محمد المطرود
باختصار إن هيثم حسين في (رهائن الخطيئة) بعد (آرام سليل الأوجاع المكابرة) والصادرة حديثاً عن دار التكوين، يحمي نفسَه الروائي بما بدأه في روايته الأولى، ليكرس مايراه مفقوداً كحلقة ضائعة في اشتغال الآخرين،
وخاصة إذا غُيب سليم بركات الأب الأكبر لجيل من الشعراء والروائيين، قد يكون حسين أحدهم في مقاربته لمناخاته وصنعته الصعبة على الأقل في تناوله لأسماء من صلب المكان وبيئات بالتأكيد تشبه البيئة التي اشتغل فيها الأول، في حين أن هيثم _والمكان ليس مكان مقارنة وتفضيل في عجالتنا هذه_ يتحرك بلغة محكمة ليست معجمية لكنها في الوقت نفسه أقل حداثية مقارنة بالحدث ومايقتضيه من إحاطة في الشخصيات الإشكالية والقلقة والتي استطاع الروائي تقديمها كنماذج خدمت توصيفه وإيماءاته، أعني إشاراته إلى مواضع محددة أطّرت الحياة والرواية معاً.
فأحمي وعلو وخاتونه جيايي هم أبطال بالمعنى الدينامي،المتنامي كاستناد روائي،هم أنفسهم أبطال مفترضون،يمكن الالتقاء بهم على أرض ما، بحيث يبقون زوادة حدث يتغير تبعاً لتحركاتهم وتنقلاتهم،أو تبعاً للحركة الطبيعية الميكانيكية باعتبارهم كائنات حية،وأيضا بفضل كونهم بشراً متأثرين بصيغة الحياة ومواجهتها من بوابات عدة،فالحركة من مدينة عامودا السورية كحاضنة روي ومتن حكائي إلى قرا شيكي التركية ومن ثم تضمين الجغرافيا الفاصلة بين المكانين الكثير من التاريخ الضبابي المحدد بالسيرة أكثر منه بأرقام زمنية، تحدد زمن وقوع الفعل أو تصاعده الدرامي، ما جعل التاريخ هنا شخوصاً، تتحدث، وسرد متحول بالتأكيد، لم يستطع تظهير الفترة التي جاءت إيمائية مشار إليها بخجل وتوريات، سيرى المتلقي أنها أصابت روح الرواية بعطب خفيف، استطاع هيثم حسين إصلاحه برهانه على لغة صافية، وقدرة على توليد الحكاية، لتعوض الكثير، الكثير الذي فات السرد كلغة صرفة وأقصد هنا اللغة التي ذهبت إلى ما تذهب إليه التفاصيل من خلال إشراك أكبر عدد من المفردات، والتي رآها الراوي مناسبة، لتنهض بمقولته وتخدمه أكثر من رسمه لحركة الأشخاص، وتوفير الحكاية لذلك.
بداية (رهائن الخطيئة) حيث يبدو وكأن الرهائن كدلالة لغة هم المحتجزون، لكنهم ليسوا كذلك بالمعنى الحرفي المقيّد وهم ليسوا المكبلين، وإن وجدت قوة جبرية، تحدد مصائرهم وتتحكم بها لأنهم في الوقت نفسه، يسيرون إلى الأمام، يتجلى الأمر في التوزع الحياتي من خاتونة (الشخصية) الراسم الأول لخط السير المتعثر والمتعرج إلى ما باشراه أحمي وعلو فيما بعد،بعد نزوح واضمحلال دور خاتونة راعية السر الأكبر كما روِّج لذلك، هذا التحرك شابه تحرك في دائرة مغلقة وصغيرة في الوقت الذي كان يمكن لهذه الحركة أن تكون منفلتة أكثر، تواطؤاً مع الهلامية الظاهرة، هلامية التاريخ والتأريخ بحيث تكوّن رهائن الخطيئة، والخطيئة هنا أيضا معنى مجازي لم يؤطر العنوان بواقعية، ما يجعل المقيد روائياً كشخوص منفلتاً كسرد متجدد قائم على الحكاية والرسم الدقيق للحدث، ولا أقصد بالدقيق الارتهان للواقعية التي تفترضها الحكاية الروائية أصلاً.
هيثم حسين يوجد أشخاصه ومتخيله وفضاءه، ويتدخل ليس بأشخاصه وإنما بلغته ورؤيته وتجييره هؤلاء لمصلحة مقولته في حين فشلهم في أداء هذا الدور الذي أراده من البدء، وكأنه كراو لم يكتف بمن سماهم ليكون هو أحدهم ،عندما يعجزون وتعجز الحكاية عن حملهم في التنوير أو التثوير، تثوير الحدث والتماشي مع ما يفترض به الظهور، تظهر صورة الروائي بكله بحيث يصبح الاسم المتصدر لغلاف الرواية اسماً ضمنياً فيها مشاركاً ولاعبا أساسياً في حين أن أشخاصاً آخرين، يمرون عرضاً بالرغم من لزومهم وهي شخصية أستطيع القول: إنها محورية وجوهرية اعتمدت عليها الروايات وهي شخصية المعلم الناصح، وهنا في حالة هيثم حسين ورهائن الخطيئة المعلم هو المعلم بالمعنيين المدرسة والحياة بأثنوغرافيتها وأدلجتها والمتلقي لاشك رأى فيها نقطة إبهارية،معوَّل عليها في حيثيات السرد، وفيما بعد في خلق البؤرة المعتمة، ومن ثم إضاءتها إلا أن هذه الشخصية(البطلة) وتراءى ذلك في احتفاء الراوي بها من حيث إسناد القيمة لها في تفتيح ذهن البطل في مفصل الرواية الثاني (هوار)، ظهرت لتختفي في البداية كبطل ثم كمهزوم ومختف تماماً كرهينه أخرى من الرهائن الذين لم يترك لهم الراوي حرية العيش في فضاء الرواية بحيث لم يعودوا أشخاصاً مستلبين، والشخصية هنا حامل من حوامل الراوي المهمة فالمقولة التي أراد إيصالها، تتعلق بالناهب والمنهوب كاشتغال مضمر تم الإفصاح عنة خطأً وليس قصداً على اعتبار أن المقولة التي يكوّنها الفضاء المتخيل وإن كان هناك الواقعي فإنها المقولة براهنيتها، هي الأقدر على العيش فنياً وبالتالي حياتياً في ذهنية المتلقي وأيضاً ستكون هذه محاولة لإشراكه في التأويل والتنبؤ بعد النهايات، نهايات الفواصل (مفصليات السرد) ونهايات الرهائن كأشخاص مفترضين لهم حيواتهم، ينتهون بانتهاء وظائفهم ودورهم في تكوين المشهد ومحاكمته
على مستوى الشخصيات في رهائن الخطيئة، يمكن القول هي رواية الخسارات الأكيدة والموت المحتم رواية الأحلام التي لاتكتمل والآمال المعلقات كأيقونات في أمكنة بدورها تلفظها الجغرافيا كأعضاء غير مستأنس بها فلا الثورة انتصرت على القوتين، قوة الخافض للتاريخ إلى المستوى الأدنى حيث اختفاء المعالم والحدود الحقيقيه لأرض صارت متخيله أكثر من كونها شكلاً ظاهريا، طبيعيا ومحدد بعينه وتمايزاته، إلى القوة كذاكره واندحارها لمصلحة قوى مهيمنة على الأقل تساوقاً مع طرح حسين، فمن خاتونة الميتة كصيرورة زمنية إلى مقتل علو بموت آماله وقعوده عن الحياة ومن ثم التكلل بموت ميكانيكي بسقوطه من فوق أكداس الحنظة وبذلك انتهاء الطرف الثاني في المعادلة، حُكم عليها لتكون بطرف واحد، وهما الطرفان أو جناحا خاتونة، مشعل القص و جهة تفجره وخالق واقعه الافتراضي، وهما الطرفان الحاملان للواء القص نفسه بعد انحسار خاتونة من طرفية المعادلة إذا أخذنا بكتلة علو وأحمي كطرف مواز ومشكل «بضم الميم»
ومهما يكن من أمر النهايات إن الرواية وفي مفصلها الثاني وظهور هوار البطل الذي بشَّر به المعلم المختفي لم يرقَ هذا البطل إلى مستوى تشكيل نموذجه ولا هو ساهم في خلق نهاية تتناغم والحكاية المسترسلة بسلاسة وأمان طيلة فترة المفصل الأول، ما أعطى الرواية جرعة مفتعلة ومفجعة في آن واحد فالنهاية في فاجعتها بموت خاتونه، كانت فجائعية أيضاً في مخالفتها فنياً لترقب المتلقي_ برأي_ المنتظر نهاية غير ذلك.
صحيفة الثورة
الأربعاء 28-4-2010م