و قد أكدت دراسات العلماء و الباحثين على الاتجاه العلمي السائد , و هو كون جبال زاغروس و ما يجاورها هي مواطن الإنسان الأول القديم , و الذي وجد فيه الكورد و الأقوام الهندو أوروبية الأخرى التي تشكل أسلافه , وهو ما أكد عليه ول ديورانت , وهو ما وثبته و تبناه في رسالة الدكتوراة التي عرضت على جامعة كمبرج البريطانية الباحث : (أ ـ ولسون) من كون انتقال الإنسان القديم من المواطن الأولى في القفقاس الجنوبي الدافئ (مناطق زاغروس و أمانوس و ما يجاورها) إلى أوربا عبر المتوسط , و ما جاء في التأكيد عليه مما اعتمدته دراسة المؤرخ (جورج رو) في التاريخ القديم “ص 95” من : ((انتقال فخار تل حلف ـ الواقع قريبا من نهر الخابور في سوريا ـ و الذي وصل إلى أقصى بلاد الإغريق قبل نحو 4500 ق م , من مركزه حول نينوى غربا على امتداد طريق القوافل المؤدي إلى البحر المتوسط مرورا بالخابور ـ تل براك , شهر بازار , “چاغر” , و تل حلف إلى نهر البليخ (تل أسود) , إلى كرمكيش ـ مع الأخذ بالاعتبار قيم و عبادات و طرق لدفن الموتى لتدل دلائل قاطعة على هجرة الأقوام الهندو أوروبية , من الشرق إلى الغرب ..” و انظر للدقة والتدقيق : كولان العربي / العدد 71/2002, ص92 بحثا تفصيليا لـ أحمد شيخ محمود ” …))
وهو ما يتلاقى مع الرأيين السابقين لـ ول ديورانت : ” و الذي وقف مطولا عند الحضارة السومرية الآرية ” , و الباحث الإنكليزي أ ولسون في دراسته الآنفة الذكر في جامعة كمبردج ..
و ما يهمنا من الأبحاث التي قام بها العلماء في تبيان العلاقة بين اللولويين و اللور و الهوريين و الميديين و السوباريين والكردوخيين و النايريين كأسلاف للكورد, عاشت آلافا من السنين في المنطقة الكوردية الحالية وامتدت إلى أعالي طبرستان وخراسان في بعض الأحيان , وماقام به هؤلاء وأمثالهم من كشف النقاب عن هذه الصلة الوثقى ك ” هوزينغ ومار وسبايزر, وفيلد, ووايسباخ, وج. ك. درايفر, وجيمس هنري برستيد …” وما يؤكده د. كولن رينغرو في كتابه “علم الآثار” : ” من كون شرق الأناضول وشمال وادي الرافدين هو الموطن الأصلي للأقوام الهندو أوربية …” معززا الدراسات التي ذكرناها وعزوناها إلى مصادرها , ومن الجدير أن نذكر الجهود المضنية والشاقة التي بذلها هؤلاء في التنقيب عن الآثار العميقة التي تدل على الرابطة اللغوية الدقيقة بين الكوردية و اللغات الهندو أوربية و الآرية الأولى , التي كان يتفاهم بها هؤلاء الأسلاف , و إن ارتبطت هذه الجهود بعقبات كثيرة , كانت تتشكل في البداية من انعدام المقارنة بين الهورية مثلا و الكوردية أو السومرية و الكوردية , في عدم اهتدائهم إلى مصدر الإشكال وتعقيداته , حتى تمت المقارنة هذه , لتشكل فتحا تاريخيا رائدا في التشابه الدقيق إلى درجة التطابق أحيانا , فكانت جهودا بارزة أحيت إلى الوجود ما نجد من مقاربات و مقارنات دقيقة , كما أسلفنا في دراستنا عن اللغة الهورية و اتصالها بالكوردية , و ما أداره العلامة القمني في دراسته عن النبي الهوري أبي الأنبياء إبراهيم ” عليه السلام ” , و الحيرة التي أبداها الباحث “أنطونيو بوتشلاتي” حينما أعوزته المقارنة , مما يشكل مدخلا دقيقا إلى تبيان الخطوط الأولى , لفك رموز لغوية دقيقة , وهو ما استطاع العلماء الحصول عليه في المقارنة بين السومرية كلغة إلصاقية و الكوردية عبر مفردات تكاد تكون متطابقة إلى حد كبير, هذا إلى جانب آرية السومريين , و ارتباطهم بالمنطقة الجبلية في كوردستان العراق كما نص عليه “ول ديورانت في قصة الحضارة ” و التي أكد فيها على عادات و طريقة طلاء و صنع الأبنية الطينية و طرازها, و الأبواب و الأوقاب الخشبية , و الحذاء الجلدي المسمى إلى الآن (چاروخ), و ما كان يصطنعه السومريون من قوالب من التبن الناعم المخلوط والمعجون بالطين المخمر.. لصناعة القرميد السومري (الكربيچ) و الذي يعتمده الكورد إلى الآن في أريافهم و قراهم, وهو ما نص عليه “ول ديورانت الجزء 27 / تاريخ الشرق الأدنى ص102″إضافة إلى ما ذهب إليه من كونهم آريين جبليين أشداء, سكنوا شمالي العراق منذ آلاف السنين, و كون القرميد السومري مكتشفا في عمق 32 قدما تحت الأرض.
و قد أرجع الباحث “هنري فيلد” في دراسة إحصائية أنتروبولوجية “قبيلة الشمر” إلى الكورد في اقترابهم الكبير من السومريين , و ما كان يحصل من هجرات جبلية إلى السهول, كما فعل السومريون من انحدارهم من جبال كردستان العراق إلى جنوبه , و إنشاء ممالك لهم (لـﮔش و أور على ضفاف الفرات ..) , فقد رأى هذا الباحث ((أن الشمر جزء من الكورد , نزلوا إلى السهول بحثا عن المراعي فحالوا عن لسانهم و صارت لغتهم عربية))” انظر البحث السابق ص90ـ انظر كتاب” الكورد في نظر العلم” د. محمد رشيد الفيل ص35 ـ 37 ” و في دراسة مستفيضة أجراها الباحث مسعود سعيد ياسين حول السومريين (موطنهم الأصلي , عائلة لغتهم) و المنشورة في القسم العربي من مجلة متين الأعداد (73 ـ 79) في سبع حلقات , ما ينتهي إلى خلاصة دقيقة حول : ” إذا لم يكن السومريون كوردا فمن يكونون؟؟!! ” , عاقدا مقارنات لغوية دقيقة بين الكوردية و السومرية في مفرداتها اللغوية , و طريقة الإلحاق و الإلصاق , إذ الكوردية من اللغات الهندو أوربية الإلصاقية كالإنكليزية و الفرنسية و الألمانية “ا يقول مسعود ياسين: “((لقد نسي العلماء في مقارناتهم ما يشابهها بين تلك اللغات التي قارنوها و وازنوها, نسي هؤلاء العلماء الشعب الكوردي فهذا الشعب يعيش بين ظهراني تلك الشعوب , ووجد هناك في الموطن نفسه , ولو قدر للعلماء أن قارنوا ـ بما فيها الكفاية ـ اللغة السومرية باللغة الكوردية في حينه لفتحت الأبواب وانتهى الجدل .. ج2 / ص151 مجلة متين العدد 74)) و في مقارنته العملية التي أجراها بين الكوردية و السومرية , في سبع حلقات متتالية بدءا من 74- إلى ,77
يؤكد الباحث مسعود ياسين على صلة القربى القوية بين اللغتين في المفردة و السياق و الإلحاق و الإلصاق , من خلال تلك الحلقات المتواصلة , لتعزز هذه القرابة , إلى جانب طراز البناء و العمران , و شدة البأس و عصبية المزاج و النزوح المعتاد من المناطق الوعرة الجبلية إلى السهول و المناطق الأكثر سعة و استقرارا كما فصل الشمر أيضا وهو ما أكده أستاذ السومريات في جامعة بغداد الدكتور فاضل عبد الواحد, و قد عقد المقارنة نفسها الأستاذ مرشد اليوسف في كتابه الأحدث من بحث مسعود ياسين والمسمى (دوموزي ـ طاووس ملك), حيث أورد كما من حالات التشابه في الجذر اللغوي والإلصاقي بين السومرية و الكوردية , فيما يتجاوز 40 حالة تصل إلى حد التطابق أحيانا كما في :
: السومرية التي تعني الكبير ـ العظيم Gal
: الكوردية التي تعني كبير العائلة Kal
:السومرية التي تعني الأم cami
:الكوردية التي تعني الأم Cime
:السومرية التي تعني يأكل Xu
:الكوردية التي تعني يأكل Xu
:السومرية التي تعني الطعام Nenda
:الكوردية التي تعني الطعام Nan
:السومرية التي تعني المجرب Kalo
الكوردية التي تعني المجرب ” انظر ص24 ـ 32 الكتاب المذكور ـ مرشد اليوسف “: Kalo
و إذا أردنا مزيدا من التدقيق والبحث فإن ما يعثر عليه من مثل لفظ سومر الإلصاقية و التي تعني بشقيه الرجل الشجاع) وهي نفسها جزئيتان بالكوردية وهما سو و تعني: الحاد الطبع (الشجاع), و (مير أو ميرد) و تعني الرجل.
و كلمة (بصرى) التي وصل إلى أراضيها السومريون وهي تشتمل على جزئيتين أيضا, الجزئية الأولى باست و تعني بالسومرية الأرض الواسعة, و لعل بسط العربية آتية منها, و الجزئية الثانية “راه” و تعني بالسومرية الطريق , فهي تعني الطريق الواسعة اللاحبة و هي نفسها و حرفيا بالكوردية.
إضافة إلى ما يكشف عنه التنقيب اللاحق من كتابات في الألواح و الرقم السومرية الطينية, و ما يمكن أن تشكله هذه المكتشفات المقبلة من فتح لغوي أكثر عمقا و شمولا مما لا يستبعد ذلك , فقد اهتدت البعثة الأثرية في أوركيش إلى هذه المدينة الهورية العريقة , اعتمادا على ما توصل إليه العلماء من ذكرها المتكرر في الألواح السومرية الطينية , وهو محتمل نظرا لبدايات التنقيبات في المناطق الكوردية , و بخاصة في كوردستان العراق , حيث تجد فيها 8000 تل أثري, أكتشف منها 140000 رقم و منحوتة أثرية , هذه الآلاف الثماني هي من جملة تسعة آلاف تلة أثرية في العراق كله, لم يكشف النقاب إلا عن النزر القليل منها, مما سوف يعزز الجذور اللغوية لأسلاف الكورد و ارتباطها باللغة الكوردية المعاصرة, كما رأينا في السومرية و الهورية اعتمادا على المنهج العلمي – غير الاعتباطي – في البحث الرصين والهادئ, وهو ما نأمله وننشده.