ياأيُّها الفردُ المحلِّقُ في المدى

  عبد الستار نورعلي

(مهداة إلى الشاعر الكبير يحيى السُماوي)

مِنْ فيضِ شعركَ يرتوي السُمّارُ
فصداكَ خمْرٌ ، نبضُكَ الإسكارُ

همسُ القوافي بالصَبوحِ فطورُنا

أما الغَبوقُ ، فتوقُنا ، والنارُ 1
أشعلْتَ فينا كلَّ جارحةٍ وما
سـكنَتْ بنا أعطافُنا والدارُ

فبكلِّ نبضٍ تهطلُ الأشعارُ
منكَ الرويُّ تدفّقٌ ، أنهارُ

أنتَ المُعلِّمُ والقصائدُ دفترٌ
في طيِّهِ التنويرُ والإبهارُ

وأنا الفقيرَ إلى حروفكَ أنتشي
فأذوبُ بينَ كؤوسِها ، أحتارُ

منْ أيِّها أُطفي مجامرَ جانحي
فالكلُّ ظلٌّ وارفٌ ، أشجارُ

أنتَ النخيلُ الحانياتُ ظلالُها
أنتَ السواقي، أنتَ فينا الغارُ

أنتَ العراقيُّ الذي نزفَ الهوى
فتفتّحَتْ مِنْ بوحِهِ الأزهارُ

ياابنَ المثنى والخليلِ وسومرٍ
وأبو مُحسّـدَ بينكمْ نـوّارُ 2

هذا العراقُ عُروقُهُ الأنهارُ
حُبلى، ففي جريانِها أشعارُ

لم يرتضِ يوماً قِصارَ نوابغٍ
فلكلِّ سـعفٍ نابغٌ  إعصارُ

ولكلِّ قـولٍ عالِمٌ ومُفوَّهٌ
يطأُ السحابَ وغيثهُ مِدرارُ

قالوا نخيلُ الرافدينِ بطَلْعِها
يتوالدُ الشعراءُ ، والأغيارُ

ملأوا الدُنا بالزاهياتِ غصونُها
والقادحاتُ ، المُورياتُ ، تُدارُ

بينَ البوادي والنوادي قهوةً 3
ثملتْ بها أُمَمٌ ، وضجَّ مدارُ

ياأيُّها الفردُ المحلِّقُ في المَدى
شعراً ونثراً ، في الذرى دَوّارُ 4

في العشقِ أنتَ ربابةٌ ، مزمارُ
في الغزوِ أنتَ رصاصةٌ والنارُ

في الحقِّ سيفٌ صارمٌ لا ينثني
بركانُ غيضٍ ، عارمٌ ، جبّارُ

ولقد عشقْتُ الرائقاتِ تغزُّلاً
في توقِهنَّ نهودُهنَّ  تُثـارُ 5

والعاتياتِ النازلاتِ صواعقاً
فوق الغزاةِ ، رويُهنَّ أُوارُ 6

أما التغرُّبُ فالحديثُ النارُ
بينَ البلادِ تقرُّحٌ ، وإسارُ 7

مُتِّعْتَ في صوغِ القوافي لؤلؤاً
في جيدِ عاطفةٍ لظىً ، ونُضارُ 8

مَتّعْتَنا بالشامخاتِ حروفُها
غنّاءَ فوقَ صدورِنا أزهارُ

1- الصَبوح: الخمرة صباحاً
  الغَبوق: الخمرة مساءاً

2- المثنى: محافظة المثنى (السماوة) وهي مسقط رأس الشاعر
الخليل: الخليل بن أحمد الفراهيدي، والاشارة هنا لأمرين، الأول أنّ شاعرنا يتحلّى        بالعلم اللغوي الغزير، اضافة الى أنه كان استاذاً للغة العربية. والثاني أنه من المحافظين الألداء على الأوزان الخليلية في شعره حتى المُرسَل منه (شعر التفعيلة، الشعر الحر). فهو لم يُسمِّ نصوصَه المرسلةَ النثريةَ شعراً، مثلما تُسمى نصوص ما يُسمى بقصيدة النثر، مع أنها تفيض شعراً رقةً وعذوبةً، وهي بحق نصوص شعرية.
سومر: اشارة الى الحضارة السومرية العراقية القديمة
أبومحسّد: المتنبي

3- القهوة في هذا البيت أُستخدمت توريةً بمعنييها (الخمرة) وتأثيرها المُسْـكِر وأثرها في مجالس السمر ونوادي الليل، و(القهوة) بمعناها الشائع اليوم وأهميتها ودلالتها المعنوية الثقافية التقليدية عند البدو والقبائل والعشائر العربية في مجالسها ومضايفها

4- الفَرْدُ: أي الفريد

5- اشارة الى بيت الشاعر المُخاطَب يحيى السماوي:
قـارَبْـتُ ” ستيـنـا ً ” ولـمّـا أزلْ
طـفـلا ً له ُ بـناهـديـكِ افـتِـتانْ
من قصيدة (صوفية النيران)،
و المقصود بـ(الرائقات) قصائده الغزلية الرقيقة والمشتعلة عاطفةً وتوقاً

6- أُوارُ: سعير
7- إسار: أسر وقيد

8- مُتِّعْتَ: دُعاء بالتمتع بطول الحياة

السويد الأثنين 20 تموز 2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…