علاء الدين جنكو
بقدر الشوق الذي ينتظره المسلمون شهر رمضان المبارك ، فهم متشوقون إلى تلك الليلة العظيمة المنشودة ، الليلة الموعودة ، ليلة الاتصال بين من في الأرض ومن في السماوات العُلى ، تلك الليلة التي نزل فيه القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا .
إنها ليلة القدر 000 وما أدراك ما ليلة القدر ؟
اسمها اسم عظيم ، اختلف العلماء في تفسيره ومعناه ، بعضهم قال : بأن المراد هو الحكم والتقدير والتدبير ، أي يحكم فيها ما يشاء ، وبعضهم قال : معناه القيمة والمقام والشأن والقدْر .
وكلا المعنيين يتفقان مع الحدث العظيم الذي وقع في تلك الليلة ، فما يشمله هذا الكتاب منحكم الله وتقديره وتدبيره عظيم جداً ، تقدير وحكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وما من يوم أعظم وأشرف من ذلك اليوم الذي نزل فيه القرآن إلى بيت العزة في السماء الدنيا معلناً بداية الوحي الإلهي .
وقيل سميت بهذا الاسم لأنه أنزل فيها كتاباً ذا قدر على رسول ذا قدر إلى أمة ذات قدر .
هذه الليلة العظيمة جاء ذكرها في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم هي :
1 – في قوله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) الدخان (3)
2 – وفي قوله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) سورة القدر
3 – وفي قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) البقرة (185)
وهذه الآية الأخيرة تبين العلاقة التي تربط ليلة القدر بشهر رمضان المبارك .
أي يوم من أيام رمضان وأي ليلة منها هي ليلة القدر ؟ تلك هي الحكمة الإلهية التي اقتضت عدم تعيين تلك الليلة بدليل ثابت وصحيح ، وعلى المسلمين تحري ليلة القدر في شهر رمضان المبارك للطاعة والعبادة لما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) ، وفي الصحيحين أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) . وعند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : ( هي في العشر الأواخر في تسع مضين أو في سبع بقين )
من هنا يتضح لنا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان هذه الليلة العظيمة لأمته حيث قربها لهم بالعشر الأواخر بل بأوتارها ، بل حدد بعض أوتارها ،وهذا كله من تقريب الخير لأمته حتى لا تتوانى في إدراكه وكسبه . كيف لا وهي ليلة خير من ألف شهر !!
إذا ما علينا إلا أن نستغل هذه الليلة العظيمة بالإحياء والذكر والاعتكاف لأن في ذلك فضل لا يوازيه فضل !!
سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هي أدركت ليلةالقدر ماذا بقول فيها ؟ فقال : قولي : ( اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني ) .
ذكر أحد العلماء ملاحظة حول علاقة الإيمان بليلة القدر بالقيام والذكر فيها فقال : والمنهج الإسلامي في التربية يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير ، ويجعل العبادة وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حية تتخلل المشاعر ولا تقف عند حدود التفكير 000 وهذا الربط بين ذكرى ليلة القدر وبين القيام فيها إيمانا واحتساباً ، هو طرف من هذا المنهج الإسلامي الناجح القويم .
فطوبى لمن أدرك ليلة القدر ، وطوبى لمن أقام ليلها 0000 وهنيئا لمن أحياها بسهرة عبادية وهو راكب سفينة الناجاة المتجهة إلى الله جل وعلا …