محمد قاسم “ابن الجزيرة”
m.qibnjezire@hotmail.com
بداية دعونا نتذكر جميعا أن الصحافة منشؤه الغرب – للأمانة واعترافا بحقهم في السبق في ابتكار هذه الوسيلة للتعبير والإخبار ورصد حركة المجتمع في كل مستوياتها…. ونتذكر أنها ازدهرت في رحابهم أيما ازدهار لأمرين على الأقل:
m.qibnjezire@hotmail.com
بداية دعونا نتذكر جميعا أن الصحافة منشؤه الغرب – للأمانة واعترافا بحقهم في السبق في ابتكار هذه الوسيلة للتعبير والإخبار ورصد حركة المجتمع في كل مستوياتها…. ونتذكر أنها ازدهرت في رحابهم أيما ازدهار لأمرين على الأقل:
الأول : أنها اقترنت بممارسة الحرية في أوسع مدى لها، واستقلت عن المؤثرات الرسمية المباشرة…فانتفت –لذلك- ذهنية وسيكولوجية (ثقافة) الوصاية، وتكرس الاعتراف التلقائي والمستمر للآخرين بحق الوجود المختلف، وممارسة القناعة المختلفة في إطار القوانين التي هي أيضا ناتج تداول وتفاعل مجتمعي أنتجها. (بناء شخصية صحيحة النمو والتكامل بروح متشربة بالديمقراطية).
الثاني : أنها نمت في ظل تنافس –وربما صراع في بعض الحالات- أتاح لها الازدهار الذي حصل..وطبعا لا بد من تذكر أنها نالت حقها من الدعم الاقتصادي من قبل الحكومات بموجب قوانين خاصة لهذا الغرض؛ تدعم الصحافة دون المسؤولية عن تبعاتها. فتحولت بذلك الى “سلطة رابعة” حقا، وكما سميت.إذ أنها سلطة المراقبة والكشف عن الممارسات الخافية؛ لمن تجاوز القانون من داخل السلطات او غيرهم. وهي رقيب محتمل دائما، يردع محاولات التجاوز ..
وان دخولها الى البلاد العربية كان بعد دخول المطبعة التي جلبها نابوليون بونابرت الفرنسي، معه الى مصر نهاية القرن الثامن عشر،فكانت أولى الجرائد جريدة “الوقائع” في القاهرة على يد محمد علي باشا-وهو غير عربي بالمناسبة.. وكاد أن ينتقل بمصر الى موقع متقدم لولا الخشية الغربية من طموحاته.ووقوفهم ضدها. ولا يزال العروبيون يتهمون هذا الحاكم “الغريب” وأولاده ، فهل حقق لهم القريبون-العروبيون- ما لم يحققه لهم “الغرباء”؟!.
أم أنها سيكولوجية الرفض التي أصبحت ثقافة حائرة؟.
ولأن البدرخانيين –أمراء منطقة بوتان وعاصمتهم (جزيرة بوتان) المعروفة في اللغة العربية : جزيرة ابن عمر. وإن ظاهرة تعريب الأمكنة والأسماء والثقافة عموما وانتحالها؛ دخلت الثقافة العربية منذ صدر الإسلام – ربما بشعور ديني لا قومي- لكنها تكرست -فيما بعد- شعورا قوميا بعد انحسار الروح الإسلامية في نسيج هذه الثقافة ، ومنذ هيمن العروبيون-المتعصبون العرب- على التفكير والثقافة العربية، وكانت البدايات في العصر الأموي بطريقة ما، ثم تسللت الى ثقافة العباسيين فكانت النتيجة؛ مأساة –او نكبة البرامكة كما ورد في كتب التاريخ- ولا يزال يذكرها العروبيون في أدبياتهم؛ مترافقة مع زغرودة فرح لهذه النكبة التي دللت على لحظة انتصر فيها النزوع العروبي على يد تيار قاده –حينها الوزير العروبي الذي ظل يتحين الفرص لبلوغ مأربه الحاسد، وربما الحاقد.وأظن ان اسمه -الفضل بن الربيع.
وهذا لا يعني أن الطرف الآخر –البرامكة- لم يكونوا من ذوي الطموح السياسي بشكل او بآخر. فللسياسة دوما أطماعها..الم يقتل المأمون بن الرشيد أخاه الأمين مثلا، بعد حرب قتل فيها من الأبرياء الكثير من اجل كرسي الحكم؟!
وفي القريب ألم يقتل الرئيس الراحل صدام حسين رفاق الأمس من البعثيين بلا محاكمة ..؟!
ووفي تاريخ الانقلابات المستمرة التي تنتهي الى نمط مستبد في البلدان العربية دائما، مصر ، سوريا، اليمن، ليبيا، السودان..الخ.مع بعض تفاوت في ثقافة الحرية والديمقراطية..!
مذ ذاك جرّت المنطقة الى صراع بين تيارين، عروبي يجهد أن يعرب الثقافة والمظاهر الإسلامية بروح العصبية،و تيار فارسي-بالدرجة الأولى- يجهد لمقاومة هذا النزوع ،بل واستعادة ما كانت عليه الثقافة الفارسية من قوة فاعلة في الحياة الإسلامية،وربما كان هناك من يحن الى ما قبل الإسلام والعظمة الكسروية أيضا. وتيار ثالث بين بين..قَدَم مع الروح الإسلامية التي تشربوها، وقَدَم مع النزوع الى التحرر من تعريب الإسلام بطريقة مختلفة مع الإسلام نفسه؛ وبدلالة الآية “البيّنة” التي لا لبس في تأويلها،وليست متشابهة:
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم”.
من مأساة الإسلام الدينية انه أصبح مادة صراع سياسي منذ “قميص عثمان” ويستغل الدين لتعزيز مواقع المتصارعين على الأرض. فغلّب هؤلاء، الشعارات،وابتكروا الأساليب والوسائل المختلفة من اجل ذلك.ونمت النزعات القبلية ، فالطائفية، فالقومية المبالغ فيها، ونما العنف في الصراعات؛ انعكس ذلك على تغليب القوة الحربية وما فيها من قتل، وتشريد، وإجراءات حظر على الحريات،واتهامات مختلفة منها مثلا: الخروج عن الدين بأسماء مختلف- زندقة- كفر- فسق..الخ-، فكان قمع المعارضين والأحرار من المفكرين والفلاسفة حتى درجة القتل..الخ.
تماما كما يحصل اليوم في الثقافة العروبية المتعصبة، وتستثمرها الأنظمة الحاكمة ضد المختلفين معها، والمعارضين لسلطاتها.. وتبتكر مختلف الوسائل للتأثير على سمعتها وحقيقة مشاريعها سلبا لدى الجماهير -بلغة الأيديولوجيا- وقد انعكس ذلك تخلفا لا يزال مستمرا..والحيرة تلف الذين يريدون معالجة لها.
في ظل مثل هذه الظروف –مضافا إليها – ظروف النمو القومي المتشدد عربيا، وتركيا، وفارسيا …بدأت الظاهرة القومية الكوردية تطل برأسها أيضا متأثرة بما حولها؛ دون وجود ظروف ناضجة، وكافية؛ فأصبحت ضحية الاتفاقات الدولية بين القوى الاستعمارية وأهمها: انكلنرة وفرنسة،وكانت اتفاقية سايكس بيكو التي مزقت بلاد الكورد بين عدد من الدول،ربما خشية من ذكرى موقعة حطين، عندما قادها صلاح الدين الأيوبي دفاعا عن الإسلام ومنه، العرب والترك والفرس… وغيرهم. بلا شعور قومي خاص؛ إلا في الحدود الطبيعية التي خلقها الله فيها.
ولعل قول القائد غوروا الفرنسي عند قبر صلاح الدين.. “ها قد عدنا يا صلاح الدين ” مؤشر على ذلك بوضوح.
ففي مطلع القرن العشرين بعد دخول فرنسا الى سوريا ، واثر معركة شهيرة في موقع “ميسلون” قادها الكردي يوسف العظمة-وزير الحربية حينذاك؛ وهو يعرف أنها محسومة للفرنسيين، لكنه أبى الاستسلام،واليوم كيف يعامل أحفاده وصلاح الدين وإبراهيم هنانو وسليمان الحلبي ..؟!
نتيجة لما كان، قام البدرخانيون -أمراء منطقة بوتان- بمحاولات هي من الطلائع التي حاولت العمل بدوافع قومية؛ لم تكن متبلورة ثقافيا تماما في أذهان الجماهير الكوردية..وأحرزت نجاحات لوقت ما، وسكّت النقود باسم الأمير بدرخان، وأنشأت أبجدية كردية على الحروف اللاتينية،لكن هزيمتهم أمام الجيش التركي -الذي كان لا يزال باسم العثمانيين- و الذي كان للطورانيين أصابع في تحريكه بشكل او بآخر.
فتشتت البدرخانيون منفيين وهاربين..الى بلدان مختلفة منها: سوريا ومصر وأوروبا.. وكان الأمير قاسم مدحت بدرخان في مصر فأسس الصحيفة الكوردية الأولى عام 1898 تحت اسم كردستان باللغة الكوردية والحروف العربية. وكانت هذه البداية، ثم استمرت في الصدور في أكثر من عاصمة أوروبية كان يتنقل إليها الأمير، يعاونه في ذلك بعض أهله.. ولكنها انقطعت بعد إصدار عشرات منها.
ويستذكر الكورد هذه الخطوة -المتقدمة حينها- في الثاني والعشرين من نيسان في كل عام، ليحتفلوا بها دون أن يمتلكوا صحافة –في سوريا على الأقل.فهي ليست سوى نشرات حزبية شهرية من صفحات قليلة لا تصلح لشيء سوى توثيق بعض الأحداث. وقد تسخر الذكرى لنشاط يصرف له سياسيا.
فهل نظل نسرد حكاية جريدة كردستان والأمير مقداد مدحت بدرخان ؟ أم يفترض بنا أن نجعل ذكراها مناسبة للبحث في الصحافة الكردية حاضرا على مستوى كردستان جميعا، بل وفي الخارج أيضا ،وعلى مستوى محلي بالنسبة للكورد في كل دولة هم فيها..؟!
هل نوكل البحث في الصحافة الى مختصين يتابعون معنى الصحافة وجودا ودورا وتطورا واستشرافا للمستقبل..؟ أم نظل نتبع التقاليد المملة في الإسراع الى كتابة مقال مكرر يدرج في ملف-وهذه عادة جديدة في المواقع الانترنيتية – على أهميتها – تصبح تقليدية لا تحتوي على روح إبداعية. غالبا.؟
لم لا يدور ببال احد أن يقوم بدراسة عن الصحافة الكردية في مختلف تجلياتها الثقافية والسياسية والفنية والاجتماعية.. وقد سبق أن فعل شيئا جميلا في هذا الميدان، السيد صالح جانكو مشكورا، ونشرها في احد أعداد مجلة الحوار.
لم لا يفكر بعض الصحافيين –المختصين بالصحافة – بدراسة نقدية لطبيعة النشرات الكوردية السياسية او الثقافية؟بل لم لا يسعى الذين يملكون موهبة وخبرة في الصحافة ليتدارسوا أمر صحافة قادرة على تحمل المسؤولية التاريخية لقضايا الناس وهمومهم في كل مناحي الحياة.وخاصة الكورد الأكثر حاجة الى مثل ذلك، بدلا من روح الاستعراض التي تسم اغلب المحاولات .للأسف.
وربما كان للتخصص الصحافي تأثير مفيد في تقدم الصحافة وزيادة نفعها وفقا للاهتمامات والحاجات عموما.
وفيما يتعلق بالخطاب الكوردي في المواقع الإلكترونية والمنتديات والصحافة الورقية والفضائيات والحوارات…الخ.هل يرتقي الى مستوى ديمقراطي علمي؛ يحقق التأثير الإيجابي على الآخرين المختلفين، كوردا، واثنيات مختلفة ؟ أم انه خطاب انفعالي تفريغي-إذا جاز التعبير- وربما غوغائي أحيانا؟ صحيح أن الهجمة على الكورد شرسة؛ خاصة من المتطرفين في القوميات التي تحكم الكورد تركا وعروبيين وفرسا..لكن هذا يقتضي حنكة أكبر، بل وخلقا أرحب.. للتفاعل ايجابيا!.
وهل نحن نتوجه للآخرين لكي يتعرفوا على حقيقتنا ومآسينا ويتعاطفوا مع قضيتنا التي نراها عادلة حقا،أم ندور حول أنفسنا نبث الأنين لبعضنا بعضا، دون أن يسمعه احد غير الكورد غالبا؟
هل هناك تنسيق يناسب حالة القضية؟ أم أننا نتخذ من الصحافة وسيلة شهرة بلا رصيد؟
هل النهج الكوردي صحافيا في الاتجاه الصحيح..؟!
مع ذلك فإن كل ما سبق لا يعني تجاهل أن المجهودات مهما كانت ضعيفة فهي يمكن أن تكون بذورا لما هو أفضل دائما.
…………..
ملاحظة1: لفظة “عروبي او عروبيون” يقصد منها التيار المتعصب في العروبة، ولا تعني العرب كأمة في شيء.
وان دخولها الى البلاد العربية كان بعد دخول المطبعة التي جلبها نابوليون بونابرت الفرنسي، معه الى مصر نهاية القرن الثامن عشر،فكانت أولى الجرائد جريدة “الوقائع” في القاهرة على يد محمد علي باشا-وهو غير عربي بالمناسبة.. وكاد أن ينتقل بمصر الى موقع متقدم لولا الخشية الغربية من طموحاته.ووقوفهم ضدها. ولا يزال العروبيون يتهمون هذا الحاكم “الغريب” وأولاده ، فهل حقق لهم القريبون-العروبيون- ما لم يحققه لهم “الغرباء”؟!.
أم أنها سيكولوجية الرفض التي أصبحت ثقافة حائرة؟.
ولأن البدرخانيين –أمراء منطقة بوتان وعاصمتهم (جزيرة بوتان) المعروفة في اللغة العربية : جزيرة ابن عمر. وإن ظاهرة تعريب الأمكنة والأسماء والثقافة عموما وانتحالها؛ دخلت الثقافة العربية منذ صدر الإسلام – ربما بشعور ديني لا قومي- لكنها تكرست -فيما بعد- شعورا قوميا بعد انحسار الروح الإسلامية في نسيج هذه الثقافة ، ومنذ هيمن العروبيون-المتعصبون العرب- على التفكير والثقافة العربية، وكانت البدايات في العصر الأموي بطريقة ما، ثم تسللت الى ثقافة العباسيين فكانت النتيجة؛ مأساة –او نكبة البرامكة كما ورد في كتب التاريخ- ولا يزال يذكرها العروبيون في أدبياتهم؛ مترافقة مع زغرودة فرح لهذه النكبة التي دللت على لحظة انتصر فيها النزوع العروبي على يد تيار قاده –حينها الوزير العروبي الذي ظل يتحين الفرص لبلوغ مأربه الحاسد، وربما الحاقد.وأظن ان اسمه -الفضل بن الربيع.
وهذا لا يعني أن الطرف الآخر –البرامكة- لم يكونوا من ذوي الطموح السياسي بشكل او بآخر. فللسياسة دوما أطماعها..الم يقتل المأمون بن الرشيد أخاه الأمين مثلا، بعد حرب قتل فيها من الأبرياء الكثير من اجل كرسي الحكم؟!
وفي القريب ألم يقتل الرئيس الراحل صدام حسين رفاق الأمس من البعثيين بلا محاكمة ..؟!
ووفي تاريخ الانقلابات المستمرة التي تنتهي الى نمط مستبد في البلدان العربية دائما، مصر ، سوريا، اليمن، ليبيا، السودان..الخ.مع بعض تفاوت في ثقافة الحرية والديمقراطية..!
مذ ذاك جرّت المنطقة الى صراع بين تيارين، عروبي يجهد أن يعرب الثقافة والمظاهر الإسلامية بروح العصبية،و تيار فارسي-بالدرجة الأولى- يجهد لمقاومة هذا النزوع ،بل واستعادة ما كانت عليه الثقافة الفارسية من قوة فاعلة في الحياة الإسلامية،وربما كان هناك من يحن الى ما قبل الإسلام والعظمة الكسروية أيضا. وتيار ثالث بين بين..قَدَم مع الروح الإسلامية التي تشربوها، وقَدَم مع النزوع الى التحرر من تعريب الإسلام بطريقة مختلفة مع الإسلام نفسه؛ وبدلالة الآية “البيّنة” التي لا لبس في تأويلها،وليست متشابهة:
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم”.
من مأساة الإسلام الدينية انه أصبح مادة صراع سياسي منذ “قميص عثمان” ويستغل الدين لتعزيز مواقع المتصارعين على الأرض. فغلّب هؤلاء، الشعارات،وابتكروا الأساليب والوسائل المختلفة من اجل ذلك.ونمت النزعات القبلية ، فالطائفية، فالقومية المبالغ فيها، ونما العنف في الصراعات؛ انعكس ذلك على تغليب القوة الحربية وما فيها من قتل، وتشريد، وإجراءات حظر على الحريات،واتهامات مختلفة منها مثلا: الخروج عن الدين بأسماء مختلف- زندقة- كفر- فسق..الخ-، فكان قمع المعارضين والأحرار من المفكرين والفلاسفة حتى درجة القتل..الخ.
تماما كما يحصل اليوم في الثقافة العروبية المتعصبة، وتستثمرها الأنظمة الحاكمة ضد المختلفين معها، والمعارضين لسلطاتها.. وتبتكر مختلف الوسائل للتأثير على سمعتها وحقيقة مشاريعها سلبا لدى الجماهير -بلغة الأيديولوجيا- وقد انعكس ذلك تخلفا لا يزال مستمرا..والحيرة تلف الذين يريدون معالجة لها.
في ظل مثل هذه الظروف –مضافا إليها – ظروف النمو القومي المتشدد عربيا، وتركيا، وفارسيا …بدأت الظاهرة القومية الكوردية تطل برأسها أيضا متأثرة بما حولها؛ دون وجود ظروف ناضجة، وكافية؛ فأصبحت ضحية الاتفاقات الدولية بين القوى الاستعمارية وأهمها: انكلنرة وفرنسة،وكانت اتفاقية سايكس بيكو التي مزقت بلاد الكورد بين عدد من الدول،ربما خشية من ذكرى موقعة حطين، عندما قادها صلاح الدين الأيوبي دفاعا عن الإسلام ومنه، العرب والترك والفرس… وغيرهم. بلا شعور قومي خاص؛ إلا في الحدود الطبيعية التي خلقها الله فيها.
ولعل قول القائد غوروا الفرنسي عند قبر صلاح الدين.. “ها قد عدنا يا صلاح الدين ” مؤشر على ذلك بوضوح.
ففي مطلع القرن العشرين بعد دخول فرنسا الى سوريا ، واثر معركة شهيرة في موقع “ميسلون” قادها الكردي يوسف العظمة-وزير الحربية حينذاك؛ وهو يعرف أنها محسومة للفرنسيين، لكنه أبى الاستسلام،واليوم كيف يعامل أحفاده وصلاح الدين وإبراهيم هنانو وسليمان الحلبي ..؟!
نتيجة لما كان، قام البدرخانيون -أمراء منطقة بوتان- بمحاولات هي من الطلائع التي حاولت العمل بدوافع قومية؛ لم تكن متبلورة ثقافيا تماما في أذهان الجماهير الكوردية..وأحرزت نجاحات لوقت ما، وسكّت النقود باسم الأمير بدرخان، وأنشأت أبجدية كردية على الحروف اللاتينية،لكن هزيمتهم أمام الجيش التركي -الذي كان لا يزال باسم العثمانيين- و الذي كان للطورانيين أصابع في تحريكه بشكل او بآخر.
فتشتت البدرخانيون منفيين وهاربين..الى بلدان مختلفة منها: سوريا ومصر وأوروبا.. وكان الأمير قاسم مدحت بدرخان في مصر فأسس الصحيفة الكوردية الأولى عام 1898 تحت اسم كردستان باللغة الكوردية والحروف العربية. وكانت هذه البداية، ثم استمرت في الصدور في أكثر من عاصمة أوروبية كان يتنقل إليها الأمير، يعاونه في ذلك بعض أهله.. ولكنها انقطعت بعد إصدار عشرات منها.
ويستذكر الكورد هذه الخطوة -المتقدمة حينها- في الثاني والعشرين من نيسان في كل عام، ليحتفلوا بها دون أن يمتلكوا صحافة –في سوريا على الأقل.فهي ليست سوى نشرات حزبية شهرية من صفحات قليلة لا تصلح لشيء سوى توثيق بعض الأحداث. وقد تسخر الذكرى لنشاط يصرف له سياسيا.
فهل نظل نسرد حكاية جريدة كردستان والأمير مقداد مدحت بدرخان ؟ أم يفترض بنا أن نجعل ذكراها مناسبة للبحث في الصحافة الكردية حاضرا على مستوى كردستان جميعا، بل وفي الخارج أيضا ،وعلى مستوى محلي بالنسبة للكورد في كل دولة هم فيها..؟!
هل نوكل البحث في الصحافة الى مختصين يتابعون معنى الصحافة وجودا ودورا وتطورا واستشرافا للمستقبل..؟ أم نظل نتبع التقاليد المملة في الإسراع الى كتابة مقال مكرر يدرج في ملف-وهذه عادة جديدة في المواقع الانترنيتية – على أهميتها – تصبح تقليدية لا تحتوي على روح إبداعية. غالبا.؟
لم لا يدور ببال احد أن يقوم بدراسة عن الصحافة الكردية في مختلف تجلياتها الثقافية والسياسية والفنية والاجتماعية.. وقد سبق أن فعل شيئا جميلا في هذا الميدان، السيد صالح جانكو مشكورا، ونشرها في احد أعداد مجلة الحوار.
لم لا يفكر بعض الصحافيين –المختصين بالصحافة – بدراسة نقدية لطبيعة النشرات الكوردية السياسية او الثقافية؟بل لم لا يسعى الذين يملكون موهبة وخبرة في الصحافة ليتدارسوا أمر صحافة قادرة على تحمل المسؤولية التاريخية لقضايا الناس وهمومهم في كل مناحي الحياة.وخاصة الكورد الأكثر حاجة الى مثل ذلك، بدلا من روح الاستعراض التي تسم اغلب المحاولات .للأسف.
وربما كان للتخصص الصحافي تأثير مفيد في تقدم الصحافة وزيادة نفعها وفقا للاهتمامات والحاجات عموما.
وفيما يتعلق بالخطاب الكوردي في المواقع الإلكترونية والمنتديات والصحافة الورقية والفضائيات والحوارات…الخ.هل يرتقي الى مستوى ديمقراطي علمي؛ يحقق التأثير الإيجابي على الآخرين المختلفين، كوردا، واثنيات مختلفة ؟ أم انه خطاب انفعالي تفريغي-إذا جاز التعبير- وربما غوغائي أحيانا؟ صحيح أن الهجمة على الكورد شرسة؛ خاصة من المتطرفين في القوميات التي تحكم الكورد تركا وعروبيين وفرسا..لكن هذا يقتضي حنكة أكبر، بل وخلقا أرحب.. للتفاعل ايجابيا!.
وهل نحن نتوجه للآخرين لكي يتعرفوا على حقيقتنا ومآسينا ويتعاطفوا مع قضيتنا التي نراها عادلة حقا،أم ندور حول أنفسنا نبث الأنين لبعضنا بعضا، دون أن يسمعه احد غير الكورد غالبا؟
هل هناك تنسيق يناسب حالة القضية؟ أم أننا نتخذ من الصحافة وسيلة شهرة بلا رصيد؟
هل النهج الكوردي صحافيا في الاتجاه الصحيح..؟!
مع ذلك فإن كل ما سبق لا يعني تجاهل أن المجهودات مهما كانت ضعيفة فهي يمكن أن تكون بذورا لما هو أفضل دائما.
…………..
ملاحظة1: لفظة “عروبي او عروبيون” يقصد منها التيار المتعصب في العروبة، ولا تعني العرب كأمة في شيء.
ملاحظة2: تعمدت أن أتأخر في الكتابة عن الصحافة لأني علمت أن المناسبة فرصة لكتابات –غالبا ما روتينية، ففضلت أن يكون مقالي في وقت آخر لا يبعد كثيرا عن المناسبة.وأرجو انني وفقت لما أردته من التنبيه.