خواطر رمضانية ( 13 ) الصبر والصيام

علاء الدين جنكو

يطلق على شهر رمضان عدة أسماء من بينها شهر الصبر ، لأن الإنسان يترك ما تعود عليه طيلة أيام السنة ، فهو بحاجة إلى ما يجعله بتحمل تلك المشقة الناتجة عن إمساكه عن الطعام والشراب .
والصوم مع الصبر بينهما معادلة عظيمة تعطي نتيجة نهائية أن الصوم ربع الإيمان ، وفي هذه المعادلة يقول الإمام الغزالي في إحيائه :  فإن الصوم ربع الإيمان  بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم  : ( الصوم نصف الصبر ) ، وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الصبر نصف الإيمان ) .
إذا فحكمة إلهية عظيمة تكمن في هذا الشهر وهي تعليم المسلمين على هذه الصفة المهمة في حياة الإنسان المسلم ألا وهي الصبر .
يقول تعالى: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) فما من قربة إلا وأجرها بحساب إلا الصبر ، ولأجل كون الصوم من الصبر ، وأنه نصف الصبر قال تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به )  فأضاف إلى نفسه الصوم من بين سائر العبادات ، فهذا سرعظيم من أسرار العلاقة بين الصبر والصوم
فما هو الصبر ؟ وما أنواعه ؟
ورد للصبر تعاريف ومعاني عدة : منها أن الصبر هو ثبات باعث الدين الذي في مقابله باعث الشهوة ، ومنها أن الصبر هو ثبات جند في مقابلة جند آخر قام القتال بينهما لتضاد مقتضياتهما ومطالبهما ، ومنها أن الصبر هو العمل بمقتضى اليقين .
وللصبر أنواع هي : الصبر على الطاعة ، و صبر عن المعصية ، وصبر على النوازل . والصوم كعبادة وطاعة يدخل في النوع الأول من أنواع الصبر ، وذلك يترك الأكل والشرب من الصباح إلى المساء ، بل الصبر الأعظم من ذلك أن يضيف إلى إمساكه عن الأكل والشرب إمساك جوارحه عن كل مالا يرضي الله ، بل الصبر سيكون أعظم من سابقيه إذا أضاف إلى ما سبق صوم قلبه عن الأفكار الدنيوية والتفرغ لما عند الله تعالى .
وفي شهر رمضان بإمكان المسلم أن يحقق جميع أنواع الصبر ، فإمساكه عن الطعام والشراب صبر على الطاعة وابتعاده في هذا الشهر عن المعاصي صبر عن المعصية ، وبسبب النوازل التي تحل بالمسلمين من الشرق والغرب ليس للمسلمين حيالها إلا الصبر ، وعلى المجاهدين الصبر في ميادين الجهاد ، والكل يحتسب الأجر على الله  . وقد وردت آيات كثيرة تحث على الصبر وترفع من شأن الصابرين منها :
1 – قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا )  السجدة (24)
2 – قوله تعالى : ( أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا )  القصص (54)
3 – قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر (10)
وكثير من الأحاديث والآثار تحث المسلم على الصبر منها : ( الصبر نصف الإيمان )
ويقول الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه : ( بني الإيمان على أربعة دعائم ، اليقين والصبر والجهاد والعدل ، وقال الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له ) .

فالصبر صفة في غاية الأهمية لابد للإنسان التحلي بها ، وهي من عناصر الرجولة الناضجة والشجاعة والبطولة ، لان متاعب الدنيا وحملها لا يطيقها الضعاف من الرجال والمهازيل من أنصاف الرجال !!  بل لابد لها من أولئك الرجال الذين كواهلهم صلبة ، نعم لابد للحياة من حتى تنهض برسالتها من رجال أشاوس صابرون . فحياة الأمم تحت وطئت الظلم والتعاسة لا يحررها إلا الأفذاذ من الرجال !! ولا أفذاذ إلا الذين يصبرون عند الشدائد !!
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( خير عيش أدركناه بالصبر ) ، وإذا تأملت أخي المسلم مراتب العلو في مطالب الدنيا رأيتها كلها منوطة بالصبر ، وإذا تأملت النقصان الذي يذم صاحبه ، رأيته كله من عدم الصبر ، فجميع الصفات الحميدة من الشجاعة والعفة والجود والإيثار تعبه وشقاؤه صبر ساعة !!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…