دور الأدب وأثره

دلاور زنكي
 
إن الآداب- على غرار جميع الموجودات الإنسانية- خَلْقٌ إبداعي أنساني لا ريب فيه، يستمد قواعدهُ وأركانه من عمق الحياة. والفنون الأدبية كائنات حية ذات نفس وروح تنبع من أخيلة المرء وأحاسيسه ورؤيته وتأملاته الشتى. وما العمل الأدبي سوى كلام مدوّن تقيّده الكتابة، وتحفظه السطور، والأدب يعلّم الفنان كيف يبدع في صناعته ويخلق من عمله فناً فذاً وفريداً… والأدب سرّ من أسرار الجمال وروعة ما تنتجه قرائح الفنانين. في غابر العهود كان الأدب الشفهي راسخاً ووطيداً في ذاكرة الناس وأذهانهم، وفي هذه الأيام وجد لنفسه حيّزاً فسيحاً في عالم الكتابة والتدوين فغدا أكثر قوة وثباتاً لا يخشى عليه من النسيان أو الضياع. وهو فوق هذا وذاك أكثر تأججاً وسطوعاً. وأننا في كل الحالات نؤمن بأن الأدب أم لألوان وأصناف جمة من الفنون وأولئك الذين يشتغلون بالفن السينمائي والتمثيل المسرحي وبالعزف والتلحين وغير ذلك قد يجدون فيه فوائد ومنافع جسيمة ويعثرون فيه على ضالتهم إن كانوا يبحثون عن ضالة.
ولما كان الأدب منوطاً بالكلمة ومرهوناً باللغة ولا يبرز إلاّ في ساحة اللغة وميادينها وجب على الكاتب أو الأديب أن يتقن اللغة التي يعبّر فيها عن خلجات نفسه وأن يتأنق فيها خالية من اللّحنِ والخطل والأخطاء والشوائب الأخرى التي تشوهها أو تخلُّ بركنٍ من أركان الأداء القويم، ومتى اجتمعت له هذه الشروط وتوفرت له الأسباب كان من حقه أن يشرع في الكتابة ويضع فنَّه نصب أعين القراء وأبصارهم. وهو حين يباشر صنعته الأدبية يعلم أنه يضع عمله في ميزان المجتمع الذي سيرى فيه رأيه ويحكم عليه بقدر ما أحسن أو أساء، وبما هو جدير به من مدح أو قدح وذم. وكلما كان الأديب مؤثراً وصاحب دور كبير في نظر المجتمعات كانت مسؤوليته جسيمة بقدر حجم دوره وتأثيره، وسلاح الأديب هو الكلمة الأنيقة المشرفة التي تنقل إلى القارئ الشكل والمضمون والرؤية وسائر الأحاسيس التي تزخر بها روحه، وعليه أن يصون هذا السلاح عن الإسفاف، ويحافظ على رونقه. إن الكلمة تحرّك مشاعر الناس، وتعبث بعواطفه وتدفعه إلى التفكير والتأمل، وتستطيع أن تتحكم في زمام فكره. وفن الأدب عند مقارنته بالفنون الأخرى نجده أكثر شيوعاً وشمولاً لا تقيده الأزمنة والأمكنة ولا تكبح توغله حدود أو سدود، ولا توصد دونه الأبواب في أي جزء من أصقاع الأرض… وفي وسعه الولوج في كل صعد الحياة. للجمال أهمية بالغة في ميزان الأدب، وللملاحة والجمال والحسن لونان أو شكلان أو صنفان… جمال الأمنيات والآمال… وجمال الفن والمرء – بخبرته وعلمه وطول مراسه- يسعه إدراك هاتين الحقيقتين ومعرفة الغث والسمين وتمييز الجيد من الرديء، ونقد هذا العمل أو ذاك وتقييمهما. ومن البداهة أن نعلم أن الرواية والقصة والشعر وكتابة التاريخ والتمثيل والعمل المسرحي ضروب مختلفة ومتفاوتة تنضوي تحت جناحي الأدب ومن الأدب تنبثق وتتفرع بل هذه الفنون بأسرها هي الأدب نفسه وإن كانت لها أسماء متغايرة ومتباينة. إن تاريخ الأدب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الوعي والإدراك والانفتاح الذهني والتوقد الفكري عند الإنسان، ولهذا يبدو لنا أنَّ تقدم الشعوب والأمم ورقيها في هذا العالم يجريان على قدم المساواة مع ما تمتلكه من الآداب. إن الأدب هو رحيق الحياة، وخلاصتها وحقيقتها، فيه تتجلى صورة المستقبل والأيام القادمة. يقول الكاتب ارنستو ساباتو- من أمريكا اللاتينية: لو أنكم صددتم احدهم عن الخوض في التأمل والتخيّل وألجمتم خياله فكأنما تمضون به إلى هاوية الجنون. لقد كان الأدب دائماً أداة فعالة في تغيير المجتمعات وسلوك الإنسان ومجابهة الأوضاع الاجتماعية وكانت له الغلبة لأنه أكثر الأدوات بأساً وتأثيراً. وكم سار الأدب بالإنسان المكبل إلى رحاب الحرية، وأنقذت الأفكار الشاذة من جنوحها وجنونها.. ولربما خاض الأدب معارك ضارية ومر بأوقات عصيبة وتعرض للبطش والهمجية ولكنه كان يخرج منها في خاتمة المطاف منتصراً، مكللاً بالظفر والفلاح. إن الأدب علمٌ ومعرفة، وهو غصن من أغصان دوحة الفنون وفرع من فروعها وقوامه اللغة والكلمات، بل اللغة هي التي تجعل من الأدب فناً، كما تصنع الأصواتُ الألحانَ والموسيقى وتجعلهما فناً وكما تكون الألوان أداة في صناعة فن الرسم، الألوان التي تشاركها الخطوط فإن عتاد النحات هو الحجر ومعدن النحاس على سبيل المثال. إذن فالأدب أحد الفنون الجميلة ولعلها أكثرها رفعة وسمواً وجمالاً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

 

غازي القُصَيْبي ( 1940 _ 2010 ) أديب وسفير ووزير سُعودي . يُعتبَر أحدَ أبرزِ المُفكرين والقِياديين السُّعوديين الذينَ تَركوا بَصْمةً مُميَّزة في الفِكْرِ الإداريِّ العربيِّ ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ التَّنظيرِ والمُمارَسة ، وَلَمْ يَكُنْ مُجرَّد كاتب أو شاعر ، بَلْ كانَ إداريًّا ناجحًا تَوَلَّى مَناصب قِيادية عديدة…

ماهين شيخاني

كانت قاعة المحكمة الباردة تشهد حواراً أخّاذاً بين محامٍ شيخ وقاضٍ متمرس. توجه المحامي بسؤاله المصيري: “لو كنت مكان القاضي، ما مدة الحكم الذي ستصدره على سهى يا أستاذ؟”

أجاب الرجل بهدوء: “أقصر مدة ممكنة.”

ابتسم المحامي مرتاحاً: “أحسنت، أنت قلبك طيب وعطوف.”

………

الفلاش باك:

في ليالي الخدمة الإلزامية، كان قلب الشاب العاشق يخفق بشوقٍ جامح….