأمور في السنوات الأخيرة، ومن السهل أن نميز بين الانتقال المبدئي والانتقال المصلحي.
  
-III-
من الطبيعي أن يتم الإتفاق بين قوى ثقافية تلهث وراء الشهرة والتمظهر الثقافي، وقوى حزبية أو عناصر حزبية لا تعرف من الثقافة شيئاً سوى التزمير لها من خلال كتاب يؤدون هذا الدور على نحو جيد، ويجيدون ممارسة العزف على هذا الوتر باللحن المطلوب تحديداً. أما مصير الثقافة الكردية وقضية تطورها هو بالنسبة للطرفين ليس سوى تحصيل حاصل، أو أن الظروف الموضوعية في الوقت الحالي – كما يدعون – لم تنضج بعد. وفي النتيجة تصبح مسألة تطور الثقافة الكردية أمرا ثانويا وغير هام بالنسبة لمجموعة جاهلة لا تعرف من الثقافة سوى ما يخدم نوازعها الشخصية المريضة والمشعوذة في بعض الحالات. والملاحظ أن السياسي والثقافي كليهما قد أصيبا بمرض (الأنا)، وكلاهما يشتركان في الصورة الكاريكاتورية المضحكة سلوكاً وفكراً وتعبيراً، فها هو الجاهل والأمي تعلَم الكتابة والقراءة لا ليلعب دوراً ايجابياً في خدمة الثقافة الكردية، بل جاء راكضاً ولاهثاً ليخضع الثقافة الكردية كأداة ووسيلة من أجل تعظيم شخصيته السايكوباتية، التي تظهر من خلال قرائن لغوية من داخل نصوصه الكتابية. هذه الفئة الثقافية الغارقة في الوصولية والانتهازية والأنانية تعمل على أكثر من جبهة لتشويه الثقافة الأصيلة وخلق الوعي الزائف وتصدير بضاعتها الكاسدة والمكررة عدا أن البعض منها مطعونة في شرعيتها وأصالتها، ويتم عرضها عبر الاعلام الحزبي وغير الحزبي. أما الطرف الثاني ممثلاً بالحركة السياسية الكردية والتي من المفروض أن تلعب الدور الايجابي والتنموي كجهة داعمة للثقافة الكردية غالباً ما لا يهمها من الثقافة سوى الامتثال ومساندة من يجيد التزمير لها، بعيداً عن المستوى العلمي، وبدلاً أن يساند ويدعم المثقف التكنوقراط، يفكر بما يخدم اعلامه الحزبي الذي غالباً ما يدافع عن المصالح الضيقة والأنية للحزب، فيمد يده لفئة الكتاب الشاباشية التي لا تمتلك من الثقافة سوى قشورها وزيفها وسطحيتها. وما يثير الاستغراب في بعض الأحيان هو اجتماع الكاتب الصادق الشريف مع الكاتب المزور والمشبوه وعلى مائدة واحدة غالباً ما تكون مائدة السياسي الكردي من الطراز الأول.  
من الطبيعي أن نجد أن بعض الجهات الحزبية الكردية، بسبب وجهة نظرها الضيقة والمنفعية في تقييم الأمور، إلى جانب ما تعانيه هذه الجهة أو تلك من قصور في جانبها الثقافي والمعرفي، وما تمليه مصلحتها الحزبية الضيقة، تروج للثقافة  الهابطة التي وصفها الدكتور سربست نبي بـ(ثقافة الغباء)، فتساند وتدعم جميع أصناف الكتاب الذين لا يهمهم سوى الشهرة المزيفة والذين يستفيدون من ضعف مستوى الوعي النقدي لدى القارئ الكردي، فيظهرون على خشبة المسرح بألوان متعددة وأشكال مختلفة يلعبون على حبائل عديدة.
مما سبق نتوصل إلى أن هذه الخصائص ليست إلا أعراضاً مرضية تخص سايكولوجية الانسان المقهور، وهي ذات منشأ اجتماعي تظهر في الأوساط المتخلفة، وهي جميعها عقد نفسية تعبر عن نفسها بالصيغة السياسية والثقافية في مناخ يفتقر إلى الديمقراطية والعدل والمساواة بين أفرادها. كل هذه العوامل السلبية تؤثر سلباً على تطوير الحركتين السياسية والثقافية، علماً أن هناك سمات أخرى مثل الاختلاس والنفاق والأخلاق قد نبث فيها خلال مقال أخر.
في الختام أرى أن بيئة ثقافية كهذه لا يمكن أن تساعد على نمو وتطوير الثقافة الكردية علمياً ومعرفياً، إعلامياً ولغوياً، بل لا بد من البحث عن الحل الذي يكمن بتصوري في تكاتف المثقف الحقيقي التكنوقراط مع السياسي الجاد والمخلص في اطار تحالف شرعي لا مصلحي، وتعهد صادق لا مزيف، ينبع من مبدأ واحد ومقدس هو العمل والنضال من أجل هدف مشترك هو إعلاء شأن الثقافة الكردية الأصيلة بتطويرها شكلاً ومضموناً، ونشر الكلمة الصادقة والنقد البناء من خلال رموزها الحقيقية والأقلام الجادة، القادرة على تنميتها، والعاملة في سبيل ازدهارها.
2009-07-23.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عقدت اليوم السبت ٣٠ تشرين الثاني ٢٠٢٤، الهيئة الإدارية لاتحاد كتاب كوردستان سوريا، اجتماعها الاعتيادي في مكتب الاتحاد بمدينة قامشلو.

بعد الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الكورد وكوردستان، تطرق الاجتماع إلى النقاط التالية:

١ـ تقييم نشاطات وفعاليات الاتحاد خلال الفترة الماضية

٢ـ متابعة الوضع التنظيمي لفروع الاتحاد في الداخل وممثليتيها في إقليم كوردستان وأوروبا.

٣ـ مناقشة النشاطات المشتركة…

عبد الوهاب بيراني

 

كان دأب الإنسان ومنذ القدم حماية جسده من حر الصيف وقر الشتاء، وكان عليه أن يرتدي ما يستر جسده، وكانت مراحل تطور ثياب الإنسان تعبر عن فكره ووعيه، وتعبر عن علاقته ببيئته ومحاولته في التلاؤم معها، فقد ستر جسده بأوراق الشجر وجلود الحيوانات وصولاً لصناعة خيط القطن والصوف والكتان، وهذا يُعد مرحلة…

صدر حديثاً للروائي والمترجم العراقي برهان شاوي، طبعة جديدة من روايته «منزل الإخوة الأشباح»، والصادرة بشكل خاص عن دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب، والمتوفرة الآن في أوروبا وتركيا ودول عربية.

وقالت نوس هاوس، في تصريح خاص لموقع «سبا» الثقافي، أن رواية العراقي هي العشرون له في مسيرته الروائية، والسابعة ضمن سلسلة «روايات المطهر»، وتقع في…

فراس حج محمد| فلسطين

صادف يوم الجمعة (29/11/2024) ما سمي تضليلا اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تلك المناسبة الكذبة الكبيرة التي ما زلنا نصدقها، مدارسنا احتفلت بها يوم الخميس حتى لا تفوتها هذه النكتة/ المناسبة؛ كونه اليوم الذي يسبق المناسبة، وما بعده يومان عطلة، كأنها ترقص على الوجع غباء في غباء، فكيف يمكن لشعب أن…