نخاطب الأموات أم نذكّر الأحياء..؟!

محمد قاسم
m.qibnjezire@hotmail.com

جرت العادة في الناس أن يحتفلوا بذكرى مرور أربعين يوما على وفاة احدهم، خاصة إذا كان ذا حضور في حياته؛ ثقافيا، اجتماعيا، سياسيا..الخ. وهذه عادة جميلة. لكن ألا يفترض بنا أن نتساءل:
من الذي بدأ الطقس؟
 وما الغاية منها ؟
 سواء من الناحية المعرفية تاريخيا، أم من ناحية التأثير في الحاضر..!

هل نحتفل بذكرى أربعينية الشخص، لكي ينال الميت ثوابا، او تعلو مرتبته في الآخرة..؟
لاسيما وانه لم يعد بيننا، ولا يزيده احتفالنا شيئا في الحياة ..سوى –اللهم- معرفة مواصفات حياته التي انتهت.. و آثاره- وهي المهمة بالنسبة لنا وله- لأن الرؤية هنا، تختلف من شخص لآخر.
 فهناك من يعتقد بالآخرة، وجدوى هذه الآثار، والشهادات الطيبة في حق الميت، “أنتم شهداء الله في الأرض” الحديث. فذلك يزيد  في ميزان حسناته، لكي يلقى ما يستحق من جزاء ومثوبة عند ربه.. وهناك من لا يعتقد بهذا الأمر، ويعتبر أن الحياة انتهت بمجرد الموت (العشب اصفرّ ويبس وأصبح هشيما تذروه الرياح.. ينتظر دورة جديدة عندما تهطل الأمطار.. بحسب اعتقاد البعض.
فما فعله حيا فعله، ولا نفع لما بعد الموت.
لذا فإن هؤلاء عندما يشاركون في مثل هذه الحفلات، إنما يشاركون من اجل آثاره التي تعتبر نوعا من تجليات خلوده عندهم، ولذلك انعكاسات على الأحياء المتأثرين به. وان كان المؤمنون أيضا يشاركونهم في فكرة أن الأعمال تخلد -حيا وميتا- مادامت أعمالا مستمرة في وجودها عبر آثارها النافعة..ومنها مثلا الكتب، والأفكار المدونة في أي صيغة كانت؛ شعرا نثرا فنا..الخ.!
إذا، اختلافنا حول مصير الإنسان بعد الموت لا يبقينا مختلفين حول خلود الإنسان معنويا -كاسم وذكر- عبر آثاره ونتائج أعماله عموما.يقول المثل لكردي:
ويأتي الأمر الآخر وربما المهم او الأهم، هذا الأمر هو أن الاحتفال يكرم ذوي الميت منذ  زوجه وأبنائه ووالديه –إذا كانا لا يزالان أحياء، ومرورا بأصدقائه وأقربائه وكل المهتمين لشانه..
وفضلا عن ذلك، فإن الاحتفال مناسبة لاجتماع عدد من الذين ينشطون في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية .. كل بحسب اهتمامه .. ولعل محاولة تحليل سبب الاحتفال بالأربعينية يفيدنا لتوضيح ذلك، ويحرض الحاضرين والقراء على تحري الحقيقة في هذا التحليل.. فالتحليل إذا هو: تحليل نظري من تكوينات استنتاجيه وبعض خبرة، ولم أعتمد فيها على مصادر حاضرة في الذهن، وإنما هو نتيجة  ما استقر في الذاكرة، وتفاعلت معه  قوة الاستدلال في الذهن فكان ما كان وهو:
كأنني قرأت في مكان ما، آن هناك عقيدة غير إسلامية -ربما مسيحية- تعتبر أن روح الميت تنطلق –او تتحرر- بعد أربعين يوما، فيكون الاحتفال –إذا بهذه الانطلاقة نحو الخلود والنعيم.. بشكل ما.
ويبدو أن المناسبة تحولت –مع الزمن الى تزاوج بين الأساس العَقدي والظاهرة الاجتماعية، ثم استثمرت لمناسبات سياسية وتعممت أخيرا كتقليد في مختلف الحالات… ومنها الحالات الثقافية أيضا.
الأربعينية –إذا- مناسبة تجمع بين عدة غايات -او تمثل عدة غايات-.. وأهمها – في تقديري- حشد كل القيم المميزة للشخصية المحتفل بها، واستثمار الحفل لحشد قيم مرغوب فيها ، لعلها ترن في آذان الناس ؛بطريقة مهذبة طبعا.. ليس فيها اتهام احد، او شتيمة لأحد.. فلغة التأبين يفترض بها أن تكون لغة مسؤولة، وذات غاية نبيلة..
ولقد علمت أن  حفل تأبين يقام للمثقف الكردي الذي أقدره واحترمه وربطتني به علاقة طيبة في حياته. وذلك في مواطن مختلفة، حيث يسكن المثقفون والمهتمون بالثقافة عموما ، وخاصة أولئك الذين جمع بينهم وبينه علاقة ما؛  قرابة او صداقة او إعجاب، او تقدير..الخ.
وجدت أن تكون هذه المقالة القصيرة في هذه المناسبة، تعبيرا عن التقدير لذكراه.. ومشاركة للجميع في الحفل بأربعينيته.
يبقى المرحوم رزو مثقفا له بصماته في تنشيط اللغة الكردية والثقافة في العموم .. فقد كان يشارك في أكثر من مطبوع فضلا عن كتب.
رحمه الله.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…