علاء الدين عبد الرزاق جنكو
في كل عام يقترب شهر رمضان من نهايته يثار جدل فقهي بين علماء المسلمين يدور موضوعه حول زكاة الفطر ، هذا الجدل الفقهي كثير ما يضع الناس في حيرة من أمرهم ، لا سيما وأن أطراف الجدال يخطئ كل طرف الآخر ، ولا يترك له بصيص أمل في جواز رأيه !!
زكاة الفطر يخرج قيمة أم عيناً ؟
سؤال مهم يبينه ما يلي :
– أن زكاة الفطر واجب على المسلمين جميعاً من غير استثناء .
– أن زكاة الفطر مرتبط بفريضة أخرى وهي الصيام ، فحرص المسلمين عليها أكثر من غيرها .
وقبل بيان ما نراه – حسب رأينا – صواباً لا بد وأن نبين بعض الملاحظات :
1 – اختلف العلماء في سبب تسمية زكاة الفطر بهذا الاسم ، فبعضهم قال : أضيف الزكاة إلى الفطر لأنها تجب بالفطر في رمضان ، وقال ابن قتيبة : وقيل لها فطرة لأن الفطرة الخلقة ، قال تعالى : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) أي جبلته التي جبل الناس عليها ، وهذه يراد بالصدقة عن النفس والبدن كما كانت الأولى عن المال فقط .
2 – وأما الحكمة من زكاة الفطر فقد بينها بعض الأحاديث والآثار الشريفة ، مثل ما رواه أبو داوود عن ابن عباس رضي الله عنه قال : فرض رسول الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، وفي رواية نافع عن ابن عمر ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر 000 وقال : فكان يأمر أن يخرج قبل أن يصلى فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه بينهم ، وقال : أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم .
إذن الحكمة من زكاة الفطر والمقصد منه هو إغناء الفقراء عن الطلب والطواف يوم العيد ، حتى يمر الفقراء بالعيد وهم يشاركون إخوانهم المسلمين الفرحة والسعادة بعدم تفكيرهم فيما حرموا منه في يوم يفرح فيه جميع من حوله !
عودة للسؤال كما يعود المجتمع إليه في كل عام ، فقد اختلف العلماء الأجلاء أصحاب المذاهب في هذه المسألة على قولين : فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز إخراج القيمة ، بل لابد من إخراج عين الطعام ، أما الحنفية فذهبوا إلى جواز إخراج القيمة بدلاً من عين الطعام .
واحتج كل فريق بمجموعة من الأدلة ، فالمذهب الأول الأساس في قولهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه أنه أخرج القيمة بدلاً من الطعام مع القدرة عليه ، وأما المذهب الثاني فأساس قولهم هو الحكمة التي من أجلها شرعت وفرضت زكاة الفطر والمستنبطة من الأحاديث النبوية الشريفة .
ولم يسلم العلماء المعاصرون من هذا الانقسام أيضاً فبعضهم قال بالرأي الأول والبعض بالرأي الثاني .
وبالنظر في مناقشة الأدلة والتفصيل فيه وما رد كل فريق على أدلة الفريق الآخر – كما فصّل ابن قدامة رحمه الله في عرض القولين ورجح مذهبه مع الجمهور ثم ردّ على أدلة الحنفية ردوداً غير قوية .
ومن خلال فهمنا لنصوص الشرع ورسم مقاصدها على أرض الواقع نقول في هذه المسألة – والله أعلم بالصواب – أن رأي الحنفية أكثر موافقة لظروف الناس في هذه الأيام ، وأكثر تحقيقاً لحكمة مشروعية زكاة الفطر ، ومن المعلوم أن الفقير أول ما يؤمن لنفسه ولعياله قوت سنة كاملة ، وغالباً ما يبقى النقص في هذه الأيام في أمور أخرى كالملابس والأحذية ومستلزمات العيد ، والتي بفقدانها يكون الفقير أكثر حرجاً من عدم وجود الطعام في بيته !!
ثم أن القيمة مال ويقوم مقام الطعام تماماً فلو قلنا جدلاً أن الفقير لا يملك طعاما فبالقيمة يمكن شراء الطعام أو غيره حسب حاجته ، وكم أتعجب ممن يعلم أن الفقير لا يحتاج إلى الطعام لكنه يقترح بأن يأخذ الفقير الطعام ويبيعه ثم ليشتري ما يحتاج إليه !!
والنقص الذي حصل في ثمن هذه السلعة المباعة من أحق بها الفقير أم التاجر الغني ؟!
ومما يؤكد هذا القول هو قياس زكاة الفطر على زكاة المال الذي ورد فيه أدلة ثابتة بجواز دفع العروض بدلاً من عين المال ، ويبقى للقول الأول أن يرفض هذا القياس بحجة عدم جوازها في العبادات ، والسبب هو أن العبادات غير معللة ، وبالتالي القياس باطل .ولكننا نقول : نعم الزكاة عبادة ولكنها ليست ككل العبادات فهي معللة وحكمة مشروعيتها واضحة وظاهرة بينتها الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة .