قراءة في معرض الفنانة التشكيلية سمر دريعي

بقلم :أحمد عكو

الطريق إلى صالة الخانجي بحلب بدعوة كريمة من إدارتها لحضور معرض الفنانة التشكيلية سمر دريعي كأنه امتداد لطرقات الجبل المتعرجة ’ يغمرني شعور قديم يرخي علي ظلالا وفيئا
من ذكريات قديمة  امتدت إلى فترة الستينات ’ عاموده وبيت الفنان التشكيلي  وعازف الناي المبدع  عبد الرحمن دريعي الذي كان يضج بالساهرين  ’ ينامون النهار ويسهرون الليل كله
على ناي عبد الرحمن وكمنجة محمد عزيز شاكر وجمبش آرام ..

سمر أججت فيّ ألف نار ونار  لكن نسائم لوحاتها الطرية طراوة الصحاري في ليالي عاموده الندية المتثائبة، غمرتني بالسعادة والنشوة .
انطلقت في لوحاتها  من نقطة بعيدة لتصل إلى شيء كان يشغل بالها  وهو البحث في أعماق النفس  متجاوزة بذلك الحقيقة المنظورة واتكأت على الحقيقة العلمية  في البحث عن العلاقة بين الجسد والطبيعة .كانت متصوفة قوية الإرادة ملكت نفسها  قبل أن تمتلك اللوحة  وأدواتها الصعبة .
في أعمالها تجد ثقافة بصرية رائعة  ’موهبة وذكاء ’مواكبة للتطور تتحرك في الاتجاهات الصحيحة .
كأنها تريد أن تقول أن المرأة هي الجمال كله ..هي والطبيعة توأمان ,ترسم الجسد وتحدد المسافة بين الوصل والرؤيا و تغسل وجوه شخوصها بالكثير من الحزن وتتراكم في عشق اللحظة وسر الغواية وكأنها تنثر البخور في شهوة بصرية بين درجات البنفسج وخجل التركواز,تقرب النور إليه بلمسة فرشاة حنونة وتمضي لتشكل في الجزء الأخير من الجسد ملامح من نكهة زنبقتها في عشق اللحظة .
حاولت أن أدخل إلى أعمالها كمن يبتلع شهقاته دون هرولة كي لا تفر مني,لمست الحزن الكثير والغربة الباردة , رغم المساحيق, على وجوه شخوصها, لمست الحلم الكبير وحكايا العشق والبكاء الذي نجهل أسبابه.قد تكون الحاجة إلى حنان مفقود .
 المرأة من منظار المرأة شيء لم نعتد عليه إلا قليلا ’ اقتربت نساؤها من النار لكن الماء قريب منها’ كأنها تريد أن تقول أن على المرأة القابضة على النار  أن تصنع عالما جميلا  ورجالا عظماء كما كان هناك رجل عظيم صنع مني فنانة وعازفة ومغنية وعاشقة قبل كل شيء .  الفنانة وصلت إلى سحرية اللوحة ’ لأنها بالطبع تملك تجريدات غنائية في غاية الدهشة , وتجيدها  أيضا لأنها درست الصولفيج الغنائي وصوتها رخيم و جميل .
 
استطاعت أن تسيطر في أعما لها على المساحة الكبيرة وتتلاشى في تفاصيل اللوحة العام ’ كأنها تذوب في أعمالها ’ حاولت أن تبني عوالمها الداخلية بحرية بناءاً حقيقياً وتتحرر شيئا فشيئا من الرسم .كما استطاعت أن توظف الخطوط الحرة  على سطح اللوحة ’وتختار اللقطة والموضوع بشكل صحيح .
درجات اللون رائعة تنساب بخطوط رشيقة تتعثر أحيانا لتصل إلى النهاية أنا واثق أنها ستتجاوزها في أعمالها القادمة لأنها متحمسة جداً للعمل .
وصلت إلى سحرية اللوحة بسيطرتها الكاملة على التوازنات الضوئية ولمسة الفرشاة السريعة والجريئة .
سمر مازالت عاقلة في الرسم لم تقتحم عالم التجريد أرى بأنها تدرك هذه المسألة وهي غير مستعجلة لأنها ستصل إلى هذه المرحلة بالجد والمثابرة .
ملونة بارعة ورسامة في الوقت نفسه لم تعتمد على الخطوط فقط  بل شطحت أحيانا من عقلانيتها  إلى عالمها الرومانسي الساحر .
الفنانة أبهجتنا مشكورة في بعض أعمالها وأدهشتنا في الأخرى  وإن كان هذا هو معرضها الأول والتي أرادت مسرعة أن تفرغ كل شحناتها الرائعة التي تأخرت في عرضها ’ لانشغالها كأم عظيمة بجميلين: مالفا  وجيان .
قدمت لجمهورها العزيز كل ما في جعبتها مشكورة مرة أخرى على أمل اللقاء بها في معارض أخرى ’ إنها موهبة واعدة .. انتظروها ..


فيما يلي بعض اللقطات من معرض الفنانة التشكيلية سمر الدريعي في صالة الخانجي للفنون بحلب
:

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس فيه حرفته. يجوب القرى، وربما…

مسلم عبدالله علي

بعد كل مناقشة في نادي المدى للقراءة في أربيل، اعتدنا أن نجلس مع الأصدقاء ونكمل الحديث، نفتح موضوعاً ونقفز إلى آخر، حتى يسرقنا الوقت من دون أن نشعر.

أحياناً يكون ما نتعلمه من هذه الأحاديث والتجارب الحياتية أكثر قيمة من مناقشة الكتب نفسها، لأن الكلام حين يخرج من واقع ملموس وتجربة…

أحمد جويل

طفل تاه في قلبي
يبحث عن أرجوحة
صنعت له أمه
هزازة من أكياس الخيش القديمة……
ومصاصة حليب فارغة
مدهونة بالأبيض
لتسكت جوعه بكذبة بيضاء
……………
شبل بعمر الورد
يخرج كل يوم …..
حاملا كتبه المدرسية
في كيس من النايلون
كان يجمع فيه سكاكرالعيد
ويحمل بيده الأخرى
علب الكبريت…..
يبيعها في الطريق
ليشتري قلم الرصاص
وربطة خبز لأمه الأرملة
………
شاب في مقتبل العمر
بدر جميل….
يترك المدارس ..
بحثا…

مكرمة العيسى

أنا من تلك القرية الصغيرة التي بالكاد تُرى كنقطة على خريطة. تلك النقطة، أحملها معي أينما ذهبت، أطويها في قلبي، وأتأمل تفاصيلها بحب عميق.

أومريك، النقطة في الخريطة، والكبيرة بأهلها وأصلها وعشيرتها. بناها الحاجي سليماني حسن العيسى، أحد أبرز وجهاء العشيرة، ويسكنها اليوم أحفاده وأبناء عمومته من آل أحمد العيسى.

ومن الشخصيات البارزة في مملكة أومريك،…