(مهداة إلى الشاعر الكبير يحيى السُماوي)
مِنْ فيضِ شعركَ يرتوي السُمّارُ
فصداكَ خمْرٌ ، نبضُكَ الإسكارُ
همسُ القوافي بالصَبوحِ فطورُنا
سـكنَتْ بنا أعطافُنا والدارُ
فبكلِّ نبضٍ تهطلُ الأشعارُ
منكَ الرويُّ تدفّقٌ ، أنهارُ
أنتَ المُعلِّمُ والقصائدُ دفترٌ
في طيِّهِ التنويرُ والإبهارُ
وأنا الفقيرَ إلى حروفكَ أنتشي
فأذوبُ بينَ كؤوسِها ، أحتارُ
منْ أيِّها أُطفي مجامرَ جانحي
فالكلُّ ظلٌّ وارفٌ ، أشجارُ
أنتَ النخيلُ الحانياتُ ظلالُها
أنتَ السواقي، أنتَ فينا الغارُ
أنتَ العراقيُّ الذي نزفَ الهوى
فتفتّحَتْ مِنْ بوحِهِ الأزهارُ
ياابنَ المثنى والخليلِ وسومرٍ
وأبو مُحسّـدَ بينكمْ نـوّارُ 2
هذا العراقُ عُروقُهُ الأنهارُ
حُبلى، ففي جريانِها أشعارُ
لم يرتضِ يوماً قِصارَ نوابغٍ
فلكلِّ سـعفٍ نابغٌ إعصارُ
ولكلِّ قـولٍ عالِمٌ ومُفوَّهٌ
يطأُ السحابَ وغيثهُ مِدرارُ
قالوا نخيلُ الرافدينِ بطَلْعِها
يتوالدُ الشعراءُ ، والأغيارُ
ملأوا الدُنا بالزاهياتِ غصونُها
والقادحاتُ ، المُورياتُ ، تُدارُ
بينَ البوادي والنوادي قهوةً 3
ثملتْ بها أُمَمٌ ، وضجَّ مدارُ
ياأيُّها الفردُ المحلِّقُ في المَدى
شعراً ونثراً ، في الذرى دَوّارُ 4
في العشقِ أنتَ ربابةٌ ، مزمارُ
في الغزوِ أنتَ رصاصةٌ والنارُ
في الحقِّ سيفٌ صارمٌ لا ينثني
بركانُ غيضٍ ، عارمٌ ، جبّارُ
ولقد عشقْتُ الرائقاتِ تغزُّلاً
في توقِهنَّ نهودُهنَّ تُثـارُ 5
والعاتياتِ النازلاتِ صواعقاً
فوق الغزاةِ ، رويُهنَّ أُوارُ 6
أما التغرُّبُ فالحديثُ النارُ
بينَ البلادِ تقرُّحٌ ، وإسارُ 7
مُتِّعْتَ في صوغِ القوافي لؤلؤاً
في جيدِ عاطفةٍ لظىً ، ونُضارُ 8
مَتّعْتَنا بالشامخاتِ حروفُها
غنّاءَ فوقَ صدورِنا أزهارُ
1- الصَبوح: الخمرة صباحاً
الغَبوق: الخمرة مساءاً
2- المثنى: محافظة المثنى (السماوة) وهي مسقط رأس الشاعر
الخليل: الخليل بن أحمد الفراهيدي، والاشارة هنا لأمرين، الأول أنّ شاعرنا يتحلّى بالعلم اللغوي الغزير، اضافة الى أنه كان استاذاً للغة العربية. والثاني أنه من المحافظين الألداء على الأوزان الخليلية في شعره حتى المُرسَل منه (شعر التفعيلة، الشعر الحر). فهو لم يُسمِّ نصوصَه المرسلةَ النثريةَ شعراً، مثلما تُسمى نصوص ما يُسمى بقصيدة النثر، مع أنها تفيض شعراً رقةً وعذوبةً، وهي بحق نصوص شعرية.
سومر: اشارة الى الحضارة السومرية العراقية القديمة
أبومحسّد: المتنبي
3- القهوة في هذا البيت أُستخدمت توريةً بمعنييها (الخمرة) وتأثيرها المُسْـكِر وأثرها في مجالس السمر ونوادي الليل، و(القهوة) بمعناها الشائع اليوم وأهميتها ودلالتها المعنوية الثقافية التقليدية عند البدو والقبائل والعشائر العربية في مجالسها ومضايفها
4- الفَرْدُ: أي الفريد
5- اشارة الى بيت الشاعر المُخاطَب يحيى السماوي:
قـارَبْـتُ ” ستيـنـا ً ” ولـمّـا أزلْ
طـفـلا ً له ُ بـناهـديـكِ افـتِـتانْ
من قصيدة (صوفية النيران)،
و المقصود بـ(الرائقات) قصائده الغزلية الرقيقة والمشتعلة عاطفةً وتوقاً
6- أُوارُ: سعير
7- إسار: أسر وقيد
8- مُتِّعْتَ: دُعاء بالتمتع بطول الحياة