ارفعوا أقلامكم عن عقولنا

فرحان كَلش

مرت فترات أحسست فيها بعدم جدوى الدخول إلى المواقع الالكترونية لان القضايا التي تستهلك الحبر الكثير غالبا ما تكون أكثر من تافهة، وعمليات الرد والرد المضاد وما أدراك ما الرد المضاد، حيث يدخلك في دائرة مغلقة، فأما أن تدخلها فلا تتمكن من الخروج من بوابة لعبة الهوامش مطلقا وأما أن تبقى متفرجا على الدائرة الزوبعة وهي تدور وتدور لتزغلل عينيك، وفي الحالتين تبقى خاسرا ، خاسرا لصداقاتك، ومحبة بعض العقلانيين المصطفين في الجانب الآخر، وخاسرا لوقتك لصالح دوامة القضايا الهامشية ، هذه العمليات تذكرني بالمصارعين في القرون الوسطى مع اختلاف أدوات الالتحام وكلهم يحوزون على زنزانات متشابهه.
لقد آثرت أن أقول أيها الناس تحرم الكتابة عليكم إلا على الذين يكتبون لغاية خاصة، وتحرم عليكم الكتابة إلا على الذين تعبوا من لعبة السياسة، وتحرم عليكم الكتابة إلا على الذين يعتاشون ثقافيا على معالجاتهم الشكلية لقضايا هامة وجوهرية……..الخ
أيها السادة: إنكم توجعون لنا رؤؤسنا (وهي بالأساس تنوس تحت عبء ثقيل) بقضاياكم التي تخصصون لها من الوقت والجهد بما يكفي لحلحلة قضايا فكرية وثقافية في فضاءنا المعاصر، فماراكم أن نجمعكم في جب واحد (وانتم هناك لو تعلمون) جدرانه صالحة للكتابة ومياهه حبر خاص بالمناسبات البطولية ونسد عليكم فوهة الجب (وهو مغلق – بعد إذنكم-عليكم) لتتكهفوا زمنيا عساكم تخرجوا إلينا بنتائج أبحاثكم الخاصة، وكما أتصور قياسا للوضع الراهن أن أقلامكم ستتحول إلى هراوات (الكثير منكم يعرفها جيدا) وحيطان جبكم تتحول إلى مربعات وتقسيمات وفق عددكم، وربما لن تقبلوا أن تخرجوا لأنكم سوف تعتبرون سماءنا خيالا لا يتعدى كونها صورة عن سماء جبكم (ساحة التصادم).
أيها السادة الكتاب لأننا نجل الكثير منكم ونسد أمامه ثغر أقلامنا آثرنا أن نكتب وننبه إلى أنكم تلهون العقول حين تتطرقون إلى مسائل محسومة أساسا، وهل تدرون كم من القضايا الأساسية تنتظركم وترغب في الإفراج عن أسمائها من بين أوراقكم المتعبة بالأحاجي والحزازير السياسية بالنهاية، وهل تدرون كم متصفحا لأوراقكم الانترنيتية يبهدل ويبصق على واقعه مجددا الذي لا يسمح له بالقراءة لسواكم، ويتمنى أن تكونوا فرسانا لخيول برية لم تروض بعد، اعتقد أيها السادة بأنكم لستم سيئين (ولا تنتظرون شهادة حسن سلوك مني بطبيعة الحال) ولكن واقعكم أساء إليكم فانجررتم خلفه تمجدونه ودخلتم لعبته كتابيا وتعتقدون أنكم ترفضونه، تكرسونه وتتصورون أنكم تهشمونه، اعتقد بان القضايا التي لم تكتبوا عنها أجدر بانتباهكم وسيلان حبركم، وأرجو أن يسع فضاء الكر والفر كلكم أم ترى الواحد منكم زاغروسا وحده، ثم لماذا عودتم المتصفح الانترنيتي المسكين أن يتمعن جيدا في اسم الكاتب قبل القراءة، ألا يسيء إليكم هذا الأمر واحدا واحدا وألا يؤسس للرأي المسبق (الذي من الواجب اتخاذه) قبل الولوج في قراءة أي نص، فكل نص بيني وبينه حد معرفة الكاتب، فلا يمكن أن اقرأ نصا قبل أن احضر لكاتبه بعض الكلمات من قاموسي لأرد عليه مسبقا، فمن يكرس هذا أليس فكر الأسماء التي انقسم جلكم في أحقية ورودها صريحة أم وهمية، فكانت الندوة والمحاورة الفكرية والتهم السياسية وكانت الدائرة تلتهم الجميع كالمعتاد ، فاستهلكت صداقات ومعايير التخاطب المفترضة. فالبنهاية تتوصلون إلى نتائج هامة منها:

-لا تقرؤنا قبل أن تعرفوا عنا كل شيء.

-احضروا أقلامكم ضدنا قبل قراءتنا (ايقظواموقفكم المسبق منا).

إن الظرف الراهن يسمح لي بالقول بأننا لم نستقر بعد فكريا وثقافيا (بأغلبيتنا) على قراءة نصوص لكتاب بعينهم، حيث كنا ولفترات طويلة نسبيا نقرا لأقلام معروفين عالميين وبعض الأقلام المحلية، ولكن ومع تغير المناخات السياسية العامة بعد انهيارات تسعينيات القرن الماضي، لم نتوصل بعد إلى ما يمكن تسميته بإستراتيجية القراءة، لذلك فانا اعتقد بان ذلك يحتم علينا أن نتوجه إلى النص المتاح دون الإمعان المفرط في اسم الكاتب (مع أهمية ذلك في ظروف معينة) لان فكر الحياد تجاه النص المقروء لم يتبلور لدنا بعد، فالذي اختلف معه سياسيا مثلا فانا بالضرورة الواقعانية مختلف معه حتى في شكل الحقيقة، لذلك اكتبوا في القضايا الجوهرية وأشير إلى ضرورة تجنب إضاعة الوقت على الاسم أكثر من النص راهنا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…