وفي هذا يرى الفيلسوف النقدي أدورنو: (إن لفلسفة حين فشلت في الإلتزام بوعودها بتغيير العالم والتوحد مع الواقع، فهي مضطرة إلى انتقاد نفسها بدون تساهل. بل عليها أن تتساءل في سياق تفكيرها في ذاتها وعن الكيفية التي يمكنها بها أن تبقى ممكنة بعد السقطة التي عرفتها الفلسفة الهيغلية). وترد مقولة التمركز حول الذات لدى هابرماس، ولا يفكرن أحد بأنها تعني فلسفة الوعي وتمحورها حول الذات، بل الغاية منها هو محو فلسفة الذات وهي فلسفة نقدية لخلق منطقة جديرة تملأ الفراغ الذي ولدته العقلانية المعاصرة، فاقترح مفهوم النشاط التواصلي حيث لايمكن للفلسفة الركون دوماً إلى الفلسفات القديمة، بل عليها الإنفتاح إلى ما هو نقدي في العلوم الإنسانية واتنهاج التداوليات الصوتية وتدشين عقل تواصلي مع الحدث، وعدم التقيد بمدرسة او فلسفة معينة والتحرر ومن الظاهرة العقلانية في المؤسسات الحديثة واستلاب الفردية الحقيقية ومسخها، لكن هذا لابعني عدم التوظيف الحر للعقل.
وتذهب نظرية هابرماس النقدية بشكل أساسي إلى أنه ليس هناك نظرية مطلقة في حجاجيتها وتصادر الحقيقة كلها. وبذلك تبتعد هذه الفلسفة النقدية عن فلسفة الذات والوعي وتسعى إلى تكوين نسق وتأسيس نقد ينقد العقلانية وترفض وصاية الدولة الإيديولوجية الكليانية أو الشمولية، وحتى العلموية يراها هابرماس مصبوغة بالإيديولوجية التي يرفضها في فلسفته النقدية..
وهكذا نجد ان هابرماس يوجه فلسفته نحو نقد فكري يدخل معها في صراع مع النظرة الكليانية المرتكزة على تصورات ميتافيزيقية ويرى ان ان ليس هناك نقاء علميا أي ان العلم تسيطر عليه النزعات السياسية والايديولوجية المعبرةعن مكونات للحداثة التقنية وبذلك يسلط هابرماس نقده على النزعة التقنية technicism والوظيفية positivisme والعلموية scietisme اعتمادا على (ماركوز) الذي يعتقد ان بان العلم والتقنية اصبحا ايديولوجيين لان العلم يساهم في اضفاء الشرعية على النظام السياسي والاجتماعي المؤسس على العقلانية التقنية حيث حل اليوم العلم محل الدين والميتافيزيقا واصبحت العلموية النشاط الانساني الوحيد الحامل للمعنى كما ان الوضعية في راي كل من ماركوز وهابرماس تعتمد على العلم باعتباره النشاط الوحيد المنتج للمعنى فالوضعية بعملها هذا تزيل التفكير في عقلانية القرارات الاخلاقية والسياسية وتضر بسلطة القرار التقني تحت ستار الضغوط الموضوعية فهي تخفي بذلك المصالح الاجتماعية وراء القرارات المتخذة ويتخذ هابرماس من النقد قاعدة اساسية في تقييم الاشياء واللغة والزمن والنص والموضوعات ويعبر هابرماس عن موقفه من العلموية بالقول: أتمنى الا اختلف مع الراي القائل بان النظرية التحليلية ساهمت في توضيح القرارات المنهجية لممارسة البحث، ولكن مضمرات الوظيفة لها مفعول مقيد حين تخنق التفكير ان الوظيفة المعيارية المضرة للوعي المغلوط هي التي اوجه اليها نقدي، فالنقد الهابرماسي يسلط الضواء على اساسيات الفكر الوربي واعتماد موضوعات العقلانية والتحديث والتنوير وموضوعات الواقع المعسش والراهن