عرس البوم(1)

دلوفان جتو
ترجمة: صبري رسول

نادَى الملِكُ وزيرَه سائلاً منه:
ما هي أحوال هذه البلاد؟ وما الجديدُ فيه؟ يا ترى هل الشعبُ راضٍ عني؟ وماذا يقول عني؟. لكن قبل أنء تُجِيبَ عن سؤالي، أعرفُ ماذا ستقول، لم أسمعْ ذاتَ يومٍ أنَّ أحداً أبدَى عدمَ رِضَاه، وأعتقدُ أنَّه لم يبقَ أحدٌ جائعاً، لأنَّني أعرفُ أنَّ الخيرَ وفيرٌ، كوفرتِهِ في قصري هذا.

كانَ الوزيرُ المسكينُ يرغبُ في قولِ الحقيقةِ التي يراهَا بعيْنَيه، لكن….
كان هناك في المدينة شخصية ثرية، تاجرٌ كبيرٌ، قدْ أقامَ وليمةً للمَليكِ ولحاشيَتِهِ، أخذَ الملِكُ مع حاشيتِهِ المرافقةِ عدداً من الفرسانِ، واتّجَهَ إلى منزلِ التَّاجرِ. مرّوا في طريقهم بقريةٍ خربةٍ، مهجورةٍ، حيثُ الطَّريقُ تُنصِفُ القريةَ.
على يمينِهم كان سربٌ من البوم قد حطَّ على منزلٍ مهجورٍ، وفي الجانبِ الأيسرِ كان ثمّةَ سربٌ آخر. وصل الملِكُ و مرافقُوهُ إلى محاذاةِ البومِ، وصلَ إلى مسامعِهم صوتُ البومِ على يمينهم، فقال رجلٌ من المرافقِين: انتظروا ! لحظة من فضلكم، فأنّي أفهمُ من هذا البومِ. وأعرفُ لغتَهُم.
عندما سمِعَ الملكُ كلامَ الرَّجُلِ، رفعَ يدَيْهِ قائلاً: انتظروا !
وبعدَ انتهاءِ البومِ منْ كلامِهم سَأَلَ الملِكُ ذلك الرَّجلَ: ماذا قالَ هذا البومُ؟
فقال الرَّجلُ: يا سيدي! يبدو أنَّ البومَ الذي على اليمين جاؤوا إلى حَرَمِ بيتِهِم لخطوبةِ عروسٍ من البومِ على اليسارِ. فسَأَلَ المَلِكُ: إذاً، ماذا يقولُ البومُ ذاك؟ فأصدر الرفُّ الثَّاني نعيقهم عالياً.
قال الرجل: إنَّ البومَ الأيسرَ يرحّبُ بالأيمنِ قائلاً: أهلا وسهلاً بكم. فقال البومُ على اليمينِ : لو سمحْتُم من فضلِكُم أنْ تحدِّدُوا لنَا مَهْرَ عروستِنَا.
فردَّ البومُ، من طرفِ العروسِ: مهْرُهَا أربعون قريةً خربةً مهجورة، فأسرَعَ الملكُ في القولِ: انتبهْ جيداً، ماذا سيردُّ الآخرُ؟
قال البومُ من طرفِ العريس: لقد قبلْنَا بالشَّرطِ، فسَأَلَ أهلُ العروسِ باستغرابٍ: كيفَ تستطيعونَ تأمينَ أربعين قريةً خربة؟
صاحَ أحدُهُم من رفِّ العريس: بفضلِ الله، وفضلِ ما يفعله الملك، فإذا طلبْتُم أربعين قريةً خربةً، نستطيعُ دَفْعَ خمسين قريةً وأكثر، مهراً لعروستِنَا.
تسمَّرَ الملِكُ مندَهِشَاً، متعجّباً، وقال: ماذا يقصدُ البومُ يا ترى؟
فقال الرجلُ للملكِ: يا سيدي أنتَ المقصودُ من كل هذا الكلام.
هنا بدَأَ الملِكُ بالنَّحيبِ والعَويلِ، ضارباً رأسَهُ بكفِّ النَّدمِ، قائلاً: حتى البوم يعرفُ أنِّي أخرّبُ وأهدم هذِهِ البلاد!
لكنْ، سأقطعُ وعْدَاً على نفْسِي أمامَ الله، بأنِّي لنْ أظلمَ أحدَاً بعدَ اليومِ، سأقومُ ببناءِ وتعميرِ ما تمَّ تدميرُهُ.
عرس البوم(1): قصة مترجمة من الكردية عنوانها(Daweta kunda)، تصلح للفتيان والكبار.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مروان شيخي

المقدّمةُ:

في المشهدِ الشِّعريِّ الكُرديِّ المعاصرِ، يبرزُ الشاعرُ فرهادُ دِريعي بوصفِه صوتاً خاصّاً يتكلّمُ من عمقِ التجربةِ الإنسانيّةِ، لا بوصفِه شاهداً على الألمِ فحسبُ، بل فاعلاً في تحويلِه إلى جمالٍ لغويٍّ يتجاوزُ حدودَ المكانِ والهويّةِ.

ديوانُه «مؤامرةُ الحِبْرِ» ليسَ مجرّدَ مجموعةِ نصوصٍ، بل هو مساحةٌ روحيّةٌ وفكريّةٌ تشتبكُ…

غريب ملا زلال

سرمد يوسف قادر، أو سرمد الرسام كما هو معروف، عاش وترعرع في بيت فني، في دهوك، في كردستان العراق، فهو إبن الفنان الدهوكي المعروف يوسف زنكنة، فكان لا بد أن تكون حياته ممتلئة وزاخرة بتجربة والده، وأن يكتسب منها بعضاً من أهم الدروس التي أضاءت طريقه نحو الحياة التي يقتنص منها بعضاً من…

أحمد مرعان

في المساءِ تستطردُ الأفكارُ حين يهدأ ضجيجُ المدينة قليلًا، تتسللُ إلى الروحِ هواجسُ ثقيلة، ترمي بظلالِها في عتمةِ الليلِ وسكونِه، أفتحُ النافذة، أستنشقُ شيئًا من صفاءِ الأوكسجين مع هدوءِ حركةِ السيرِ قليلًا، فلا أرى في الأفقِ سوى أضواءٍ متعبةٍ مثلي، تلمعُ وكأنها تستنجد. أُغلقُ النافذةَ بتردد، أتابعُ على الشاشةِ البرامجَ علّني أقتلُ…

رضوان شيخو

 

ألا يا صاحِ لو تدري

بنار الشوق في صدري؟

تركتُ جُلَّ أحبابي

وحدَّ الشوق من صبري.

ونحن هكذا عشنا

ونختمها ب ( لا أدري).

وكنَّا (دمية) الدُّنيا

من المهد إلى القبر..

ونسعى نحو خابية

تجود بمشرب عكر..

أُخِذنا من نواصينا

وجرُّونا إلى الوكر..

نحيد عن مبادئنا

ونحيي ليلة القدر

ونبقى…