من أحمدكي بديويا إلى احمد كردي

عبد الرزاق الجنكو

  إلى جنة الفردوس بإذن الله تعالى يا أحمد
    فوجئت يوم الأحد الواقع في 19/7/2010 الساعة السادسة والنصف مساءاً بوفاة الأخ والصديق العزيز أحمد كردي، وتأكدت أنه توفي جرَّاء صدمة قلبية أو نزيف دماغي إلا أنه كان قد لُدغ من عقرب أودى بحياته، ومهما يكن الأمر فتعددت الأسباب والموت واحد .

    إلا أنني لم أشعر – كعادتي – بالحزن عند وفاة زملائي اللادينيين الذين يحاربون الإسلام جهلاً وعناداً .
    وقد يستغرب البعض لعدم حزني بسبب وفاة صديق وأخ عزيز من درجة أحمد ولكني أقول: على رسلكم فالحزن شديد لفراق أخي وصديقي ولكني في الوقت نفسه سعيد لأن فقيدنا من أهل الإيمان والإسلام والحمد لله على نعمة الإيمان، ولا أريد أن أطيل في هذه الصدد ، لأعود إلى العنوان ففيه أسرار وأمجاد !!

    لماذا أحمدكي بديويا ، وكيف أصبح أحمد كردي  ؟؟
    لقد مات أبوه – رحمه الله – وهو طفل صغير وعاش أحمدكي في ظل أمه الفقيرة والمحرومة – رحمها الله – ولكنه مع نعومة أظفاره انتفض وانطلق انطلاقة الأشبال رافضاً كل معاني الذلة، فراح يعمل في حقل الميكانيك مع المحركات العائدة إلى بيت أحمد اليوسف، بل وربما أي إنسان يملك قطعة ميكانيكية ، وكان سريع البداهة والذكاء حيث تعلم الصنعة وأصبح كمرجعية موثوق بها في مجال صنعته، يرجع إليه الناس في أوقات الضيق والحاجة، وراح يأكل من عمل يده منذ طفولته وأبى أن يذل نفسه فيعيش حياة التسول وانتظار الإحسان من الآخرين .
    ومنذ نشأته الأولى ورغم انتشار الأحزاب اللادينية إلتزم أخي أبو مزكين العقيدة الإسلامية الصحيحة، بعيداً عن خزعبلات بعض المتدينين الجهَّال، وبعيداً عن التنظيمات الدينية .
    بل إلتزم حب قومه وحارب السياسات الجائرة التي مورست بحق شعبه الكردي، وأعلن تأيديه للحزب الديمقراطي الكردي – التقدمي لاحقاً – وكان مغرماً بالأدب الكردي، وخاصة قصائد الشاعر الكردي الكبير جكرخوين فكان يحفظ الكثير من قصائده، وكنا نشنف آذاننا – أنا وأحمدكي عزيزو ، وأحمدكي طوريا –  بالاستماع إليه عندما كان يخلو بنفسه في عريشته لا يمنعه هدير المحركات من التغني بتلك القصائد، ولا تمنعنا من الاستماع إليه بشوق وشغف، وخاصة تلك التي تدعو إلى تحرير الفلاح من ظلم الاقطاع واستغلال بعض رجال الدين.
     كما أن أحمد منذ صغره استنكر اسم (أحمدكي بديويا) وأكد أنه ينتمي إلى ركن عظيم يحفظ له كرامته وإباءه، فلئن كان أبوه رجلاً فقيراً مغموراً، فإنه ابن للشعب الكردي العظيم، وأصر أنه (أحمد كردي) بدل تصغير اسمه أحمدكي وربطه باسم أمه المصغر بديويا ، وكان ذلك عن وعي وإصرار منه رحمه الله .
    وعاش عيشة عصامية، حيث تزوج بجهوده الخاصة وعمل على مساعدة أخيه في تزويجه، وربى أولاده تربية أخلاقية بعيداً عن الميوعة، وبإصرار لا يلين علمهم حتى تخرج ابنه مزكين، وفتح له بعد تخرجه صيدلية .
كان رحمه الله تعالى رحمة واسعة جامعاٍ للحسنات ، فهو :
مسلم دون طائفية فكان له أصحاب من المسيحية واليزيدية .
مسلم بالتزام فكان يؤدي صلواته دون هوادة او انقطاع، وكان صواماً لشهر رمضان .
وهو قومي كردي دون عصبية فكان محباً لمن حوله من إخوته العرب ومحبوباً إليهم ، وهو عزيز النفس دون تذلل أو إهانة ودون ترفع أو استكبار .
وهو متعلم ومعلم لأبنائه ومشجع أبناء جيرانه على طلب العلم والأدب .

    فعليك من الله شآبيب الرحمة والرضوان يا عزيزي أحمد يا أبا مزكين يا من جمعت بين الحسنات ولم تفرِّط في شيء منها، وأرجوا أن تكون من الذين قال الله فيهم : ( أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ) .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…