أخواتي .. قليلاً من الحشمة !! .. حديث الجمعة (8)

الدكتور علاء الدين جنكو

في إحدى جلساتنا الشبابية – بعد فراق طويل – اشتكى أحد أصدقائنا من مبالغة النساء في ارتداء الملابس المثيرة !!
كان ردي من بين الحضور إنها نوع من التطور الذي يجتاح مجتمعنا المتخلف !!
لم يأخذ الحضور كلامي بالأهمية ظانين أني أستهزئ بهم، فكيف يكون مَنْ خلفيته دينية يقول : بأن ذلك تطوراً ؟!

بَيْد آني بقيت مصراً على كلامي وموقفي أن ذلك تطور والمرأة تبدو فيها بارعة الجمال وفي كامل أناقتها وأنوثتها، وليس في الأمر شيء، وإن كانت هناك مشكلة أو حرج فإنها تكمن في الشباب لا النساء !!
عاد زملائي لدهشتهم مرة أخرى، أمن المعقول أن يتكلم من يحمل شهادة عليا في الشريعة تكون هذه هي نظرته للواقع المزري الذي يراه شباب غير متدينين ؟!!
لم يكن أصدقائي يظنون بأني سأعود بهم عشرين سنة للوراء عندما كان جيل الفتيات في مجتمعنا في السنوات الثلاث الأولى من أعمارهن !!
يوم أن كان الأب والأم ينادون بحريتها وعدم تقيدها بأية قيود سواء كان الخمار الذي يوضع على رأسها واصفين إياها بأنها تخمر العقل لا الشعر !! أو الثوب الذي كان من العيب أن يُلبَسَ تحته الميزوجوب !!
اليوم الذي ما كان يتصور الأب بأن ابنته – التي ستكون شابة وأماً – لن تقف عند حد كشف شعر الرأس بل ستتعدى إلى ما هو أدهى وأكثر دهشة !!
ذلك اليوم الذي كانت الأم تستحي من إظهار شعرة من رأسها وتأبى إلا أن تظهر بكامل حشمتها في الوقت الذي كانت تسير معها ابنتها المتطورة في ملابسها جنباً إلى جنب .
لم أر للثورة الإلكترونية منافساً في سرعة التطور سوى ملابس النساء في مجتمعنا الكردي !!
وصل الحال لدرجة أن أولئك الذين كانوا يطالبون بحرية الفتاة يصرخون بأعلى أصواتهم : إن الذي نراه لم يكن هو المراد بدعوتنا !!
عندما تغيب العقلانية في واقع ما وتبدأ المؤثرات الأخرى سواء كانت غلبة العاطفة من جانب الأبوين أو إطلاق فرامل الشهوة باستخدام الشعارات البراقة والمستعارة غالباً.
نعم عندما يستولي على زمام الأمور من ليس بأهله وتندثر ضوابط العادات والتقاليد وتعاليم الأديان ويسود المشاعية واللامبدئية واللادينية وبالتالي اللاأخلاقية تكون النتيجة الحتمية ما نراه على أرض واقعنا .
أعلم كما الكثيرون أمثالي أن الأمر استفحل وتجاوز الحد، وبات ناقوس خطر يدق كل باب ، وينذر كل أب وأم ويحذر كل أسرة .
ومما يثير الدهشة والشفقة في آن واحد أن بعض السذج يعيدون أسباب هذه الظاهرة إلى الفقر من جهة والضغوطات النفسية من جهة أخرى ، وكأن حال الفتاة التي تخرج بهذه الصورة المبتذلة تقول للناس : أنا أخرج بهذا الشكل لأني ملاحقة سياسياً!!
شر البلية ما يضحك ، ومآسي الحال ما تبكي ، لكن واقعا مؤلماً نراه ، وأعتقد – برأي المتواضع – أن أهم أسباب هذه الظاهرة تعود إلى ما يلي :
1 – غياب التربية النابعة من الوازع الديني الذي يحرم كل ما من شأنه أن يوصل الفتاة الجوهرة في قيمتها الدرة في احتشامها إلى حالتها المقرفة التي بات يشمئز منها حتى ثعالب الشهوة من الرجال !!
2 – التمرد على العادات والتقاليد المحافظة بادعاء الانقلاب على مظاهر التخلف من غير مراعاة لأحوال المجتمع الشرقي طبعاً .
3 – عدم مراقبة الأبناء في متابعة الإعلام الذي اخترق كل الموانع ودخل في عقر دارنا ، ناشرين كل ما هو فاسد ليؤثر على الجيل ، على الرغم من أهمية الإعلام من الجوانب الإيجابية .
4 – التقليد الأعمى والتنافس السيئ خاصة بين النساء في إظهار المفاتن والمبالغة في إبداء الجمال وانتقال ذلك من مجتمع النساء المغلق إلى مجتمع الرجال ثم المجتمع بأكمله !!
5 – الدعوات المشبوهة من بعض الكتاب المروجين للتبرج والعري بادعاء حرية المرأة في ذلك، والذارفين دموع التماسيح على فرائسهم الشهوانية القذرة .
إن انتشار هذه الظاهرة وتحولها إلى معضلة خطيرة في المجتمع يتحمل مسؤوليتها الآباء والمعلمون والكتاب والسلطات والعلماء والدعاة .
وقطعاً للطريق أمام المزاودين والأنثويين أكثر من المرأة زيفاً وغدراً أقول : ليس معنى أن الفتاة المتورطة بهذا المظهر بأنها سيئة الأخلاق والسلوك ، بل على العكس أراها ضحية لا حول لها ولا قوة لمجتمع خطط لها هذا المصير وفريسة من حيث لا تشعر لذئاب بشرية حامت حولها حتى نالت منها أشرف ما تملك !!
ومن ناحية أخرى ربما يخوض البعض في سفسطة مفادها أن الحديث في مواضع أخرى تخص المرأة أهم من هذا الموضوع ، كالدعوة إلى تعليمها ، وتثقيفها ، وتحريرها من السلطة الذكورية السائدة في مجتمعاتنا .
نعم اتفق مع كل من يرى أهمية هذه المواضيع لكني قطعاً لست مع من يرى بساطة ظاهرة (الملابس الكاشفة)، لأن مساوئها تتعدى الحالات الشخصية لتؤثر على المجتمع سلباً .
وقبل أن أختم أهمس في أذن أخواتي وشقيقاتي : بأن خروجك بهذا المظهر لا يجلب لك فتى الأحلام الذي يستحق أن يكون قائداً لمركب الزوجية ، لأنه حتى أكثر الشباب فوضى في حياته لا يرضى أن تكون أم أولاده على الهيئة التي تكونين عليها!!

إذا كان هذا خطابي مع فتيات مجتمعي الذي أخذ مني اللب والقلب ، فما هو حال الشباب ، أودعكم ولي معهم لقاء في الجمعة القادمة ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

 

نارين عمر

 

” التّاريخ يعيد نفسه” مقولة لم تُطلق من عبث أو من فراغ، إنّما هي ملخّص ما يحمله البشر من مفاهيم وأفكار عبر الأزمان والعهود، ويطبّقونها بأساليب وطرق متباينة وإن كانت كلّها تلتقي في نقطة ارتكاز واحدة، فها نحن نعيش القرن الحالي الذي يفتخر البشر فيه بوصولهم إلى القمر ومحاولة معانقة نجوم وكواكب أخرى…

محمد إدريس*

 

في زمنٍ كانت فيه البنادق نادرة، والحناجر مشروخة بالغربة، وُلد غسان كنفاني ليمنح القضية الفلسطينية صوتًا لا يخبو، وقلمًا لا يُكسر. لم يكن مجرد كاتبٍ بارع، بل كان حاملَ راية، ومهندسَ وعي، ومفجّر أسئلةٍ ما زالت تتردد حتى اليوم:

“لماذا لم يدقّوا جدران الخزان؟”

المنفى الأول: من عكا إلى بيروت

وُلد غسان كنفاني في مدينة عكا عام…

د. سرمد فوزي التايه

 

عندما تُبصر عنوان “فقراء الحُبّ” للكاتبة المقدسية رائدة سرندح، والصادرة عن دار فهرنهايت للنشر والتوزيع عام 2023، تُدرك أنَّ هناك أُناساً فقراء يفتقرون إلى الحد الأدنى من مُتطلبات الحُبّ كوسيلة من وسائل العيش الرغيد على وجه البسيطة، فتراهم يقتاتون ذلك الفتات على أملٍ منشود بأن يغنوا يوماً ما من ذلك المعين حتى…

نجاح هيفو

 

عندما نتحدث عن الذكورية، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو السلوكيات الفردية التي يمارسها بعض الرجال تجاه النساء: تحكم، تمييز، عنف، وتهميش. لكن الأخطر من كل ذلك هو ما يسمى بـ ذكورية المؤسسات، وهي الذكورية المتجذرة في أنظمة وهيكليات المجتمع، بدءًا من القانون والتعليم وصولاً إلى الأحزاب السياسية والسلطات الحاكمة.

ذكورية الرجال قد تتغير…