جان دوست
دأب الشوفينيون العرب والأتراك على إنكار كردستان وطناَ و إسماَ تاريخياَ و ادعوا أن وطنا باسم كردستان لم يظهر إلا في الفترة الأخيرة بالرغم من وجود عشرات الأدلة التاريخية على ذلك. و بغض النظر عن ورود اسم كردستان لدى الشاعر العظيم ملاي جزري في بداية القرن السابع عشر و ورود هذا الاسم في المصادر التاريخية القديمة التي كتبها غير الأكراد مثل كتاب جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله الهمداني عام 1310 ميلادي تبعه المؤرخ حمد الله مستوفي قزويني عام 1339 في كتابه المشهور نزهة القلوب, فإن ما يهمنا في هذا البحث الصغير هو ورود اسم وطن الأكراد في الخرائط الجغرافية القديمة.
دأب الشوفينيون العرب والأتراك على إنكار كردستان وطناَ و إسماَ تاريخياَ و ادعوا أن وطنا باسم كردستان لم يظهر إلا في الفترة الأخيرة بالرغم من وجود عشرات الأدلة التاريخية على ذلك. و بغض النظر عن ورود اسم كردستان لدى الشاعر العظيم ملاي جزري في بداية القرن السابع عشر و ورود هذا الاسم في المصادر التاريخية القديمة التي كتبها غير الأكراد مثل كتاب جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله الهمداني عام 1310 ميلادي تبعه المؤرخ حمد الله مستوفي قزويني عام 1339 في كتابه المشهور نزهة القلوب, فإن ما يهمنا في هذا البحث الصغير هو ورود اسم وطن الأكراد في الخرائط الجغرافية القديمة.
بدأت الخرائط في الظهور منذ القديم في بلاد ما بين النهرين و لدى قدماء المصريين و الإغريق و الصينيين و بانتشار الإسلام ظهرت الخرائط العربية الإسلامية سداَ لحاجة الغزاة العرب لمعرفة الأراضي التي ينبغي عليهم فتحها أو غزوها و احتلالها و كذلك معرفة حدود بلادهم الجديدة. و كان الإدريسي( 1100-1166) أول من رسم الخرائط و لحقه معظم الجغرافيين او من يسمون بالبلدانيين . و كانت بلاد الأكراد تسمى في مصادر هؤلاء إقليم الجبال أو الجبل لغلبة الطبيعة الجبلية القاسية على أرض كردستان.
و من الخرائطيين القدماء الذي أشاروا إلى أرض كردستان مؤرخ و جغرافي و لغوي شهير هو محمود الكاشغري (1008-1102) الذي ألف كتاب ديوان لغات الترك و نشر فيه خريطة اشار فيها إلى كردستان باسم أرض الأكراد و جعل حدودها أرض العراقين و أرض خراسان و آذربيجان و الشام و مصر(أنظر الخريطة المرفقة). و لا شك أن عبارة أرض الأكراد هي ترجمة حرفية لكلمة كردستان, إذ أن لفظة ستان أو أستان تعني في اللغة الفارسية بلاد أو أرض.
جدير بالذكر ان الكاشغري مؤلف تركي القومية و لكن العنصرية لم تكن قد تحكمت في العقول كما هو الحال الآن و إلا فربما كان من الممكن أن يتجاهل هذا المؤلف القدير الإشارة إلى حقيقة وجود أرض تسمى أرض الأكراد. و لكن بما أنه لم ينهل من ينابيع الأتاتوركية العكرة و لم يتلق الشوفينية على يد منظري تركيا الفتاة و لا الاتحاد و الترقي فإنه كتب بضمير الباحث العلمي الذي يضع الحقيقة التاريخية و الواقع في مقدمة أولوياته.
لكن اسم كردستان بلفظ كردستان لم يظهر على حد معرفتي في أي من الخرائط التي رسمها البلدانيون العرب و المسلمون مثل الإدريسي و المقدسي و ابن حوقل و غيرهم إنما كان الرحالة الأوروبيون السباقين في هذا المضمار فأشاروا إلى بلاد الكرد بالاسم المتداول حالياَ و هو كردستان.
في خريطة رسمها الرحالة و التاجر و المستكشف الهولندي جان هوجين فان ليشوتين عام 1596 تظهر منطقة مكتوب عليها Curdi أسفل منطقة أرمينيا إلى الغرب من بحيرة وان أعتقد أنه يقصد منها أرض الكرد. و هذه من أقدم الخرائط التي يظهر فيها هذا الاسم. و قد دأبت كثير من الخرائط السابقة عليه و حتى بعض اللاحقة له بتسمية أرض الكرد الواقعة بين نهري دجلة و الفرات بالتسمية التاريخية المعروفة و أقصد ميزوبوتاميا و هي تعني بلاد ما بين النهرين.
و لعل هذه أول إشارة ظهرت في خرائط الأوروبييين الذين اهتموا بالمنطقة و حاولوا رسم حدودها و مناطق توزع الأقوام فيها. و يمكننا القول أن اسم الكرد ظهر في الخرائط الاوروبية منذ أكثر من أربعة قرون و سنبقى عند هذه المعلومة إلى أن نكتشف المزيد في الخرائط القديمة و التي أصبحت أثرية. أما اسم كردستان كوطن كردي أو منطقة يسكنها الأكراد فيعود إلى العام 1680 أي إلى ما قبل ثلاثمئة و ثلاثين عاماَ من الآن عندما نشر الهولندي فريدريك دو فيت (1630-1706) خريطته التي رسم فيها بلاد العثمانيين و إيران و أرمينيا و جورجيا و غيرها من بلدان الشرق الأوسط.
في خريطة دو فيت هذه تظهر كردستان بالرسم اللاتيني على الشكل التالي: Churdistan و هو إملاء غريب نوعاَ ما لم يتم تداوله كثيرا إذ شاع الاسم Kurdistan أو Kurdestan و حتى Curdistanفي الخرائط التالية لخريطة دوفيت كما عند رسام الخرائط الانكليزي الشهير عمانوئل بوين (1714-1767) .
كان هذا الخرائطي رسام خرائط رسمياَ عند الملك الانكليزي جورج الثاني و كذلك الملك الفرنسي لويس الرابع عشر و بالرغم من قدراته الكبيرة و مجهوداته الواسعة في سبيل تأمين خرائط لهذين الملكين مما يساعدهما على فتح بلدان جديدة و احتلالها فقد مات فقيراً و ورث عنه ابنه توماس الفقر و حب الخرائط.
و ما يهمنا من أمر هذا العالم الجغرافي أنه رسم خريطة للبلاد العثمانية ضمنها كردستان أيضاَ و اللافت للانتباه أن حدود كردستان في هذه الخريطة تختلف عن حدود كردستان عند سلفه الهولندي دوفيت.
نرى في خريطة بوين المرسومة عام 1680 أن كردستان عبارة عن دائرة بيضوية الشكل تقريبا تحيط من كافة الجوانب ببحيرة أورمية بينما في خريطة دوفيت كانت كردستان منزاحة إلى الغرب و عبارة عن منطقة شاسعة تتوزع بين الحدود الغربية لبحيرة أورمية و حتى حدود نهر دجلة الذي يفصلها عن ولاية ديار بكر و جنوبي بحيرة وان.
في العام 1711 رسم الفرنسي هنري شاتلين خريطة ضمنها كردستان بلفظ Curdistan حدودها تقريبا هي نفس الحدود لدى الانكليزي بوين.
أما في الخريطة التي رسمها عالم الرياضيات و رسام الخرائط الفرنسي روبرت بون لبلاد فارس عام 1771 فتبدو ملامح كردستان أكثر وضوحا مما لدى سابقيه فهي تضم كركوك و الموصل و حتى حدود همدان شرقاَ. و نجد لدى هذا العالم خريطة أخرى رسمها بعد ستة عشر عاما و ظهرت هذه المرة حدود كردستان و قد وصلت إلى ملتقى نهري دجلة و الزاب الصغير.
إن اختلاف حدود كردستان جغرافياً يعود حسب وجهة نظري إلى المصادر المختلفة لهؤلاء الرحالة و الجغرافيين( الخرائطيين) و معلوماتهم المختلفة إضافة إلى الغموض الذي كان يكتنف هذا الاسم و هل هو فقط المنطقة التي يوجد فيها الكرد؟ مثلا جميع رسامي الخرائط لم يضمنوا ديار بكر و مناطق من جنوبي كردستان ايران الحالية في حدود كردستان التي رسموها و لكن بالتأكيد كانت تلك المناطق تضم قبائل من الشعب الكردي مستوطنة فيها منذ قديم الزمان.
بالإضافة إلى ذلك فإن الولايات التي رسم حدودها اولئك الاوروبيون لم تحمل الصبغة القومية فهم يكتبون مثلا ولاية ديار بكر أو الجزيرة أو أرضروم دون ان يحددوا القوميات التي تسكن فيها.
أيضاً نستطيع القول أن معلومات اولئك الرحالة كانت مغلوطة و خاطئة أحيانا و تعتمد على التصور الجغرافي أو الخيال دون أن يكون الرحالة قد زار المنطقة بالفعل و عاين حدودها و القوميات التي تعيش فبها, بل وصل الأمر بأحد مصوري الخرائط أن رسم اليمن في وسط شبه الحزيرة العربية و على حدود ما يعرف حاليا بقطر و البحرين.
إن ما يهمنا في هذا المجال هو أن هذه الوثائق التاريخية تدحض بما لا يدع مجالا للشك مزاعم العنصريين العرب و الأتراك بعدم وجود وطن قومي اسمه كردستان. و هذه الحقيقة التاريخية التي أستعرضها الآن جديرة بأن تصبح مادة للبحث العلمي الأكاديمي و أتمنى من القائمين بأمر المعاهد و الجامعات الكردية خاصة في إقليم كردستان العراق أن يولوا هذه القضية الحساسة اهتمامهم الكبير فهي رد علمي على مزاعم من ينكر حق الشعب الكردي في إقامة دولته المنشودة و لو بعد حين.
جان دوست- ألمانيا 2009
jandost@ hotmail.com
و من الخرائطيين القدماء الذي أشاروا إلى أرض كردستان مؤرخ و جغرافي و لغوي شهير هو محمود الكاشغري (1008-1102) الذي ألف كتاب ديوان لغات الترك و نشر فيه خريطة اشار فيها إلى كردستان باسم أرض الأكراد و جعل حدودها أرض العراقين و أرض خراسان و آذربيجان و الشام و مصر(أنظر الخريطة المرفقة). و لا شك أن عبارة أرض الأكراد هي ترجمة حرفية لكلمة كردستان, إذ أن لفظة ستان أو أستان تعني في اللغة الفارسية بلاد أو أرض.
جدير بالذكر ان الكاشغري مؤلف تركي القومية و لكن العنصرية لم تكن قد تحكمت في العقول كما هو الحال الآن و إلا فربما كان من الممكن أن يتجاهل هذا المؤلف القدير الإشارة إلى حقيقة وجود أرض تسمى أرض الأكراد. و لكن بما أنه لم ينهل من ينابيع الأتاتوركية العكرة و لم يتلق الشوفينية على يد منظري تركيا الفتاة و لا الاتحاد و الترقي فإنه كتب بضمير الباحث العلمي الذي يضع الحقيقة التاريخية و الواقع في مقدمة أولوياته.
لكن اسم كردستان بلفظ كردستان لم يظهر على حد معرفتي في أي من الخرائط التي رسمها البلدانيون العرب و المسلمون مثل الإدريسي و المقدسي و ابن حوقل و غيرهم إنما كان الرحالة الأوروبيون السباقين في هذا المضمار فأشاروا إلى بلاد الكرد بالاسم المتداول حالياَ و هو كردستان.
في خريطة رسمها الرحالة و التاجر و المستكشف الهولندي جان هوجين فان ليشوتين عام 1596 تظهر منطقة مكتوب عليها Curdi أسفل منطقة أرمينيا إلى الغرب من بحيرة وان أعتقد أنه يقصد منها أرض الكرد. و هذه من أقدم الخرائط التي يظهر فيها هذا الاسم. و قد دأبت كثير من الخرائط السابقة عليه و حتى بعض اللاحقة له بتسمية أرض الكرد الواقعة بين نهري دجلة و الفرات بالتسمية التاريخية المعروفة و أقصد ميزوبوتاميا و هي تعني بلاد ما بين النهرين.
و لعل هذه أول إشارة ظهرت في خرائط الأوروبييين الذين اهتموا بالمنطقة و حاولوا رسم حدودها و مناطق توزع الأقوام فيها. و يمكننا القول أن اسم الكرد ظهر في الخرائط الاوروبية منذ أكثر من أربعة قرون و سنبقى عند هذه المعلومة إلى أن نكتشف المزيد في الخرائط القديمة و التي أصبحت أثرية. أما اسم كردستان كوطن كردي أو منطقة يسكنها الأكراد فيعود إلى العام 1680 أي إلى ما قبل ثلاثمئة و ثلاثين عاماَ من الآن عندما نشر الهولندي فريدريك دو فيت (1630-1706) خريطته التي رسم فيها بلاد العثمانيين و إيران و أرمينيا و جورجيا و غيرها من بلدان الشرق الأوسط.
في خريطة دو فيت هذه تظهر كردستان بالرسم اللاتيني على الشكل التالي: Churdistan و هو إملاء غريب نوعاَ ما لم يتم تداوله كثيرا إذ شاع الاسم Kurdistan أو Kurdestan و حتى Curdistanفي الخرائط التالية لخريطة دوفيت كما عند رسام الخرائط الانكليزي الشهير عمانوئل بوين (1714-1767) .
كان هذا الخرائطي رسام خرائط رسمياَ عند الملك الانكليزي جورج الثاني و كذلك الملك الفرنسي لويس الرابع عشر و بالرغم من قدراته الكبيرة و مجهوداته الواسعة في سبيل تأمين خرائط لهذين الملكين مما يساعدهما على فتح بلدان جديدة و احتلالها فقد مات فقيراً و ورث عنه ابنه توماس الفقر و حب الخرائط.
و ما يهمنا من أمر هذا العالم الجغرافي أنه رسم خريطة للبلاد العثمانية ضمنها كردستان أيضاَ و اللافت للانتباه أن حدود كردستان في هذه الخريطة تختلف عن حدود كردستان عند سلفه الهولندي دوفيت.
نرى في خريطة بوين المرسومة عام 1680 أن كردستان عبارة عن دائرة بيضوية الشكل تقريبا تحيط من كافة الجوانب ببحيرة أورمية بينما في خريطة دوفيت كانت كردستان منزاحة إلى الغرب و عبارة عن منطقة شاسعة تتوزع بين الحدود الغربية لبحيرة أورمية و حتى حدود نهر دجلة الذي يفصلها عن ولاية ديار بكر و جنوبي بحيرة وان.
في العام 1711 رسم الفرنسي هنري شاتلين خريطة ضمنها كردستان بلفظ Curdistan حدودها تقريبا هي نفس الحدود لدى الانكليزي بوين.
أما في الخريطة التي رسمها عالم الرياضيات و رسام الخرائط الفرنسي روبرت بون لبلاد فارس عام 1771 فتبدو ملامح كردستان أكثر وضوحا مما لدى سابقيه فهي تضم كركوك و الموصل و حتى حدود همدان شرقاَ. و نجد لدى هذا العالم خريطة أخرى رسمها بعد ستة عشر عاما و ظهرت هذه المرة حدود كردستان و قد وصلت إلى ملتقى نهري دجلة و الزاب الصغير.
إن اختلاف حدود كردستان جغرافياً يعود حسب وجهة نظري إلى المصادر المختلفة لهؤلاء الرحالة و الجغرافيين( الخرائطيين) و معلوماتهم المختلفة إضافة إلى الغموض الذي كان يكتنف هذا الاسم و هل هو فقط المنطقة التي يوجد فيها الكرد؟ مثلا جميع رسامي الخرائط لم يضمنوا ديار بكر و مناطق من جنوبي كردستان ايران الحالية في حدود كردستان التي رسموها و لكن بالتأكيد كانت تلك المناطق تضم قبائل من الشعب الكردي مستوطنة فيها منذ قديم الزمان.
بالإضافة إلى ذلك فإن الولايات التي رسم حدودها اولئك الاوروبيون لم تحمل الصبغة القومية فهم يكتبون مثلا ولاية ديار بكر أو الجزيرة أو أرضروم دون ان يحددوا القوميات التي تسكن فيها.
أيضاً نستطيع القول أن معلومات اولئك الرحالة كانت مغلوطة و خاطئة أحيانا و تعتمد على التصور الجغرافي أو الخيال دون أن يكون الرحالة قد زار المنطقة بالفعل و عاين حدودها و القوميات التي تعيش فبها, بل وصل الأمر بأحد مصوري الخرائط أن رسم اليمن في وسط شبه الحزيرة العربية و على حدود ما يعرف حاليا بقطر و البحرين.
إن ما يهمنا في هذا المجال هو أن هذه الوثائق التاريخية تدحض بما لا يدع مجالا للشك مزاعم العنصريين العرب و الأتراك بعدم وجود وطن قومي اسمه كردستان. و هذه الحقيقة التاريخية التي أستعرضها الآن جديرة بأن تصبح مادة للبحث العلمي الأكاديمي و أتمنى من القائمين بأمر المعاهد و الجامعات الكردية خاصة في إقليم كردستان العراق أن يولوا هذه القضية الحساسة اهتمامهم الكبير فهي رد علمي على مزاعم من ينكر حق الشعب الكردي في إقامة دولته المنشودة و لو بعد حين.
جان دوست- ألمانيا 2009
jandost@ hotmail.com