في الذكرى (21) لرحيل الفنان محمد شيخو.. أبا فلك لا تصدق أحداُ ….!!؟

أحمد حيدر
 
كان الفيلسوف ” براتراند سل ” يؤكد على العامل الذاتي، وأهميته، وضرورته، للتفاني والتضحية من أجل تحقيق مصالح الجماعة، ويقول عن هؤلاء الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن قضايا الأرض والإنسان والسلام والمرأة والحب :  كانوا رجالاً ذوي إيمان عقيدي عميق. يرون أنفسهم أنهم بمثابة خدم عُيّنوا من أجل إنجاز أهداف غير شخصية , وأنهم لم يهتموا بالمكافآت الناجمة عن الاستحواذ على القوة الشخصية, مثل المجد والرفاهية , إلاَّ بقدر ضئيل”

كان الفنان الراحل محمد شيخو نموذجاُ فريداُ للفن الراقي الهادف ، الذي تركَ بصمة كبيرة في تاريخ الغناء الكردي ، أحد أولئك المخلصين الذين ساهموا في تكوين الذاكرة الجماعية ، حيث صعد فناننا إلى القمة بفنهِ الملتزم الذي يلامسُ وجدان الجماهير، ليشكلَ مع مجموعة ٍمن المبدعين الذين عاصروه ُتراثا فنيا عريقا يزخرُ بالمشاعرِ الإنسانية ويجسدُ في طياته ِالقيم الكردية الأصيلة.
أدركَ الفنان الراحل بأن الفن رسالة أخلاقية ، ووسيلة للتعبير عن هموم وتطلعات الكردي في العيش بأمن وسلام  – مثل بقية عباد الله –  ولم يكن صوته المؤثر، والمعبر عن أوجاع شعبه  كافياُ للبقاء في قمة ِالإبداع ، ومحاولاتهِ للارتقاء بالغناء الكردي ورفع مستوى التذوق لدى المستمع ، بل أن إخلاصه لفنه وإصراره على تحقيق ما يصبو إليه ، إضافة إلى امتلاكه لأدواته الفنية ، وثقافته الموسيقية العالية ، ساعده كل ذلك على تجاوز العقبات التي اعترضتْ مسيرتهُ الفنية ، وبقي حريصاُ حتى آخر أيامهِ على إيصال رسالته السامية ، من خلال أدائه المتميز واللحن المتناغم  ودقة اختياره لقصائد كبار شعراء الكرد: جكرخوين – ملا نامى – تيريز- بى بهار- صبري بوطاني – عادل سيف الدين – فرهاد عجمو – محمد شريف برزنجي – عمر لعلي – بشير جاجان-  فيض الله الخزنوي – بدرخان سندي – محمد علي شاكر …..
في الذكرى الحادية والعشرين لرحيل الفنان محمد شيخو، ألا يتطلب منا الاعتراف بالتقصير تجاه قامة غنائية عالية ومواجهة الذات ؟؟ وأن نسعى إلى ترسيخ ثقافة تكريم المبدعين وهم أحياء بدلاُ من برقيات الرثاء ، ودموع التماسيح ، واستثمار ذكرى رحيله في كل عام للمصالح الضيقة من قبل بعضهم؟؟
ماذا قدمنا للفنان الراحل في حياته، وهو الذي قدمَ حياتهُ من أجل قضية شعبه ؟
فلقد رحل محمد شيخو دونَ أن يسمع كلمة ثناء من أحد – إلا القليل منها – ولا التشجيع من الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية ، و تجاهلته الأحزاب الكردية ، في الوقت الذي كان الواجب الأخلاقي والقومي يفرضُ عليهم الاحتفاء به، وتقديم الدعم المادي والمعنوي له لتأمين حياة كريمة له ولعائلته ، تعينه ُعلى تحصين رسالته الحضارية وتحفزه على متابعة مسيرته الإبداعية ، وتحقيق طموحاته التي لاتحدُّ منها : إنشاء فرقة للأطفال ، وفرقة موسيقية من جميع الآلات ..
ولا يخفى على أحد الظروف المادية الصعبة التي مرَّ بها الراحل بعد عودته من إيران إلى مدينة  قامشلي 1981 ، إذ كان يسكن في غرفة صغيرة مع عائلته ،كما فُرض عليه الحصار من قبل الجميع وصلت إلى درجة منع الخبز عن أطفاله ، وتعرض َللملاحقة واعتقل أكثرمن مرة ، و منع من الغناء في الأعراس (تصوروا هذه المأساة ، أن تغنى “آزادا شيرين ” للشاعرعادل سيف الدين في الأعراس) وتعقدُ حلقات الدبكة على أنغام رائعته “نسرين” :
عندما رأيتك نسرين والعينان السوداوان تبكيان
هاتان العينان تقولان لي :
مرّةً أخرى لن تراني
قلبي وروحي أصبحا دماً.
كما أغلق محله الصغير (تسجيلات فلك) مصدر رزقه الوحيد بالشمع الأحمر لمدة خمس سنوات ، ولم تتبن أية جهة توزيع (ألبوماته الغنائية التي كان يقوم بتسجيلها على نفقته الخاصة)  وبالمقابل كانت تُصرف مبالغ هائلة في الحفلات الحزبية والسهرات الخاصة ؟؟
هل كان الراحل ضحية التناحر الحزبي ، والحروب الوهمية ، وتصفية الحسابات ؟
هل دفع الراحل ضريبة مواقفه (اللاحزبوية) وانحيازهِ للقضايا العامة  ؟ 
كيف يمكن أن نتصور حياته المضطربة لو اختارَ الراحل الإقامة في أية عاصمة أوروبية :
فيينا ، استوكهولم ، بون ، لندن ، ولم يرجع إلى مدينة قامشلي ؟؟
يحضرني هنا موقفه ُمن الإغراءات التي قدمت له في إيران قبل َعودته– كما روتهُ السيدة أم فلك –  حين طلبوا منه أن يعمل في إذاعة طهران ، ويسجل جميعَ أغانيه، ويحصل على سيارة وفيلا  في “شاه ميران” مقابل أن يستبدل كلمة كردستان بكلمة كلستان ، فكان رده :” من أجل هذه الكلمة أنا هنا في المنفى فكيف لي أن أستبدلها “
ماذا قدمنا للفنان الراحل أثناء َفترة مرضه ، والذي توفي في المشفى الوطني القديم ، كما لو أن المدينة كانت خالية آنذاك من المشافي الخاصة ؟؟
أخيراُ ، ماذا قدمنا للفنان ولعائلته – بعدَ رحيله – 
” وأن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبداُ “…!!!؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مروان شيخي

المقدّمةُ:

في المشهدِ الشِّعريِّ الكُرديِّ المعاصرِ، يبرزُ الشاعرُ فرهادُ دِريعي بوصفِه صوتاً خاصّاً يتكلّمُ من عمقِ التجربةِ الإنسانيّةِ، لا بوصفِه شاهداً على الألمِ فحسبُ، بل فاعلاً في تحويلِه إلى جمالٍ لغويٍّ يتجاوزُ حدودَ المكانِ والهويّةِ.

ديوانُه «مؤامرةُ الحِبْرِ» ليسَ مجرّدَ مجموعةِ نصوصٍ، بل هو مساحةٌ روحيّةٌ وفكريّةٌ تشتبكُ…

غريب ملا زلال

سرمد يوسف قادر، أو سرمد الرسام كما هو معروف، عاش وترعرع في بيت فني، في دهوك، في كردستان العراق، فهو إبن الفنان الدهوكي المعروف يوسف زنكنة، فكان لا بد أن تكون حياته ممتلئة وزاخرة بتجربة والده، وأن يكتسب منها بعضاً من أهم الدروس التي أضاءت طريقه نحو الحياة التي يقتنص منها بعضاً من…

أحمد مرعان

في المساءِ تستطردُ الأفكارُ حين يهدأ ضجيجُ المدينة قليلًا، تتسللُ إلى الروحِ هواجسُ ثقيلة، ترمي بظلالِها في عتمةِ الليلِ وسكونِه، أفتحُ النافذة، أستنشقُ شيئًا من صفاءِ الأوكسجين مع هدوءِ حركةِ السيرِ قليلًا، فلا أرى في الأفقِ سوى أضواءٍ متعبةٍ مثلي، تلمعُ وكأنها تستنجد. أُغلقُ النافذةَ بتردد، أتابعُ على الشاشةِ البرامجَ علّني أقتلُ…

رضوان شيخو

 

ألا يا صاحِ لو تدري

بنار الشوق في صدري؟

تركتُ جُلَّ أحبابي

وحدَّ الشوق من صبري.

ونحن هكذا عشنا

ونختمها ب ( لا أدري).

وكنَّا (دمية) الدُّنيا

من المهد إلى القبر..

ونسعى نحو خابية

تجود بمشرب عكر..

أُخِذنا من نواصينا

وجرُّونا إلى الوكر..

نحيد عن مبادئنا

ونحيي ليلة القدر

ونبقى…