«ضلالات الى سليم بركات» نص نخبوي يحتفي بشاعر نخبوي

  فتح الله حسيني  

يستعيد الشاعر السوري غير المقيم فيها، حسين حبش، رونقه الشعري، بإصداره الجديد، “ضلالات الى سليم بركات” الصادر مؤخراً عن دار “الزمان” في العاصمة السورية دمشق، وذلك من خلال نص شعري طويل، يحتفي به الشاعر بحرارة مغترب بشاعر كردي سوري مغترب آخر وهو الشاعر والروائي سليم بركات، ويحتفل حبش، بثره وسرده ونصه المفتوح على ألقه الضال، وعبر 70 صحفة وهو حجم الكتاب، بشاعر كردي يجب الاحتفاء به كل على طريقته، الذي وحسب الناقدة السويسرية بورغي روس التي قدمت أطروحة الدكتوراه في أدب بركات، تحت عنوان “خطر قراءة سليم بركات، من السيرة الذاتية إلى الرواية”،  “كان كل من قابلتهم من الكرد، يلهج باسمه، وقال بعضهم عنه أنه قريب من نبي، كردي من سوريا، وبعيد عن بلده، كان سليم عندهم شيئاً كبيراً، وبالطبع كنت مترددة في تقبل هذه الآراء، ثم قالوا لي إقرأي فصلاً ما من أحد أعماله الروائية، فبدأت بقراءة فقهاء الظلام، ثم وقعت في فخه”.
إذا كان الشاعر حسين حبش يستعيد في كتابه الشعري الجديد رونقه الشعري، غير الغائب طبعاً، فأنه في ذات الوقت يعيد قراءة تجربة، بركات، شعرياً، هذه المرة، وليس بمرآة القراءة المسطحة أو العابرة والنقدية التي كتبت كثيراً عن أعمال بركات الشعرية والروائية، وبلغات عالمية عديدة، مشرقاً ومغرباً، فهي تجربة لم تغب يوماً عن السطوع في عموم الساحتين العربية والأوروبية، لأنها بصريح العبارة تجربة غنية غائصة في عمق الأدب العربي، على مدى أكثر من أربعة عقود ونيف، من خلال عشرات الروايات وعشرات المجموعات الشعرية الصادرة بين بيروت ودمشق ونيقوسيا وستكهولم وجنيف وبيرن.

الشاعر سليم بركات الذي يعتبر، رائداً حداثويياً بامتياز، وقائداً لمواكب الشعراء السوريين، بين جيلين، يكتب له حبش “يهل مرِحاً في ذبذبات الغيوم وقربها المليئة بأجنحة المطر، حذراً نكبة الطقس من أي برهان، مهدداً بالهطولِ الجم والمتدفق، شافياً غليل الوجد في أعالي السماء، ظافراً، أو، والجاً، لا محالة..

يوضح حسين حبش، أجواء مجموعته الجديدة، وعنوانها الاحتفالي الجميل، ليتخلص من الروتين في اختيار العنوان، ليهدي للقارئ نواياه، نواياه فقط، فيقول خلال حوار صحفي مغامرته الصغيرة هذه “في زمن يسير فيه كل شيء نحو الاختصار والسرعة والتسطيح والسماجة والابتذال ربما. أردت أن أقدم نصاً مغايراً، طويلاً، ملتوياً وصعباً لا يمكن للقارئ الولوج إلى طبقاته وتفكيك بنياته بسهولة، إلا إذا كان متسلحاً بثقافة شعرية وأدبية معينة، وكان متحرراً من القيود الذهنية والعقلية والموضوعية، مدركاً معنى الخيال والضلال وتبعات الجنون والجنوح والمفارقات الشعرية الكبرى”.

ويستطرد حبش “بمعنى آخر هو نص نخبوي بامتياز لوعورته وتشعباته الكثيرة. نص أردت من خلاله السباحة ضد التيار وكسر رزانة الكلمات ودفعها نحو الهاوية أو نحو أفاق مجهولة وعصية مهما كانت العواقب والنتائج التي ستترتب على ذلك. أما خيار نشره في كتاب، يمكنني القول أنه كان نصاً مكتفياً بذاته، لذلك فرض نفسه ليكون لوحده بين دفتي كتاب، وكان له ما أراد.

تجربة حبش تجربة مريرة مع الشعر، لأنه يتقن الشعر، وهو يعيش الشعر بكل تفاصيله كانه مقبل على مغامرة اخيرة، لأنه لم يستطع، مجبراً، ربما، أبان عيشه في سوريا، اصدار مطبوع خاص به، رغم ان مجايليه أستطاعوا فعل ذلك وبعضهم بغزارة، والبعض الىخر بقي الى الآن يحتفظ بمخطوات كتبهم في رفوف مكتباتهم، تأكلها الغبار لا أكثر، فبقيت تجربة، تجربة طويلة، ولكن بنتاجات قليلة، فكانت الحصيلة، الاصدار في الاغتراب، فكانت باكورة اصدارته مجموعة “غرق في الورد” في العام 2002، ومن ثم مجموعة “هاربون عبر نهر إفروس” في العام 2004، ولاحقاً مجموعة “أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال في العام 2007، عن دار “ألواح” في العاصمة الاسبانية مدريد.

حيال احتفاء شاعر بشاعر هو المعلم البارز، تظل اللغة هي الوسيلة الأكثر قدرة على إيفاء الشاعر المحتفى به حقه، لاسيما وأن لبركات يده الطولى في ايجاد مخابئ وكمائن اللغة العربية، والتلاعب بفنونها، وكشف تشكيلاتها الجميلة، ليكون لحبش، لاحقاً، أغنيته الاحتفالية من خلال هذه المجموعة “يهرف بالقصائد الكميتة، زاجراً الاستقامة في جسدها القلق والمباغت، مبجلاً تفرع الأقاصي في سلوكها وأمواج الطيران في أطرافها، والنحول المتضوع في تموجاتها الغريبة.

هازجاً: لا شعر، بل، إيمان باللايقينِ، يقترب من السموات، وينادي الله: إلهي لا تبذر حنانك على الطغاة، لا تكن رؤوفاً معهم ولا تجعلهم يعيثون في الأرض ذباباً، إلهي لا تجعلهم يستبدون ويتسعون كالجريمة، إلهي ألجمهم، ألجم طغيانهم، إلهي، إلهي، إلهي ي ي ي… لا تدع دعاءنا يذهب أدراج الريح.

كتاب ” ضلالات الى سليم بركات” للشاعر حسين حبش، بحق كتاب يحتوي بين دفتيه نص نخبوي يحتفي بشاعر نخبوي، دون زيف، وباخلاص واضح.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…