الفنان زهير حسيب يبهرنا بجديده

دروست

أفتتح معرض الفنان زهير حسيب في صالة السيد في يوم الاثنين الواقع في –  4  –  1 -2010 ويستمر لغاية – 30- 1- 2010
زهير حسيب غني عن التعريف , كل لوحة لزهير, تجذبك إلى عالمها اللوني الغني بالتعابير والرموز بالأخص في معرضه هذا الذي قدم فيه الكثير, القدرة و الأتقان والدراسة.

نوّط عمله بسيمفونيته الخاصة, وإيقاعاته اللونية التي تجذبك من الوهلة الأولى, وأنت تدخل الصالة تحس من خلال مشاهدتك للوحات بعزفه الجامع بين الحزن المتراكم في داخله, وبراءة الوجوه وخوفها من المجهول, الذي يخطف الأحباء بدون إنذار ويأخذهم إلى البعيد والفراق الأبدي, ولن يبق منهم غير رتوشات ذكراهم على وجه اللوحة, وهنا يحاول فناننا, أن يحمي ماتبقى من العائلة ويجمعهم من خلال ألوانه وخطوطه, وينتقل بهم من خلال أحاسيسه إلى شاطئ الأمان.
 دمج الواقعية بالرمزية, والرمزية بالتعبيرية, كي تكون سوراً لحمايتهم, واطمئناناً عليهم . 

يبدأ بعزفه الهادئ عبر لوحته الثلاثية, التي تشبه أيقونة قديمة, مؤطرة بوجوه تفوح منها البراءة والنقاء, تعيدك إلى التاريخ, في داخلها امرأة تقف بخشوع ٍ وصفاء,زيّها مذهّب بأشكال ٍ موزعة بإتقان, ليعطي بعداً قديماً لأيقونته بأسلوب حديث خاص به. ذراعاها مرفوعتان بخشوعٍ كأنها تطلب الاستقرار والاطمئنان, ووجهها مضيء بلمسات ٍ فنية لتعطي جمالاً ملائكياً مليئاً بالطهارة والإيمان كأنها مريم العذراء بملامح كردية .
في لوحته الأخرى, أشخاص تجمعهم الحميمية خوفا ًمن أن يفقدوا بعضهم ويفترقوا بدون عودة, و اللوحة الأخرى تظهر أشخاصاً,أحدهم يحمل صغيره الذي يرمز, إلى المستقبل ليربطهم بماضيهم, الذي اختفى فيه أكثر أحباءهم, وأصبحوا أشكالاً ورموزاً لدى فناننا.
ويتعمق فناننا أكثر في فلسفته, حينما يستخدما  اللون الأبيض والأسود المتناقضين أبدياً, صراع بين النور والظلام, بين الخير والشر, بين الاطمئنان والخوف,بين الاستقرار والقلق.
أغنيته واحدة ولكن مقاماته تتغير من لوحةٍ لأخرى, يوسم بعضها بالواقعية في قسمها العلوي, وبالرمزية في قسمها السفلي,ويدمجهما بالتعبيرية ليعبّر عن مكنوناته, و في بعضها يبدأ طوليا ًبالرمزية على جانبي اللوحة, يحركها بالواقعية في منتصفها, وفي بعضها تتداخل الرمزية والتعبيرية والواقعية في مساحة اللوحة بأكملها.
الزخرفة ,الطيور,الأسماك ,الأزهار والشخوص, كلها منسجمة ٌومتداخلة , بمعرفة وخبرةٍ وإتقانٍ عالٍ, ينطلق بها في عالمه الفني ,كي تستقر هذه الإشارات في أماكنها المناسبة, والمتناسقة مع اللون والخطوط, ليعزف لحنه الحزين الذي تسمعه بعينيك, وتنسجم به أحاسيسك.
ترى في بعضها وجوه نسوية جميلة شاردة,مليئة بالخوف والضياع, وفي بعضها
احتضانات حارة صادقة, يملأها الاحترام والحميمية.
 والأخرى وجه والده الذي حفر في ذاكرته ولا يستطيع وفاءه إلا بتذكره من خلال لمساته التي تحمل الهم والذكرى معاً ….
بعيدا ً عن اللون الأبيض والأسود,والتناقضات ومعانيها,وفلسفته المحمّلة بالحزن  والألم الداخلي نرى ألوانه بعيدة عن الخشونة و القساوة , في لمساته رقة وانسيابية تفوح منها رائحة البراءة و النقاء, تتناسب مع وجوه الأنوثة والطفولة. تعبيراته تأخذك إلى عالم ٍ, ينعم بالاستقرار والاطمئنان,و ينبذ قوانين الخوف والترهيب.
يريد العيش في أحلامه بعيدا ًعن الإزعاجات والتوترات,يسعى ليحافظ على عنقودية عائلته الصغيرة والكبيرة , يكره التفريط بهم , فهو يدرك جيداً,أنه لا قيمة للعائلة بدون فرد, ولا قيمة للفرد بدون عائلة.
وتلاحظ أنه مرتبط بذاكرته, التي تحتوي على كل صغيرة وكبيرة, من واقعه الكردي.
الوجوه والزخرفة والأزياء وخلفيات مدروسة بدقة, تعطي أجواء منطقته
وذكرياته فيها. رموز مختلفة, اشكالٌ من الطيور, يطير معها كي يهرب من الخوف والقلق .
أسماك تعيده إلى طفولته وهو في حضن من أفتقدهم ,عيون مليئة بالخوف, موزعة على اللوحة,كأنه يخشى من شيء مرتقب, نجوم وإشارات, أبنية باهتة الملامح
معلقة بتلافيف ذاكرته البعيدة المجروحة,أبواب ونوافذ, كأنه ينتظر من غابوا عنه.  
من بداية المعرض حتى نهايته تحس بقدسية المكان من خلال لوحاته. يخلق لديك أحاسيس مملوءةٌ بالشفافية والرقة . بإدراك ٍ أو بدون إدراك ترى نفسك مشاركا ً في الهم والمشاعر,وتمتلأ جعبتك بصورٍ تلتصق في ذاكرتك لا تنساها بسهولة.
فألف مبروك عليك معرضك يا فناننا زهير حسيب
17-1-2010
الفنان التشكيلي

دروست – دمشق

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…