نكباتُ ظلّ.. إلى نذير ملاّ

هوشنك أوسي

ليلٌ قاعس، وحمَّى المياه، تراكمُ خواءَ الألوان في خزائنِ الرِّيح.
في بهتانهِ، قلائدُ الأبد، هذا الآتي من أتونِ الحكايةِ الضَّروس.
في عنوانهِ، أضرحتي التي يشتهيها الأزلُ مراثياً لآلامه.
في قنوطهِ، ثيرانٌ هائجةٌ تحرثُ بقرونها سديم المشيئة.
في وثوبهِ، آلهةٌ راكدةٌ، تعلقُ ليلاً قاعساً.
هذا أنا، سأرتمي في حضتهِ، ارتماءةَ النَّارِ في الهشيم.

هو ذا، سينكبُّ عليَّ أنكبابَ اليقينِ على الشَّكّ.
ياااااا…. عابرَ الحنين…
أثخَنتكَ الغربةُ، تهيَّأ، إنَّي قاتِلُكَ توَّاً بسعير الحجر.
يا مخنَّثَ الصَّوتِ، أنينُكَ عواءُ الهزيمة وفاكهتها.
قِني من أترتبةِ طيشي بحنوِّكَ على الكلام.
عُدْ، واستلَّ نسغَ المَجازِ، استلالَ الغيمِ للبرق.
***
كليلاً، راخياً معابرهُ، يوصدُ وجههُ، ماضياً في هسيسِ الوقتِ الخسيسِ، كَمَنْ ينحرُ ظلَّهُ بظلِّ امرأةٍ بائر.
ينفجرُ فجوراً، هاطلاً من أعالي حزنه على أحزاني، كأيلٍ أدمى كبدَهُ نواحُ دغلِ امرأةٍ منكوبةٍ بهِ.
هو ذا طلوعهُ من بين أخاديدِ ليلٍ قاعس.
هو ذا، أفولهُ خلفَ ضريحي.
يغسلُ وحشتَهُ منِّي، ويدفنُ تعاويذَ أمِّهِ تحتَ داليةِ العنبِ في حوشِ الدَّارِ.
هو ذا، يعودُ لكتبهِ، باحثاً عنِّي.
ينضِّدُ الخريفَ نكباتٍ ورماحاً وأوشحةَ نساءٍ يابسات.
يضاهي غرائبهُ بغرائبي.
تستعيذُ منهُ الرِّيحُ آناءَ مرورها بليلٍ قاعس.
الموتُ دأبُهُ في استقصائهِ ظلالي.
وظلالي، مرابضُ الضَّواري ومتاحفُ النَّساء.
أنا قتيلي، وهو قاتلي، وثالثنا وطنٌ نادم، انهكتهُ خياناتنا.
***       
عواءٌ يعبرُ آلامنا.
يلطِّخها بوصماتِ الأقدار.
تنبشنا النُّبوءاتُ الخُدَّج، وتذرينا قبائحُنا، نحنُ الآتونَ من المرايا المهشَّمة.
مديدنا السُّكونُ الوحش. ومددنا ضرارةُ المعاني.
دلَّني عليكَ، يا سليلَ النَّدم، ونديمَ النَّكد.
دلَّني على حروبي، على جبالي، على أضرحتي التي يشتهيها الأزلُ مراثياً لآلامهِ.
دلَّني على خياناتي التي تكابدُ الوجود، وتحيّرُ الفناء.
أنا صبوةُ الفاجعة، وأنتَ متاريسها.
أنا صهوةُ الهاوية، وأنتَ حبيسها.
أنا عَناءُ الوجود، وأنتَ هبائه.
أنا هباءُ الخلود، وأنتَ عَناؤهُ.
***
يالَقتامةَ صوتِكَ أيُّها المبثوثُ عراءاً في العراء.
هِمْ ماضياً في بساتينِ النِّساءِ مضارعاً فساتينَهنّ.
زنْ همومَ العدمِ التي تنوءُ بها أسفاري، بمكاييلِ النَّحلِ والفراش، أنا قديدُ الضَّلالِ ومتاهةُ السَّماء.
أكيدي تخمينُ البوادي، وتخميني بوادي الأكيد.    
ادنُ من محتفي، واحتفِ بإرثي، إرثُ النَّحس والنَّكوص.
اترعها بوابلِ أغاني الزُّنوج، واشربْ كأسيَ الدَّائخ.
إنِّي قيصرُ الهزائم. غاربٌ في مأتمي، فتصبح على وردٍ وغزلان.

اسطنبول 8/10/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شكري شيخ نبي

 

يا ليل أما أضناك هرج السمار

وانت تشيح مرودك عن الإصباح

 

أما آن للياسمين المعرش على

لسان اللظى أن يغفو عن البواح

 

أنا وانت و قنديل البدر ساه

وهزار يشدو الشجى كأنه المزاح

 

صاح يا نديم الصفا والليالي

لا تحرم شفاه الأقداح من الراح

 

دع الكؤوس تدنو للأقدار بنا

فلا إنفكاك هرم ولا لجم السراح

 

أراني والراحلين في مطي…

خالد إبراهيم

نيسان: الممرُّ بين وجهين، بين صراخٍ وتوابيت

نيسانُ ليس شهرًا، بل شقٌّ في زمنٍ يُجيدُ الانهيارَ على مهل.

كأنّ اللهَ، وقد أرهقه التوازنُ، قرّر أن يُفلت الزمامَ في هذا الشهرِ وحده، فجعلني بابًا تُطرَقه الحياةُ برِضيعٍ يشبهني، وتدخلهُ الوفاةُ بأمٍّ كنتُ أُشبهها… ثم انكسرتُ.

نيسان…

أأنتَ بابُ الولادةِ أم نعشُها؟

أأنتَ طَرقٌ سماويٌّ على نافذةٍ كنتُ نائمًا فيها، أم…

علي شمدين

– 1 –

يعد صدور العدد الأول من جريدة (KURDISTAN )، الذي أصدره الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة في (22 نيسان 1898)، بمثابة البداية الحقيقية لإنطلاقة مسيرة الصحافة الكردية التي أخذت على عاتقها خلال أكثر من قرن من الزمن- وبإمكاناتها المتواضعة- مهمة إيقاظ الجماهير الكردية وتعريفها بقضيتها القومية والمساهمة الفعلية في بلورة وعيها القومي…

عن منشورات رامينا في لندن، صدرت حديثاً رواية “الباستيل الصغير” للكاتب الكردي السوري عبد القادر سعيد، في عمل سرديّ يمزج بين التخييل الروائي والتوثيق التاريخي، حيث يغوص في أعماق التجربة الكردية مع القمع، السجون، والخذلان الوطني، عبر بناء سردي محكم يذكّر بسجون الباستيل الفرنسية، لكن بلغة محلية تنبض بالألم السوري والكردي.

تتناول الرواية، الصادرة في طبعتها…