يبذل المثقف جهودا فكرية وذهنية عن طريق الجهد الدؤوب والمواظبة على الدراسة والبحث والتقصي واستخلاص النتائج بهدف خلق رسالة غايتها تبيان الحقيقة والعمل على تصحيح الأخطاء وبناء علاقات متوازنة مع محيطه الاجتماعي بعيداً عن أنانيته النرجسية أو السعي للوصول إلى هدف شخصي. من الملاحظ أن الصنف السيئ المتفشي في الوسط الثقافي الكردي هو المثقف الازدواجي الذي يطرح أفكاراً لا يؤمن بها، ويتلون حسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية، ولا يتمتع بضمير أخلاقي. وتظهر الازدواجية لدى هذا الصنف بأبشع صورها إذ تكشف عن حالة في بالغ الخطورة، لما تنطوي عليه من خبث ونفاق كبيرين، حيث التعارض الواضح بين سلوكه العلني من جانب وممارساته في الخفاء من جانب آخر. أقول هذا لأن كاتبنا الفذ علي الجزيري، بعد أن مل من استعمال الكتابة باسماء مستعارة من قبيل (شمال عمر) وغيره، لجأ إلى الكتابة باسم مأجور وهو (موسى زاخوراني) حيث استغل الأول حاجة الأخير. وها هو السيد علي الجزيري، يختبئ خلف مأجوره مرعوباً، (يا حيف على الزلم) ليرمي بأحجاره علينا، إذ ينشر مقالاً يتطاير منه الشرر والحقد بدافع النيل من سمعة ومكانة الآخر ينسى أنه مرب، الأمر المتناقض مع ذاته جملة وتفصيلا…
أخي القارئ، اليست هذه ثقافة هابطة أنزلها علينا هذا الذي يقدم عرضه باسم شخص أخر نتيجة افتقاره للثقة بالنفس من جانب، ولا يؤمن بأفكاره من جانب أخر، إلا أن هدفاً واحداً قد وضعه نصب عينيه هو النيل مني بأي اسلوب كان بسبب دوافعه الانتقامية وما يحمل من ضغينة تجاهي علماً أن صديقاً أخر لا أريد أن أذكر اسمه هنا والجزيري يعرفه جيداً لعب هو الأخر دوراً سلبيا بيننا، إذ ساهم في تأجيج نار حقده عليً، مع أن سجله (أي علي الجزيري) في الماضي مملوء بمواقفه في الإساءة ليست معي فقط بل مع الكثيرين من زملائه.
بعد شهر من نشر مقالي، تفاجأنا بمقال يحمل عنوان (المبني للمجهول وتجاهل الحقيقة والأصول) تحت اسم موسى زاخوراني الذي قلما ينشر بالعربية ومعظم كتاباته المنشورة هي عدد قليل من قصائد الشعر بالكردية، وهي الأخرى ليست بالمستوى الذي يجعلنا أن نصنفها في خانة الشعر والأدب. ومما لا شك فيه أن مقارنة بسيطة بين صياغة كتابات الزاخوراني وكتابات الجزيري يظهر جلياً أن الأول أي موسى لا علاقة له اطلاقاً بهذا المقال، سوى التطبيل والتزمير للمقال وهو يسعى وبشتى السبل الحصول على الآعتراف به كناقد!! حيث يعلن أمام الكتاب أنه ناقد يا أخي..! لماذا لا تعترفون بي ناقداً!! هذا ظلم!! يا لها من مسخرة. أما الكاتب الحقيقي للمقال هو السيد علي الجزيري معلم الزاخوراني في درب الكتابة عصبوياً. لهذا السبب لن أخاطب المزور في ردي هذا، بل سأتحدث مع الكاتب الحقيقي للمقال الذي تصرف بطريقة تثير أكثر من سؤال. ولعل القارئ العادي يدرك جيداً أنه ينطلق بدافع الحقد والانتقام الواضحين من خلال القرائن اللغوية ومعاني الإساءة والتقليل من شأن منقوده من خلال تعبيرات معينة يشفي بها غليله ويوردها في نسيج النص، إلا أن ما يثير الاستهجان أنه يعرض مشكلته بطريقة غير شرعية وبعيدة عن الأصول وسلوكيات الانسان المهذب. ففي الوقت الذي يرفع صوته عالياً ويطالبنا بالالتزام بالأصول، وتبيان المجهول، نراه كالثعلب يتوارى تحت عباءة الزاخوراني المسكين، وكأن الازدواجية حق مشروع لهذا الرجل محاولاً مصادرة الحقيقة التي نبحث عنها وفق منظوره. وما يثير الاستغراب أن الرجل يمنح لنفسه الحق في مصادرة اراء الأخرين، أما أن نقترب من ملكيته في الأستذة، على حد زعمه، يعد استصغاراً وتقليلاً من قيمته، وأي إبداء للرأي بغير مشورته، أو أي تنظير من غير توقيعه تعد سافر على حقوق هذا الجهبذ الذي لم نكن قد سمعنا به من قبل. (يا من نلوذ من الزمان بظله أبداً ونطرد باسمه ابليسا) معذرة … معذرة …. وما إقحام اسم زاخوراني في هذه القضية إلا ليخدم مراميه البغيضة للنيل مني شخصياً وبطريقة جديدة في فن الخبث وعلوم الأبلسة، وخاصة في تقلباته وشقلباته البهلوانية وتحولاته الزئبقية التي تنم عن ازدواجية منهجية سلوكاً ومبدءاً، بعيداً كل البعد عن القيم الانسانية والأخلاقية، التي غالباً ما يتبجح بها زوراً ونفاقاً، تلك هي سلوك صاحب الأصول، والمجهول المجسد في المعلوم.
أليس من العيب أن يفكر الجزيري بهذه الطريقة إذ يلجأ إلى استخدام ذرائع واهية لا تدخل ضمن الأصول في الوقت الذي يعلن عن معركته الميدانية وبدعم لوجستي من الكاتب المزور فيملؤون المواقع الإلكترونية ضجيجاً وزعيقاً. ولم يكتف بنشرها على الموقع العام، بل يرسلها لمئات المواقع الشخصية مبشراً بانتصاره الكبير وهو يعرض قوة عضلاته وامكاناته الجبارة على استخدام ما طاب له من الفاظ مهينة ومشينة وقذفها من خلف الجدار الحامي (الزاخوراني). هذا المجهول المعلوم يبدي مهارة عالية وذكاء غير عادي يذكرنا بفنون الثعالب القديمة، وبقدرة قادر وبإكذوبة مفبركة يحول نفسه الى مجهول لا يمكن لأحد أن يدري به طالما أن الزاخوراني حي على قيد الحياة وكاتب من الدرجة الأولى، إذاً لماذا هذه الشكوك؟ ويا لها من فرصة ممتازة أن يظهر ناقدنا الزاخوراني على خشبة المسرح النقدي حتى ولو بيده سيف من خشب!! تلك هي ثقافة مثل هذه النماذج ومنطقهم الحضاري.
لو تمعنا في قراءة ما جاء في مقالي السابق، نجد أنه لا يستدعي هذا الحقد المتطاير من مقال الجزيري الكاتب الحقيقي، الذي بدأ منذ الوهلة الأولى بالتهجم العنيف وبتراشق مستمر دون أية مبررات كما لو أنه يقود معركة ضد عدوه، وفي قراءته لمقالي يلجأ إلى سلاح المغالطة والكذب وطريقة المخادعة. هذه المغالطات ليست نابعة عن جهله وافتقاره إلى المعرفة التي تؤهله في فهم وادراك مقاصد النص المقروء، بل أنها نابعة عن غاياته الشخصية تحركها دوافع الانتقام وخاصة أنه يدرك دوره السلبي في الساحة الثقافية. أخي القارئ، كيف نصنف هذه الثقافة طالما تهدف إلى تربية سيئة ومسيئة؟ هل نربي أجيالنا على الزور والتواري والنفاق والكذب؟ السيد علي يلومنا لأننا نشخص المواقف دون أن نشير ولو بمثال واحد إلى اصحاب تلك المواقف أي اسماء الكتاب، فالأمر مجهول عليه، لذا يطالبنا بتقديم الاسماء، واستجابة لرغبته واصراره، أنا بدوري أقدمه كأفضل مثال يحمل عدد من النعوت المشارة إليها في مقالي، وخاصة فيما يتعلق ببث الأحقاد والثقافة الهابطة والذرائعية والازدواجية والانتهازية!!! تلك هي الثقافة التي تربى عليها كاتبنا، صنيعة الفكر الحزبي-القبلي منذ أن بدأ الانقسام الأول يستولي على جسم الحركة الكردية، والذي استمر في انقساماته ولا يزال مستمراً حتى هذه اللحظة لسبب بسيط هو سيطرة الذهنية السلبية على أشخاص من أمثال الجزيري الذين يطمحون إلى الهيمنة بطرق ملتوية وعصاباتية تسخر كل شيء لصالح أهدافها الشخصية ونزعاتها الكارزمية. هل هذه الحقيقة تحتاج إلى برهان؟ اليست الانقاسامات الحاصلة في الحركة الكردية هي وليدة الذهنية التي يمثلها الجزيري وصاحب الاسم المأجور؟
-II-
الملاحظات النقدية:
في هذه العجالة سأوجه عدد من الملاحظات النقدية والانتقادية لكتابه المعنون باسم (الأدب الشفاهي الكردي – دراسة، الجزء الثاني، تأليف علي الجزيري، اربيل 2008 ) ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
1. الدراسة تفتقر إلى بديهيات منهج كتابة البحث والدراسة،
2. الخلط الكبير بين علم الفولكلور العام وقضايا الفولكلور الكردي
3. دوره كمحلل ودارس للفولكلور ليس فقط ضعيف جداً حيث يحتل مساحة ضئيلة، وهذا ما أكد عليه الاستاذ خالص مسور أيضاً، بل أشبَه دوره بحرف العطف بالنسبة لبناء الجمل والفقرات مضمون الكتاب، مع أنه سجَل على غلاف كتابه (دراسة من تأليفه).
4. والأسوأ من كل هذا أن الكتاب جُمِع ورُتِب على نحو سيء بعيداً عن خطوات منهج البحث العلمي، لأنه كما يبدو جلياً أنه جاهل في منهجية البحث وكيفية انشاء أو تأليف الدراسة،
5. ليس هذا فقط، بل أنه في تفاسيره للظاهرة الأدبية يستنجد بتحاليل واستنتاجات كتاب أخرين توصلوا اليها في سياقات مختلفة لا ترتبط بسياق الفولكلور.
-III-
رغم أنني لا أجد ضرورة في الرد على الخزعبلات الواردة في مقال علي الزاخوراني، إلا أنني سأتوقف قليلاً عند بعض الغايات الشخصية وما يمارسه الجزيري من تلفيق واشاعات كاذبة، يمكن أن نعده بموجبها أحد منابع النميمة في المشهد الثقافي الكردي، وأخر موقف له سجل في محاضرته الأخيرة وذلك أمام عدد من الأشخاص الجالسين إذ يحاول بكل السبل أن يتهجم علي إلى درجة أنه يكذب بكل صفاقة دون حياء :
أولاً:
في تعليقي الوارد في مقالي بخصوص المديح الذاتي يرتبط بمقولة السيد الجزيري الواردة في كتابه، الصفحة 9 في الفولكلور إذ يقول: (والباعث الأهم الذي دفعني ….. هو الدين الذي يتوجب اسداؤه لبني قومي الطيبين، ممن يبنون الآمال العريضة على أمثالي) فالكاتب خالص مسور في مقاله الانتقادي فسر مقولته تلك بالاستعلاء، بينما قرأتها على اساس نوع من المديح الذاتي ولا أتفق مع رأي خالص مسور، علماً أن السيد علي لم يرد على الملاحظات النقدية التي سجلها خالص مسور على دراسته تلك، لكنه كما يبدو شعر بالازعاج الشديد عندما فسرت قوله على أنه نوع من المديح الذاتي وهذا أخف وطأةً من مفهوم “الاستعلاء”. وما أتى به السيد علي الجزيري في مقال الرد هو نوع من الخديعة إذ يحاول مخادعة القارئ عن طريق الإتيان بمقولة مختلفة (أربع عشر كلمة) عما قصدته وهذا دليل واضح إما على جهله وقراءته السيئة للنصوص أو هي بدافع النيل المتعمد. لو كان الكتاب يستحق هذه الجدارة، لوافقنا له،
ثانياً:
السيد علي الجزيري نراه يشلف كلمة (الاقتباس) في نهاية مقاله، كالطفل الذي يخرج برأسه من الباب ويقذف بكلمة بذيئة ويتوارى مباشرة بسبب ما ينتابه من خوف من الطرف المقابل. هذا الكاتب يتهمني بالاقتباس في نصي المنقود من قبله، دون أن يشير إلى موطن واحد لهذا الاقتباس أو يذكر نقطة واحدة،. لنتوقف هنا قليلاً لأقول: أليس من حقي أن أتهمه بالكذب طالما لا يستطيع أن يأتي ولو بمثال واحد، ولن يستطيع بتاتاً لأن ما كتبته هو أمر يتعلق برؤيتي في الجانب السلبي لحركية المشهد الثقافي في اطار علاقاتها مع الطرف السياسي إذ يغلب عليها الجانب الوصفي في تصوير الحدث صياغةً. هذه المسألة لا تحتاج إلى معلومات لتتم اقتباسها واضافتها. حقيقة لو كان هناك سلطة عدلية تقضي في هكذا قضايا، كان المفروض أن يحال إلى محكمة ويساق إلى السجن لأنه ينشر تهمة كاذبة وباطلة بحق الأخر. لكن كما يبدو أن نزواته الانتقاميه قد أعمته ولم يعد يدرك مغزى أقواله التي تسعى إلى إحداث البلبلة والإساءة.
ثالثاً: مثال عن موقف من الماضي والحاضر
في احدى المرات قبل حوالي عشر سنوات شاءت الصدف أن اجتمع صحفي لبناني بعدد من المثقفين الكرد في مكان ما (مقهى أو مطعم) بالقامشلي بغرض اجراء مقابلة معهم حول الأدب الكردي ومستوى تطوره ومن هم أبرز أعلامها في سوريا. يبدأ الصحفي بطرح السؤال على المثقف رقم واحد بخصوص مستوى الأدب الكردي في سوريا، وما أن يبدأ مثقفنا بالحديث، إذ بالأخرين كل منهم يحاول خفيةً لفت انتباهه إليه ليشير له باصبعه أن يعلن عن اسمه علماً هاماً من أعلام الأدب الكردي في سوريا، وإلا هو الأخر لن يأتي على ذكر اسمه عندما يطلب منه هو الأخر إبداء رأيه، على مبدأ (حكلََي أحكلَك)، وهكذا يتكرر المشهد ذاته كلما أنتقل السؤال إلى الأخر. ألا يستدعي هذا الموقف السخرية؟ لنتأمل قليلاٌ في هذا الموقف الذي يعبر بوضوح عن شكل الوعي الذاتي لدى هذه المجموعة من المثقفين. لكنني أعتقد أن مضمون الموقف المذكور يكرر نفسه الأن ربما بصيغة مختلفة، وهذا ما حصل فعلاً مع ثلاثة كتاب إذ طلب أحدهم الكتابة حول انتاجه الثقافي مع شيء من الإطراء والتبجيل والتفخيم إذا لزم الأمر ولا بد أن يلزم طالما الحديث يطرق بابا غير عادي. اليست هذه الثقافة هابطة؟؟ وقد بينت مسبقاً أن الثقافة سلوك حياتي، وكلما كان سلوك المثقف مهذباً، كلما دل على رقي وتقدم ثقافته.
رابعاَ:
ناقدنا الكبير يناقشنا في مسائل نحوية لا تمت بموضع المتن بل يطرحها بهدف النقد من أجل النقد وهو المبدأ السخيف المعمول به من قبله غايته الأولى والأخيرة. وفي موضع أخر يطرح عبارات نقدية في وقت أنه يجهل مغزاها أو أنه غير ملم بأدواته النقدية فنراه يستعمل عبارة (الخطأ الثقافي) وهو يعني بها (المفهوم).
الخاتمة:
ورغم كل ما جرى وما سيجري بيني وبين الجزيري، إلا أنني لا أجده نداً لي ولا منافساً، وكنت دائماً احترم وأقدر جهوده في الكتابة بصرف النظر عن سلوكه ومواقفه السلبية وبصرف النظر عن مستوى انتاجه وما عليها من انتقادات علمية وموضوعية بعيداً عن أغراض شخصية، علماً أنه غير جدير بهذا الاحترام لما سبب لنا جرحاً لا يمكن أن تمحوه المجاملات السطحية المفروضة علينا اجتماعياً. ولأكون صريحاً وصادقاً اؤكد أنني أختلف معه سلوكاً ومنطقاً وفكراً، لكن من المفروض أن لا يؤدي هذا إلى صراعات لا طائل منها سوى استنزاف طاقتنا لإشباع رغبة عرضية أو نزعة أنانية مغروسة فيه هو. والخاسر الوحيد في هذه المعركة الوهمية هو جهودنا وسمعتنا وثقافتنا؟ أتمنى أن لا أعود مرة أخرى إلى الصراع مع مثل هذه النماذج المنهكة والمرهقة فكراً ونفساً وعقلاً. كنت أتمنى أن يجادلني الجزيري في قضايا الأدب والمعرفة لا في مسائل نختلف عنها في الشكل والمضمون والغايات بسبب اختلاف الماضي بيننا من حيث المنابع والمشارب الثقافية والاجتماعية والتربوية. علينا بالنقد الجاد والفكر المعرفي والرأي الموضوعي والكلمة الصادقة بعيداً عن الأنانية ونزعة الانتقام، وذلك على اسس مبدئية مع الإلتزام بقيَمنا الجميلة.