هل مازالت دمشق عاصمة الثقافة العربية

سيامند إبراهيم

احتفلت دمشق قبل عامين بأنها عاصمة الثقافة العربية, وأقيمت المهرجانات الشعرية والأدبية على اختلاف أجناسها, وأقيمت عشرات المسرحيات وطبعت العشرات من المجموعات القصصية والشعرية, وشدت انتباه العالم إلى ريادة هذه العاصمة التاريخية التي تتمتع بطقس جميل, وتسر القلوب في نقاء جوها, ويناعة خضرتها, وهي المدينة التي قال فيها الشاعر اللبناني الكبير سعيد عقل: “ألحقوا الدنيا  ببستان هشام” لكن ما حز في نفسي أن هذه المدينة لم تعد تلك المدينة التي كانت  تسمى بدمشق!  فهي اليوم هو شكل ثان من أشكال المجتمع الاستهلاكي البعيد كل البعد عن خيال ياسمين دمشق القباني, وهي اليوم فقدت بريقها وريادتها الثقافية في ظل الأزمة الاقتصادية المتدهورة, فالمكاتب التي تحمل على رفوفها الزاد المعين من الثقافة المختلفة, لكن ما شهدته من سيء إلى أسوأ. 
فخلال بحثك وتجوالك في هذه المدينة العريقة سوف تبحث عن المكتبات العريقة التي كانت لها الدور الكبير في رفد القراء والسياح من نفائس الكتب التي كانت تأتي من الاتحاد السوفييتي السابق ومن مكاتب لبنان العريقة, فإذ تفاجأ بأن هذه المكاتب قد أغلقت إلى الأبد, والأسباب واضحة وضوح العيان, وإليكم هذه المكاتب ولنبدأ أولاً بأعرق المكاتب التي كانت توزع الكتب الروسية الرخيصة والكتب الكردية الثقافية والتاريخية واللغوية فإنها أغلقت وإلى الأبد وكتب صاحبها بأنه على القراء والمهتمين الاتصال بنا في قرية النشابية التي تبعد حوالي 30 كيلو متر عن العاصمة دمشق, وهنا على الجانب الآخر تجد مكتبة العائلة العريقة هي أيضاً شمعت أبوابها وأغلقت إلى الأبد,, ثم تعرج إلى منطقة الحجاز فإذ تجد مكتبة التنبكجي والصفية الغربية بجانب سينما العباسية هما أيضاً أغلقتا بسبب ارتفاع آجار المكتبتين, وفي الصالحية تفاجأ أيضاً بأن مكتبة أطلس الزاهرة هي أيضاً أقفلت الأبواب وصارت كتبها من (الستوكات) .
لكن اللافت من خلال جولاتك في هذه المدينة فقد تلاحظ علامات النظافة الزائدة وهي بالفعل مدينة تتجه نحو الجمالية من زرع وتشييد الحدائق الأنيقة, , لكن ما يحدث فيها هو إقامة مقاهي بعيدة كل البعد عن عراقة مقاهيها التي رعت السياسيين والمثقفين, فحوالي ي(الفور سيزن تجد المقاهي الباذخة والفاحشة من حيث غلاء مشروباتها والطامة الكبرى هو عدم قراءة أية صحيفة أو كتاب ثقافي وإنما تجد أن الشيشة هي كالأخطبوط التي تلتف حول معاصم الحسناوات الجميلات ويدخل هذا السم الأسود المميت إلى رئاتهم الساحرة؟!
ودمشق هذه هي كالحوت الأزرق تبتلع كل داخل إلى مملكتها, وتقذف كل غريب عنها نحو آفاق الصمت والخرس الأبدي إلى زوايا منسية في مملكة القهر والضياع والنسيان وخاصة بالنسبة لنا نحن الأكراد ؟!

القامشلي 4 –  6 – 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…