التجذر التاريخي للأمة الكوردية بين الأسلاف والشمر والسومريين و الكورد

عبد الرحمن آلوجي

سبق أن وقفنا ـ في التجذر التاريخي ـ على كون جبال زاغروس و آسيا الوسطى, موطنا لأسلاف الكورد , و منبعا أساسيا للهجرات الجبلية اللاحقة إلى السهول , ومن هجراتها إلى الغرب والشمال – عبر المتوسط إلى أوربا الحالية , و هو ما سوف نؤكد عليه لاحقا ضمن هذا المبحث الهام والدال , و لعل أكثر الأبحاث إثارة في التاريخ الإنساني المغرق في القدم ما قام به الباحث: (رالف سوليكي) من جامعة “ميشغان “الأمريكية بين سنوات 1951 ـ 1960: ” في الكشف عن هياكل و جماجم الإنسان القديم في كوردستان في كهف (شاندر), و الذي يرقى إلى نحو ستين ألف عام ..” , كما قامت البعثة الأثرية الألمانية عام 1972 بالتنقيب في إحدى مناطق روافد الفرات قرب “تل أسود”, بالقرب من رافد البليخ “في دشتى سروجى” , وما توصلت إليه من حقبة تنحصر في الألف التاسع قبل الميلاد , وكشفه لحضارة كوردية صرفة ” نوالى زوري “, ترقى إلى 8200 ق.م
 وما قام به الأستاذ (برندوود) من جامعة شيكاغو الأمريكية بالكشف عن واحد من القرى الأثرية في التاريخ الإنساني, في (تل چرمو) بكوردستان العراق, و التي تمتد إلى الألف الثامن قبل الميلاد.. هذا إلى جانب مكتشفات البعثة الأمريكية المؤخرة في شمال شرق سوريا والموثقة بدقة متناهية في منطقة “ديرك ” من الجزيرة السورية تحديدا , في العثور على أقدم مستوطنة في العالم (حموكر) , و التي ترقى إلى أحد عشر ألف عام.

و قد أكدت دراسات العلماء و الباحثين على الاتجاه العلمي السائد , و هو كون جبال زاغروس و ما يجاورها هي مواطن الإنسان الأول القديم , و الذي وجد فيه الكورد و الأقوام الهندو أوروبية الأخرى التي تشكل أسلافه , وهو ما أكد عليه ول ديورانت , وهو ما وثبته و تبناه في رسالة الدكتوراة التي عرضت على جامعة كمبرج البريطانية الباحث : (أ ـ ولسون) من كون انتقال الإنسان القديم من المواطن الأولى في القفقاس الجنوبي الدافئ (مناطق زاغروس و أمانوس و ما يجاورها) إلى أوربا عبر المتوسط , و ما  جاء في التأكيد عليه مما اعتمدته دراسة المؤرخ (جورج رو) في التاريخ القديم “ص 95” من :  ((انتقال فخار تل حلف ـ الواقع قريبا من نهر الخابور في سوريا ـ و الذي وصل إلى أقصى بلاد الإغريق قبل نحو 4500 ق م , من مركزه حول نينوى غربا على امتداد طريق القوافل المؤدي إلى البحر المتوسط مرورا بالخابور ـ تل براك , شهر بازار , “چاغر” , و تل حلف إلى نهر البليخ (تل أسود) , إلى كرمكيش ـ  مع الأخذ بالاعتبار قيم و عبادات و طرق لدفن الموتى لتدل دلائل قاطعة على هجرة الأقوام الهندو أوروبية ,  من الشرق إلى الغرب ..” و انظر للدقة والتدقيق : كولان العربي / العدد 71/2002, ص92 بحثا تفصيليا لـ أحمد شيخ محمود ” …))
وهو ما يتلاقى مع الرأيين السابقين لـ ول ديورانت : ” و الذي وقف مطولا عند الحضارة السومرية الآرية ” , و الباحث الإنكليزي أ ولسون في دراسته الآنفة الذكر في جامعة كمبردج ..
و ما يهمنا من الأبحاث التي قام بها العلماء في تبيان العلاقة بين اللولويين و اللور و الهوريين و الميديين و السوباريين  والكردوخيين و النايريين كأسلاف للكورد, عاشت آلافا من السنين في المنطقة الكوردية الحالية وامتدت إلى أعالي طبرستان وخراسان في بعض الأحيان , وماقام به هؤلاء وأمثالهم من كشف النقاب عن هذه الصلة الوثقى ك ” هوزينغ ومار وسبايزر, وفيلد, ووايسباخ, وج. ك. درايفر, وجيمس هنري برستيد …” وما يؤكده د. كولن رينغرو في كتابه “علم الآثار” : ” من كون شرق الأناضول وشمال وادي الرافدين هو الموطن الأصلي للأقوام الهندو أوربية …” معززا الدراسات التي ذكرناها وعزوناها إلى مصادرها  ,  ومن الجدير أن نذكر الجهود المضنية والشاقة التي بذلها هؤلاء في التنقيب عن الآثار العميقة التي تدل على الرابطة اللغوية الدقيقة بين الكوردية و اللغات الهندو أوربية و الآرية الأولى , التي كان يتفاهم بها هؤلاء الأسلاف , و إن ارتبطت هذه الجهود بعقبات كثيرة , كانت تتشكل في البداية من انعدام المقارنة بين الهورية مثلا و الكوردية أو السومرية و الكوردية , في عدم اهتدائهم إلى مصدر الإشكال وتعقيداته , حتى تمت المقارنة هذه , لتشكل فتحا تاريخيا رائدا في التشابه الدقيق إلى درجة التطابق أحيانا , فكانت جهودا بارزة أحيت إلى الوجود ما نجد من مقاربات و مقارنات دقيقة , كما أسلفنا في دراستنا عن اللغة الهورية و اتصالها بالكوردية , و ما أداره العلامة القمني في دراسته عن النبي الهوري أبي الأنبياء إبراهيم ” عليه السلام ” , و الحيرة التي أبداها الباحث “أنطونيو بوتشلاتي” حينما أعوزته المقارنة , مما يشكل مدخلا دقيقا إلى تبيان الخطوط الأولى , لفك رموز لغوية دقيقة , وهو ما استطاع العلماء الحصول عليه في المقارنة بين السومرية كلغة إلصاقية و الكوردية عبر مفردات تكاد تكون متطابقة إلى حد كبير, هذا إلى جانب آرية السومريين  , و ارتباطهم بالمنطقة الجبلية في كوردستان العراق كما نص عليه “ول ديورانت في قصة الحضارة ” و التي أكد فيها على عادات و طريقة طلاء و صنع الأبنية الطينية و طرازها, و الأبواب و الأوقاب الخشبية , و الحذاء الجلدي المسمى إلى الآن (چاروخ), و ما كان يصطنعه السومريون من قوالب من التبن الناعم المخلوط والمعجون بالطين المخمر.. لصناعة القرميد السومري (الكربيچ) و الذي يعتمده الكورد إلى الآن في أريافهم و قراهم, وهو ما نص عليه “ول ديورانت الجزء 27 / تاريخ الشرق الأدنى ص102″إضافة إلى ما ذهب إليه من كونهم آريين جبليين أشداء, سكنوا شمالي العراق منذ آلاف السنين, و كون القرميد السومري مكتشفا في عمق 32 قدما تحت الأرض.
و قد أرجع الباحث “هنري فيلد” في دراسة إحصائية أنتروبولوجية “قبيلة الشمر” إلى الكورد في اقترابهم الكبير من السومريين , و ما كان يحصل من هجرات جبلية إلى السهول, كما فعل السومريون من انحدارهم من جبال كردستان العراق إلى جنوبه , و إنشاء ممالك لهم (لـﮔش و أور على ضفاف الفرات ..) , فقد رأى هذا الباحث ((أن الشمر جزء من الكورد , نزلوا إلى  السهول بحثا عن المراعي فحالوا عن لسانهم و صارت لغتهم عربية))” انظر البحث السابق ص90ـ انظر كتاب” الكورد في نظر العلم” د. محمد رشيد الفيل ص35 ـ 37 ” و في دراسة مستفيضة أجراها الباحث مسعود سعيد ياسين حول السومريين (موطنهم الأصلي , عائلة لغتهم) و المنشورة في القسم العربي من مجلة متين الأعداد (73 ـ 79) في سبع حلقات , ما ينتهي إلى خلاصة دقيقة حول : ” إذا لم يكن السومريون كوردا فمن يكونون؟؟!! ” , عاقدا مقارنات لغوية دقيقة بين الكوردية و السومرية في مفرداتها اللغوية , و طريقة الإلحاق و الإلصاق , إذ الكوردية من اللغات الهندو أوربية الإلصاقية كالإنكليزية و الفرنسية و الألمانية “ا يقول مسعود ياسين: “((لقد نسي العلماء في مقارناتهم ما يشابهها بين تلك اللغات التي قارنوها و وازنوها, نسي هؤلاء العلماء الشعب الكوردي فهذا الشعب يعيش بين ظهراني تلك الشعوب , ووجد هناك في الموطن نفسه , ولو قدر للعلماء أن قارنوا ـ بما فيها الكفاية ـ اللغة السومرية باللغة الكوردية في حينه لفتحت الأبواب وانتهى الجدل .. ج2 / ص151 مجلة متين العدد 74)) و في مقارنته العملية التي أجراها بين الكوردية و السومرية , في سبع حلقات متتالية بدءا من 74- إلى ,77
يؤكد الباحث مسعود ياسين على صلة القربى القوية بين اللغتين في المفردة و السياق و الإلحاق و الإلصاق , من خلال تلك الحلقات المتواصلة , لتعزز هذه القرابة , إلى جانب طراز البناء و العمران , و شدة البأس و عصبية المزاج و النزوح المعتاد من المناطق الوعرة الجبلية إلى السهول و المناطق الأكثر سعة و استقرارا كما فصل الشمر أيضا وهو ما أكده أستاذ السومريات في جامعة بغداد الدكتور فاضل عبد الواحد, و قد عقد المقارنة نفسها الأستاذ مرشد اليوسف في كتابه الأحدث من بحث مسعود ياسين والمسمى (دوموزي ـ طاووس ملك), حيث أورد كما من حالات التشابه في الجذر اللغوي والإلصاقي بين السومرية و الكوردية , فيما يتجاوز 40 حالة تصل إلى حد التطابق أحيانا كما في :
: السومرية التي تعني الكبير ـ العظيم     Gal
: الكوردية التي تعني كبير العائلة         Kal
  :السومرية التي تعني الأم               cami
  :الكوردية التي تعني الأم              Cime
 :السومرية التي تعني يأكل                 Xu
 :الكوردية التي تعني يأكل                 Xu     
 :السومرية التي تعني الطعام           Nenda
:الكوردية التي تعني الطعام                Nan
:السومرية التي تعني المجرب             Kalo  
الكوردية التي تعني المجرب ” انظر ص24 ـ 32 الكتاب المذكور ـ مرشد اليوسف “: Kalo
و إذا أردنا مزيدا من التدقيق والبحث فإن ما يعثر عليه من مثل لفظ سومر الإلصاقية و التي تعني بشقيه  الرجل الشجاع) وهي نفسها جزئيتان بالكوردية وهما سو و تعني: الحاد الطبع (الشجاع), و (مير أو ميرد) و تعني الرجل.
و كلمة (بصرى) التي وصل إلى أراضيها السومريون وهي تشتمل على جزئيتين أيضا, الجزئية الأولى باست و تعني بالسومرية الأرض الواسعة, و لعل بسط العربية آتية منها, و الجزئية الثانية “راه” و تعني بالسومرية الطريق , فهي تعني الطريق الواسعة اللاحبة و هي نفسها و حرفيا بالكوردية.
إضافة إلى ما يكشف عنه التنقيب اللاحق من كتابات في الألواح و الرقم السومرية الطينية, و ما يمكن أن تشكله هذه المكتشفات المقبلة من فتح لغوي أكثر عمقا و شمولا مما لا يستبعد ذلك , فقد اهتدت البعثة الأثرية في أوركيش إلى هذه المدينة الهورية العريقة , اعتمادا على ما توصل إليه العلماء من ذكرها المتكرر في الألواح السومرية الطينية , وهو محتمل نظرا لبدايات التنقيبات في المناطق الكوردية , و بخاصة في كوردستان العراق , حيث تجد فيها 8000 تل أثري, أكتشف منها 140000 رقم و منحوتة أثرية , هذه الآلاف الثماني هي من جملة تسعة آلاف تلة أثرية في العراق كله, لم يكشف النقاب إلا عن النزر القليل منها, مما سوف يعزز الجذور اللغوية لأسلاف الكورد و ارتباطها باللغة الكوردية المعاصرة, كما رأينا في السومرية و الهورية اعتمادا على المنهج العلمي – غير الاعتباطي – في البحث الرصين والهادئ, وهو ما نأمله وننشده.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…