رسالة ظريفة بين (محمد كُرد علي) و(فارس الخوري)

بقلم: صلاح برواري- دمشق

   الوزير والعلاّمة الدمشقي المعروف، ومؤسس ورئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، محمد كُرد علي (1876-1953) ، ينتهي نسبه إلى مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق (كما يقول هو في مذكراته). ولا تزال أسرته الكبيرة في دمشق، تحمل لقب “كُرد علي” المعروف. وثمة شارع في دمشق، يحمل اسمه (شارع محمد كرد علي)، إضافة إلى شارع آخر باسم شقيقه العلامة (أحمد كرد علي).

   محمد كرد علي، مؤرخ وباحث وأديب ولغوي سوري كبير، وصاحب مؤلفات يُشار إليها بالبنان؛ ولا سيما مؤلفه وبحثه التاريخي الضخم “خطط الشام”، ذي الأجزاء المتعددة، وكذلك “تاريخ أحمد بن طولون” و”فلاسفة الإسلام” و” المُعاصِرون” و”المذكِّرات”.
   كانت لكرد علي علاقة صداقة روحية متينة، مع صديقه العلامة الكبير فارس بك الخوري (1877- 1962)؛ وهو سياسي وأديب سوري معروف، وعضو المجمع العلمي في دمشق. ولد في قرية “الكفير”، من قرى منطقة “حاصبيا” في لبنان. أسس مع (عبد الرحمن شهبندر) وفريق من الوطنيين السوريين “حزب الشعب”، ثم كان عميداً للكتلة الوطنية. تولى مراراً رئاسة مجلس النواب السوري ورئاسة الحكومة السورية. له “وقائع الحرب الروسية- اليابانية” و”الموجز في علم المالية”.

   كانت بين الرجلين ممازحات ومفاكهات جميلة، يتندر بها أصحابهما. إذ كان (كرد علي) يشير في ممازحاته، أحياناً، إلى رأس صديقه الكبير، والملفت للنظر؛ بينما ينعته (فارس الخوري) بأنه كردي خشن الطباع.
   وذات يوم، هاج الشوق بكرد علي، إلى صديقه الخوري؛ فبعث إليه رسالة ظريفة، في الثالث من شهر تشرين الثاني من عام 1926. ونشر الرسالة العلامة والباحث الدمشقي القدير، الدكتور صلاح الدين المُنجِّد، في صحيفة “الحياة” اللبنانية (عدد يوم 10/11/1964).
   في رسالته الظريفة هذه، يمازح العلامة (محمد كرد علي) صديقه العلامة (فارس بك الخوري)، ناعتاً إياه بأنه قروي من “الكفير”؛ فيرد عليه الآخر بأنه “كردي”.
   لهذه الرسالة أهمية تاريخية كبيرة؛ إذ يورد فيها كرد علي أسماء أهم الأعلام الكرد في العالم العربي، مفتخراً بهم، بأنهم من بني قومه.
 يورد أسماء (شيخ الإصلاح في الإسلام: محمد عَبدُه،1849-1905. وهو – حسب علمي- أول من ذكـّرَ بالأصل الكردي لهذا الشيخ الجليل)، و(رائد تحرير المرأة العربية: قاسم بك أمين،1863-1908) و(أمير الشعراء العرب: أحمد بك شوقي، 1868-1932)، و(عملاق الأدب العربي: عباس محمود العقاد، 1889-1964)، و(الأديب والمؤرخ واللغوي الكبير: أحمد بن إسماعيل تيمور باشا، 1871-1930)، وهو صاحب الخزانة التيمورية الشهيرة بمحتوياتها المطبوعة والمخطوطة؛ والتي أهداها لدار الكتب المصرية. له مؤلفات كثيرة، منها: “تصحيح لسان العرب”، “تصحيح القاموس المحيط”، “أوهام شعراء العرب في المعاني”. وهو شقيق الأديب والمؤلف المسرحي الشهير (محمد تيمور: 1892-1921)، والأديب والقاص المعروف (محمود تيمور: 1894-1973)، والأديبة والشاعرة المعروفة (عائشة التيمورية: 1840-1902).
   نورد بعضاً مما جاء في تلك الرسالة الظريفة؛ التي يخاطب فيها الأستاذ (كرد علي) صديقه الأستاذ (الخوري):
   “أثبت- أدام الله علاك- أن الكفير فيها الكاف والراء، وهما قلب الأكراد، ورأس كردستان. فلا يمكن أن تجتمعا إلى الحماقة والبلاهة، وإن لهما من الخشونة حظ وافر.
   حكمة بالغة من بلاغتك، استخرجتها من اسم مزرعتك؛ وإني لمغتبط أنك أنجيت الأكراد من الحماقة والبلاهة، وأنحيت عليهم بالخشونة، التي لك فيها بعض الحق. وإن كانت خشونة صلاح الدين يوسف الكردي دفعت الأعداء عن ديار المسلمين، وخشونة محمد عبده الكردي جرّعت الأزهريين صابَ إصلاحه في الدين، وخشونة قاسم أمين الكردي أخذت بتحرير المرأة في الإسلام، وخشونة أحمد شوقي أصارت الشعر العربي إلى هذا النمط؛ فأفحمت كل شاعر وشعرور، وخشونة أحمد تيمور الكردي عملت ما عملت بلغة العرب، وخشونة عباس محمود العقاد الكردي أخرجت الآداب عن طورها القديم؛ فكان رأس المجددين في الكتابة والأدب.
   وما زال الأكراد يُرمون بالخشونة، ما لم يبدوا نعومة في السكوت عن الباطل، ويتسامحوا في هضم الحقوق على غير طائل، أو يقرّوا لتلاعب كل متلاعب، ويسكتوا على أذى العدو والصاحب.
   اللهم ارزقنا هذه الخشونة، ولا تحرم الأمّة من عقباها. فالأمّة الخشنة هي التي تحيا حياة طيبة، والناعمة هي التي يأخذها من الفعال ما قدم وحدث، وينالها من عنت الشر ما قبح وخبث.
   وإني لأعتقد أن اليوم الذي يُصفع فيه كل إنسان على وجهه بما أتاه، ويحاسَب حساباً غير يسير على ما جنته يداه، ترقى هذه الأمّة وهذا المجتمع إلى التي ليس بعدها…”.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…