لماذا الاحتشام..مطلوب؟

محمد قاسم (ابن الجزيرة)
m.qibnjezire@hotmail.com

عندما أفتح قنوات تلفزيونية كوردية -وغير كوردية أيضا ،وبعضها العربية – لاحظت بعض المذيعات –على الأغلب- باللباس الكردي التقليدي.. وألوانها الزاهية والجميلة.
وبسحنتها المحتشمة؛ حيث تغطي كل الجسم؛ فتنقذ لا بستها من أسلوب إتباع الإغراء الجسدي الذي تتبعه الكثيرات من المذيعات –سواء بقصد الإغراء فعلا او انسياقا مع السائد..!
بل ومن الجميل ما نراه من المغنيات والفنانات عموما في التراث الفولكلوري والفني الكردي.. من الالتزام  –في الأغلب –بهذا الزى القومي (الشعبي) بخصائصه الفولكلورية مع ما قد يكون أضيف إليه من تحسينات  تخفف من ثقله او حجمه..ولكن السمة الأساسية-القومية والشعبية.. الفولكلورية..- تبقى فيه..!.

ويا ليت هذا التقليد ظل سائدا –كما في الهند واغلب دول الشرق الأقصى كنوع من الحفاظ على الفولكلور .مع ما فيها من جماليات لا تضاهيها الأزياء الأوروبية التي تعتمد الإغراء –لا الجمال –في موضاتها –أوموديلاتها- مع كل ما يرافق عرضها من صخب  يختفي العامل الاقتصادي –التجاري والرغبي النفسي والجسدي خلفها غالبا..!
لا أتمنى على احد ان ينساق مع الزى الأوروبي إلا معدلا بما يوافق التركيبة النفسية والاجتماعية   للكرد، ومراعاة العقيدة الدينية الإسلامية وما ينتج عنها من صياغات.. بحيث لا نكون متزمتين..حتى الجمود،ولا نكون منسلخين عن تراثنا حتى غايته..((خير الأمور أوسطها)).هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم.وقبله قال أرسطو –الفيلسوف الإغريقي الشهير: “الفضيلة وسط،لا إفراط ولا تفريط”.
  فكلما كانت لنا بصمة موجودة على ما نأكل او نلبس أو نعمل ، فإنها ستعطينا شعورا بوجودنا  الخاص والمؤثر والفاعل..بخلاف حالة الاستسلام لكل ما يأتي من الخارج-أي خارج-.
 وهذا لا يعني ان لا نتفاعل مع الخارج.. بل يعني أن نكيفه وفق ما يبقي على استقلالية الشخصية الفردية والاجتماعية-القومية الدينية الثقافية عموما– لنا..ودون تزمت أبدا..!
وهذه من الميزات الدالة على حيوية الأفراد و الشعوب، وقدرتها على التفاعل المتوازن مع المعطيات..
وأنا لا انطلق –هنا- من الاعتبار الديني والقومي أو غيرهما  –على أهميته- بل أنطلق  من الاعتبار الموضوعي والاستراتيجي للبقاء، والتحضر –ذاتيا- للمسألة..
فمثلا لو كلفنا أي شخص بأداء عملا ما ، ثم كلفنا آخر باستكماله..سنجد الثاني قد بدل وغير بعض ما قام به الأول..هذا من طبيعة الأشياء. أن يضع كل إنسان  بصمته على ما يقوم به.. وتكمن في هذا الإجراء  لحظة التعبير الحاسمة.
 فإما ان يكون الإنسان مستبدا فيغير كل ما في العمل الأول؛ متجاهلا  جهد الآخر.بل ومزيلا بصمته حتى وإن كانت صحيحة..- ومن هذا النمط من السلوك عندما تأتي الزوجة الثانية-مثلا- فتزيل كل آثار الزوجة الأولى –المتوفية أو المطلقة – هذا ما نشاهده في المسلسلات خاصة كرسالة فنية –في ظاهرها -والواقع- على انه سلوك معبر عن خصوصية شخصيتها..وربما تتجه المسلسلات الى تعزيز هذا الاتجاه على أنه صحيح..ولكن هذه الرغبة لا تراعي ان الأخرى – مهما كانت الظروف-لها ايضا حقها في خصوصيتها بشكل او بآخر..وضرورة احترام الماضي-الذي يصبح تراثا بمعنى ما- بما يضمن عدم مصادرة الحاضر ،وعدم منع التطور باتجاه المستقبل –اعتماد المرونة الكافية-..
 من هنا كانت فكرة المتاحف عموما. تحفظ ماضيا زال تأثيره المباشر ولكن آثاره يضفي على الحاضر رونق الماضي وهالته وتداعياته التخيلية الحالمة في سياحة نحو الماضي .-إذا جاز التعبير.بل وغناء الثقافة وتأصيلها،وهذا ما حققه الغرب ويفتقر أليه الشرق –العربي خاصة- فكل حاكم يلغي آثار سابقه لطمس ذكراه وربما يكون حقا فإن ذلك الحاكم لم يفعل ما فعل من آثار إلا لتمجيد ذاته  – الرئيس صدام حسين والتماثيل والقصور ..ومثله في العالم العربي كثير.
فالزوجة القديمة لها زوج، وله معها ذكريات ما..وقد يكون لها أولاد..ولهم حق التواصل مع ذكرى والدتهم عبر بعض منابع الذكرى التي خلفتها..كما أن الزوج الجديدة قد تغادر المكان لسبب ما –موتا أو طلاقا  لا سمح الله- وتتكرر المسألة ذاتها معها إذا حلت محلها زوج جديدة.
“عامل الناس كما تحب ان يعاملوك به”
نحن –هنا-بإزاء إيجاد حالة توازن هي قوام الحياة كلها..أن ندع الجميع يتعايش بالمقدار الذي يستحقه كل منها..فلا نلغي الماضي..ولكن لا ندعه يصادر الحاضر الذي يشكل الأكثر أهمية بالنسبة للماضي باعتباره المعاش واقعيا..ولا ننساق مع الحاضر وننسى أن مستقبلا ينبغي ان يراعى لأن الحاضر سيتجه إليه..مرغما. بل وربما سيكون مصيرنا مرهونا به أكثر –أحيانا-من الحاضر الذي نعيشه الآن..
قضايا بحث فيها علماء النفس والاجتماع والأخلاق..والدين..الخ. واتفقوا بشان بعضها،واختلفوا بشأن بعضها الأخرى..لا يهم..!
ألم يقل الرسول(ص) استفت قلبك..؟!
وماذا يعني ذلك سوى ان تختار ما ترتاح إليه بقلبك-والقلب هنا حصيلة تجمع بين التفكير والعاطفة والتجربة ..-مكوّن الشخصية الإنسانية عموما-
الحفاظ على ما يتوافق –بنوع من المرونة والحركية القابلة للتغير بتوازن- أمر مرغوب فيه –إذا- وخاصة في الميادين التي تثير الغرائز البشرية..ومنها إغراءات الجسد..وربما جسد المرأة أكثر ..لما فيه من مكونات الإغراء للرجل،-ووفق تقاليد الشرق على الأقل- فإن الرجل هو الطالب والمرأة مطلوبة..!
لنتساءل مثلا -وأنا سأحاول ان أكون صريحا ومباشرا في بعض النقاط- على الرغم من الكتابة بعبارات الإيحاء الأكثر فتونا، ودغدغة للمشاعر، وإثارة للتخيل و ربما الجدل أيضا..!
بتقديري، كلها مفيد في تحقيق الاهتمام، وفي مسايرة الثقافة المتمدينة..ولكن الحياة جميعا أصبحت تخضع للمباشرة عبر الفضائيات التي تعرض –حتى العلاقات الجنسية بتفنن واقعي لحاجة المتعة طبيعيا،وتفنن تخيلي للتأثير والجذب للمشاهدين والمشاهدات خاصة من ذوي الأعمار غير الناضجة او الحالات التي تعاني انحرافا ما تربويا….!
فلما ذا نرغم أنفسنا على تجاهل هذه الحقائق، والالتفاف على المعاني لتوصيلها –ربما دون وضوح كاف-
لماذا اعتادت اغلب النساء “العصريات” الكشف عن نحورهن،أو  المجرى الفاصل بين النهدين-ولا أقول الثديين- لأن النهدين كلمة موحية في هذا المعنى أكثر من الثديين الذين يذكرانا مباشرة بالإرضاع..؟!
والإرضاع ليس موحيا بالرغبات  -اللهم إلا إذا قبلنا نظرية فرويد في الليبيدو بفهم شرقي محدود..!
ولماذا تلبس بعض “العصريات” ألبسة تجسد قسمات الجسد، وتبرزها بتكوينات مثيرة للرجل.. ليس في بيتها مع زوجها،بل مع كل الناظرين وفي كل مكان؟!
هل الأمر من مقتضيات الحال الطبيعية للمرأة..؟
آم أنها حالة انسياق مع الرغبة في إثارة اهتمام الرجل- سواء بقصد او تقليدا- فالنتيجة واحدة..؟!
نحن لا نعترض على رغبتها في إثارة اهتمام الجنس الآخر..ولكنا نتساءل..ما هو المقصد من هذه الإثارة..؟.
هل هو لفت انتباه يؤدي الى علاقة زوجية-وهذا أمر مشروع ومطلوب- ام هو لمجرد الإثارة؟”
.وهل هذه الإثارة بريئة، إشباعا لرغبة أنثوية طبيعية..أم أنها استدراج للجنس ألآخر وصولا الى علاقات تستثمر خارج المؤسسة الزوجية –سواء في الجانب الجنسي المباشر منه،او من جانب تسخير الجنس لغايات أخرى –مصلحة اقتصادية،مصلحة استخباراتية..الخ.
إنها –بتقديري أسئلة مشروعة،وتمس مصلحة المرأة قبل غيرها..فالمرأة –في حالتها الطبيعية –تتجه على أن تكون زوجا،وأما،إضافة الى موقعها كأخت وابنة..وغير ذلك.
ونحن -هنا – لا نبغي تجاهل  الحاجة إلى المستوى من التميز الجمالي والعلاقات الموحية بالإبداع  الأدبي والفني  المسؤول عبر الإلهام..او الملهم. بمعنى ما.
وهي قبل هذا وبعده،عضو اجتماعي مركزي بحكم وظائفها المذكورة، وخاصة وظيفة الأمومة.!
وكونها شريك في الحياة بتكافؤ-ولا نقول مساواة- فالمساواة كلمة مضللة –كما نرى. وتصح في الجمادات ،ويمكن استعارة معناها ،لكن هذه الاستعارة تترك إيحاءات مبهمة ومستثمرة سلبا أيضا.
والسؤال الذي قد يثار –وهو ايضا مشروع في سياقه الطبيعي-:أي الحالتين أهوى الى فؤادك..
المرأة ذات الزى العصري الكاشف عن بعض المفاتن،أم تلك التي تستر كل أجزاء جسدها؟!
أقول:
يتنازعني في هذا ،أمران :-الرغبة ..والتفكير.
فأما الرغبة فتنتشي وتتلذذ بالنظر إلى جماليات في جسد المرأة،ومفاتنها..وتدفعني الغريزة الى تقبل هذه الحال..والسعي لقطف ثمرتها اللذيذة.. والممتعة ماديا –جسديا غرائزيا..-
ولكن التفكير لا يتماشى مع الرغبة بالضرورة..فهو يحلل ويشخص ويختار ..ويجد في العلاقة بين الجنسين علاقة مرغوبة ومطلوبة وهادفة..والجانب الغرائزي فيه وظيفته التقريب بينهما، وإيجاد مادة نجمع  بينهما بحميمية ،إضافة إلى وظيفة التكاثر واستمرار النسل ومن ثم بناء حياة اجتماعية صحيحة العلاقات..هكذا فهمت معنى الغرائز بين الجنسين.
وبالتالي فإن العلاقة الأصح هي: في إشباع الرغبة في سياق العلاقة الزوجية..ومجاهدة الحالات الأخرى، والتي ينبغي ان يكون الجميع في حالة تعاون في هذا الاتجاه.
وطبعا لا نعني بذلك-أبدا –ان يفرض الرجل حالاته النفسية على المرأة ، كأن يفرض عليها أنواعا من التحجب يستجيب لرغبته..لا لمقتضيات القيم الاجتماعية المبنية على التفكير والوعي والإرادة..مثلا!
كما أننا لا نعني ان نحجز رغبة المرأة وحريتها في اختيار ما تراه –مسؤولة عنه- في الحياة الاجتماعية وفي النتائج جميعا –دينا ودنيا..!
لكننا نحاول ان نعرض وجهة نظر تكوّنت لدينا من خلال جماع المكونات الثقافية لحياتنا  عموما. ولا ندعي البراءة من الرغبات والميل إلى الشهوات …فنحن نفصل بين الرغبات والتفكير ونناجه..ولا ندعي العصمة.فقط نحاول دراسة.
ونختم بموقف فيه طرافة وفيه مغزى أيضا –وان تجاوزنا قليلا أدبيات الحديث- فأحيانا إيصال الفكرة تقتضي بعض تجاوز.
الطفلة في المهد ..كشفت عن جسدها –وكان عاريا- فنبه أحدهم والدتها إلى تغطيتها،فقالت: لا تنظر أنت ؟!

 وكان الرجل من أهل الدعابة -وصهر العائلة أيضا- فقال:يا فلانة..إذا صح للمرء فاتن ينظر إليه فلم يغض الطرف عنه..؟!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…