ضريبةُ الزقّوم

د. آلان كيكاني

بعدَ عملياتِ جمعٍ وطرحٍ وجدنا , أنا وزوجتي , نحن الموظفان من الفئة الأولى لدى الدوائرِ الرسميةِ في الدولة , أن لدينا من راتبينا فائضاً , من بضعِ لويرات , يكفينا للترفيهِ عن نفسينا قليلاً . حملنا وحيدتنا والتي منّ الله بها علينا بعد زواجنا بعشرِ سنوات صرفنا فيها ما نملكُ بغيةَ الإنجاب ومشينا راجلين باتجاه الحديقة العامة , مررنا في الطريقِ بمطعمِ وابتعنا دجاجةً مشويةً ,  ثم بخمارةٍ طلبتُ من صاحبها أن يفرغَ لي بعضَ البيرةِ في قنينةِ كولا درءاً للفضيحة ,  في زاويةٍ هادئةٍ من الحديقةِ  فرشنا متاعنا وجلسنا نتبادلُ الحديثَ وقطعَ الدجاجِ اللذيذةِ نمررها بين فكينا بنهمٍ وشهوة , بينما راحت زهرتنا ذات البتلات الثلاث تلعبُ من حولنا مثلَ فراشةٍ تدورُ حولَ مصباحٍ .
 رشفتُ من البيرةِ وأشعلتُ سيكارةً مالبورو شاهقاً منها نفساً عميقاً وقبلَ أن أنفثَ دخانَها صرختْ صغيرتُنا صرخةً مدويةً جعلتْ كلينا نثبُ مذعورين , أسرعت باتجاهِها فوجدتُها مستلقيةً هامدةً بجانبِ عمودِ إنارةٍ في أسفله طاقةٌ مفتوحةٌ مليئةٌ بأسلاكٍ عاريةٍ تقدحُ ناراً حينَ تحتكُ ببعضِها , أسعفتُها جرياً على قدميّ إلى مستشفىً قريبٍ وتلحقني أمُها مولولةً , التمّتْ عليها المآزرُ البيضاء بارتباكٍ واضحٍ زادنا ذعراً , إلا أن الأطباء وبعد إجراء الفحوصِ طمأنونا بعدَ أن نهبونا نصفَ راتبينا.

 عدنا إلى البيت نلهثُ تعباً ورعباً وحزناً , نلعن الرفاهيةَ ونلومُ نفسينا على التفكير بها. أردتُ تلطيفَ الأجواءِ الكئيبة فقلتُ :
للرفاهيةِ ضريبتُها , يا حبيبتي , شاءُ اللهُ وما قدرَ فعلَ , والحمدُ للهِ البنتُ بخيرٍ , وهذا هو الأهمُ  , أليسَ كذلك ؟
إلا أنها ردتْ بانفعالٍ وقالت :
أكانَ من الضروري أن تشربَ ذلكَ الزقوم ليعاقبنا اللهُ بهذهِ الصورة ؟!!

الروبوت

للوهلةِ الأولى فرحتُ عندما رأيتُ حاويةَ القمامةِ ذاتَ الدواليبِ الثلاثةِ التي يستخدمُها عمالُ البلديةِ تسيرُ باتجاهي في الشارعِ ذاتياً دونَ أن يدفُعها أحدٌ , إذ خالَ لي أن بلديةَ مدينتنا أنتجتْ روبوتات لتنظيفِ الشوارعِ , إلا أنّ ظني خابَ عندما لمحتُ من تحتِ الحاويةِ قدميه الصغيرتين والتي برزت أصابعهما من خلال شقوقٍ وتمزقاتٍ في فردتي الحذاء البلاستيكي, ثم رويداً رويداً بانَ رأسُه كلما اقتربَ. بالكادِ أكملَ العشرةَ. أبطأتُ خطايَ إذْ وقفَ يتفرسُ في شعارٍ مكتوبٍ على حائطِ سورِ مدرسةٍ على الرصيفِ الآخر, سمعته يقول محاولا القراءة :
لااا حيييااااة فييي هاااذاااا البلد . ….
وهمّ بتهجئةِ الشطر الثاني إلا أني تدخلتُ قائلاً :

وصلت الفكرةُ يا ولدي , لا داعي للشطرِ الثاني .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…