ولكن الرواية الأولى لم تكن طفرة كما اعتقد البعض بل كانت بداية تجربة روائية تستفيد من كل الأجناس الادبية وتطلق العنان لمخيلة روائية مدهشة فكانت الرواية الثانية ” ثلاث خطوات ومشنقة ” 2007 و” ميرنامه: رسالة الأمير “2008 . بالإضافة إلى الكردية بلهجاتها المتعددة يجيد كاتبنا العربية والفارسية أيضا.
هنا حوار معه :
البدايات أقصد بداية اكتشاف اللغة الكردية وصعوبات الكتابة بلغة ممنوعة؟
تنشقت رائحة الحرف العربي لحظة ولادتي. ولدت في غرفة تعبق بأنفاس الإمام الشافعي والغزالي وسيبويه وابن هشام في سيرته النبوية وغيرهم كثيرون ممن كان والدي يقتني مؤلفاتهم بحكم مرتبته الدينية. كان والدي ملا يعني رجل دين باللغة الكردية. وكان يواظب على مطالعة كتب في الفقه الإسلامي والمنطق الأرسطي والنحو والصرف. لكنني لم أجده يوماً واحداً يقرأ كتاباً كردياً!! تتلمذت على يديه وتلقيت المبادئ الأولية في الفقه واللغة العربية. كان شقيقي الأكبر مني يحوي كتباً يحافظ عليها ويخفيها عن الأعين. يقرأ منها أشعاراً باللغة الكردية ثم يعود ليخفي تلك الكتب وأحياناً في باطن الأرض! اكتشفت أن كتب أخي خطيرة بخلاف كتب والدي التي يضعها على الرفوف وراء واجهات زجاجية أنيقة. أدركت بالرغم من طفولتي أن كتب أخي لا بد وأنها تستحوذ على سر ما. دفعني الفضول الطفولي ذات يوم إلى معرفة مكمن الكتب الممنوعة وقرأت من أحدها قليلاً وما إن لمحني أخي حتى خطف الكتاب من يدي وأخفاه بسرعة وهو يقول: لا تعد إلى ذلك مرة أخرى.
لماذا لم تكتب مثل الكثيرين من أقرانك باللغة العربية؟
كتبت باللغة العربية. كانت اللغة العربية مطيتي إلى كشوفاتي في عوالم الأدب. لكنني لم أنشر شيئاً. آثرت أن يكون الإبداع الذي أجترحه بلغة أمي وأبي. لكنني بقيت وفياً للغة العربية في مضمار آخر وهو البحث الأدبي والترجمة. أعشق اللغة العربية وأنا مدين لها إلى الأبد.
بدأت بالشعر ثم انتقلت الى الرواية لماذا ؟
كثيراً ما طرح علي هذا السؤال وأنا أرد بكل صراحة أنني لم أستطع خلق عالم شعري خاص بي. لم أتمكن من إضافة شيء إلى فن الشعر الذي أعتبره(وليعذرني الشعراء) فناً عجوزاً. لكن لغتي الشعرية طاغية في أعمالي الروائية. هناك كثيرون من النقاد والقراء يقولون إننا نقرأ روايات جان دوست وكأنها قصائد طويلة! طبعاً هذا يسرني لأنني أحمل جذوة الشعر وأنفخ عليها في لغتي الروائية كي تتوهج أكثر. لا يمكن أن أكتب بلغة جافة. لا بد من الشعر فهو على حد قول جان كوكتو (ضرورة وآه لو أعرف لماذا؟).
هل لأن الشاعر روائي مؤجل؟
لا.. ليس بالضرورة أن يكون كل شاعر روائياً مؤجلاً. أنالم أكن أتصور أنني سأصبح روائياً. كنت مهووساً بالشعر, لم يبق ديوان شعر عربي بدءاً من المعلقات وانتهاء بالشعر المعاصر لم أقرأه. قرأت الشعر الفارسي والكردي أيضاً وتصورت أنني سأصبح شاعراً يشار إليه بالبنان في كل محفل. لكنني في النهاية فشلت في الشعر. فنقلت كل قاموسي ومفرداتي و(ممتلكاتي) الشعرية إلى الرواية. يمكن أن تعتبرني شاعراً منفياً إلى وطن الرواية.
ما سر ذلك؟
ربما لأن الشعر لم يشبعني! يعني ليس فقط الفشل في الشعر هو الذي دفعني إلى الرواية بل العوالم الروائية ذاتها بما فيها من أفكار وتقنيات وحتى متعة الكتابة الروائية التي أنخرط فيها فأغيب عن العالم طيلة مدة الكتابة.
المشهد الروائي الكردي كيف يمكن أن تصفه للقراء العرب؟
هذا السؤال تصعب الإجابة عليه خاصة أن الوطن الكردي أشلاء وبالتالي فالرواية الكردية أشلاء. باختصار يمكنني القول أن هناك نهضة روائية منذ أعوام التسعينيات ومستمرة إلى الآن. وقد يكون من نصيب القراء العرب أن يطلعوا على نماذج من الرواية الكردية المعاصرة عبر مشروع كلمة للترجمة الذي تتبناه هيئة أبو ظبي. هناك على الأقل ثلاث روايات ترجمت إلى العربية تنتظر الصدور. ما يمكنني قوله في هذا المجال هو أن الرواية الكردية متعثرة بحجر الأيديولوجيا والهم القومي. باستثناء قلة قليلة من الروايات التي تعالج حالات إنسانية محض.
إن خاني صدفة جوهر العرفان ولكن واأسفاه
ما الذي سيفعله الكاتب إن لم يكن ثمة قارئ للمتون!!
كما أن الشاعر الجزري وهو سابق على الخاني كان ينبه في عديد من قصائده إلى قوة شعره حتى أنه ادعى أن قصائده معجزات.
إذاً نحن أمام حالة من (عرض العضلات) لدى المبدع الكردي في غياب تجربة نقدية حقيقية. ما قلته جاء في سياق الشكوى من عدم وجود النقد الذي لا بد منه لتمييز الخبيث من الطيب. قلت حرفياً : إن رواياتي تستحق جوائز أدبية. وجاء ذلك كرد فعل على عدم الاهتمام وضعف مستوى القراءة لدى الأكراد. أستطيع القول إن كل رواية من رواياتي حين تصدر تلقى صدى حسناً ويحقق الناشر الذي ينشرها مستوى مبيعات جيدة جداً بالمقارنة مع غيري من الكتاب. ومع ذلك فإنني ألاحظ ثغرات كثيرة في طريقة توزيع الكتاب ونشره والترويج له. أضطر لعمل دعاية ويبدو كأنني أعمل بالنيابة عن شركة تسويقية. على كل حال لي رواية ستنشر عن دار كلمة التي أشرت إليها في سياق هذا الحوار (رواية ميرنامه- سيرة شاعر) ويستطيع القارئ العربي والناقد العربي أن يحكما على مدى جودة هذا العمل الأدبي. الكاتب الكردي مغبون ومحاصر ليس فقط من قبل السلطات الحاكمة في بلاده بل من قبل أهل اللغة الكردية نفسها.
يحضر الجانب التاريخي بقوة في رواياتك. روايتك الأولى (ﻤﮊآباد) تدور حول قيام جهورية مهاباد الكردية في كردستان إيران وانهيارها وروايتك الثانية تدور حول ثورة الشيخ سعيد بيران إحدى أكبر الثورات الكردية في كردستان تركيا و في ميرنامة(رسالة الأمير) تتناول جانبا من تجربة وحياة الشاعر الكردي الكبير أحمد خاني صاحب ملحمة مم و زين المعروفة، لماذا كل هذا الشغف بالتاريخ ؟
في مسارب التاريخ أبحث عن لغز. لغز سبب كل هذا الظلم لشعب دافعت عنه الجغرافيا وظلمه التاريخ. شغفي بالتاريخ جزء من الأخذ بالثأر. أنا أثأر من هذا التاريخ الأسود فأفككه في رواياتي. أبحث في كل زاوية منه عن حلقة مفقودة وأعثر على كم هائل من الوثائق التي تدين التاريخ كحركة إلى الأمام. شغفي بالتاريخ ليس مرده إلى النوستالجيا. فأنا لا أدعي أننا عشنا عصوراً ذهبية غابرة بل على العكس. أعود إلى التاريخ لأقرأ الواقع على ضوئه وأحاول رسم طريق المستقبل. وما أكتشفه خلال عودتي إلى الوراء أبثه في ثنايا رواياتي. نقطة أخرى تدعوني إلى كتابة الرواية التاريخية وهي أن تاريخ الكرد لم يكتبه الأكراد أنفسهم بالرغم من أنهم كانوا مادة فعالة في رسم مساراته في الشرق وحتى في الغرب أيام الصليبيين! أحاول أن أكتب تاريخا مغايراً للمألوف وربما صادماً في بعض الأحيان. لا أريد أن أجعل من التاريخ مشجباً أعلق عليه فشل الأمة الكردية في التوحد والعيش بكرامة كما يفعل الكثيرون إنما أنظر إليه بصفته باباً ألج منه إلى ميادين لم يطأها قبلي كردي آخر. يسوءني مثلاً أن أرى الكرد يعزون سبب فشل انتفاضة الشيخ سعيد التي أشرت إليها في سياق سؤالك إلى خيانة فردية. هذه قراءة خاطئة للتاريخ لا يمكن أن يصححها إلا المبدع في رواية تستكمل شروط الإبداع وتدرس كل الملفات المتعلقة بتلك الانتفاضة التي كانت تلك الخيانة جزءاً من أسباب سقوطها وليست السبب الوحيد.
أعدت ترجمة ملحمة مم و زين التي سبقك الى ترجمتها العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، هل كانت الترجمة الأولى ناقصة أم ماذا؟
هل استطاعت الرواية الكردية مجاراة الروايات العربية والتركية في الاستفادة من المنجز الروائي العالمي؟
الرواية الكردية الآن تتقدم بخطوات ثابتة وكبيرة إلى الأمام. وأستطيع أن أجيبك بكل ثقة بكلمة نعم، نعم لقد استطاعت الرواية الكردية في السنين الأخيرة مجاراة الروايات العربية والتركية في الحدود الدنيا طبعاً. لا أدعي أن الرواية الكردية معافاة تماماً فهي ما تزال تقاوم بل ما تزال في مرحلة المخاض. لكن ما أنجزه الروائيون الكرد بالرغم من قلتهم شيء يبشر بالخير. المشكلة أن الروائي الكردي بخلاف الروائي العربي والتركي وغيرهما، لا يمكنه الاطلاع على المنجز الروائي العالمي كما سميته في سؤالك إلا عبر لغات وسيطة. لم أقرأ روايات شولوخوف وهيغو وميلان كونديرا وكازانتزاكيس وباولو كويلهو وغيرهم إلا باللغة العربية. هذه مشكلة كبيرة تؤثر على فاعلية المخيلة الروائية لدى الروائي الكردي. أن تقرأ بلغة وتكتب بلغة أخرى.أنجزت ترجمات مهمة من الكردية إلى العربية. كيف تصف لنا حركة الترجمة الى اللغة الكردية سواء من العربية أو من اللغات الأخرى في ظل تنامي الاهتمام بالترجمة على مستوى العالم ؟
الترجمة إلى اللغة الكردية ضعيفة جداً بسبب غياب الدعم المادي. حركة الترجمة لدى الشعوب تقوم بها مؤسسات مختصة ولا يمكن للمجهود الفردي القيام بعمل هام في هذا المجال. المؤسسات الكردية تقوم بجهود خجولة في هذا النطاق وليست هناك سياسة ترجمة او استراتيجية ترجمة ممنهجة. الترجمة امتحان لقدرة اللغات واللغة الكردية لم تنجح حتى الآن في هذا الامتحان العسير. القليل من الروايات والقصص ترجم من اللغات الأخرى إلى الكردية وهذا بالطبع لا يفي بالغرض. حتى ترجمة النتاجات من اللغة الكردية إلى لغات الأمم الأخرى تعاني ضعفاً شديداً. مؤخراً قبلت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث مشروع كلمة مشكورة ترجمة بعض النتاجات الكردية إلى اللغة العربية وهذا سيؤدي بلا شك إلى التعرف على الشعب الكردي الذي يعيش منذ انتشار الإسلام مع جاره العربي ويقاسمه الأرض والتاريخ والمعتقد.
إذا اعتبرنا ما ينجزه أمين معلوف أدباً عربياً وما ينجزه ميلان كونديرا بالفرنسية أدباً تشيكياً….إلخ فإننا سنعتبر ما ينجزه الأدباء الأكراد بلغات أخرى غير الكردية أدباً كردياً. وإن شئنا أن نبحث للأدب عن هوية، فلا بد من أخذ اللغة بعين الاعتبار. في اعتقادي أن هذه الإشكالية باتت من الأمور والقضايا التي تم حسمها في عالم الأدب. اللغة هي الأساس في تحديد هوية المولود الأدبي.
لا شك أن كل مبدع معجب ضمنياً بشكل أو بآخر بما يكتبه. وأنا لا أشذ عن هذه القاعدة. النرجسية موجودة منذ القديم عند الشعراء الكرد وغير الكرد وأرى أن عدم الاهتمام الذي يلقاه الكاتب الكردي يدفعه إلى تقييم تجربته ذاتياً والترويج لنفسه. وقديماً قال شاعرنا العظيم أحمد خاني في قصيدة له:إن خاني صدفة جوهر العرفان ولكن واأسفاهما الذي سيفعله الكاتب إن لم يكن ثمة قارئ للمتون!!كما أن الشاعر الجزري وهو سابق على الخاني كان ينبه في عديد من قصائده إلى قوة شعره حتى أنه ادعى أن قصائده معجزات. إذاً نحن أمام حالة من (عرض العضلات) لدى المبدع الكردي في غياب تجربة نقدية حقيقية. ما قلته جاء في سياق الشكوى من عدم وجود النقد الذي لا بد منه لتمييز الخبيث من الطيب. قلت حرفياً : إن رواياتي تستحق جوائز أدبية. وجاء ذلك كرد فعل على عدم الاهتمام وضعف مستوى القراءة لدى الأكراد. أستطيع القول إن كل رواية من رواياتي حين تصدر تلقى صدى حسناً ويحقق الناشر الذي ينشرها مستوى مبيعات جيدة جداً بالمقارنة مع غيري من الكتاب. ومع ذلك فإنني ألاحظ ثغرات كثيرة في طريقة توزيع الكتاب ونشره والترويج له. أضطر لعمل دعاية ويبدو كأنني أعمل بالنيابة عن شركة تسويقية. على كل حال لي رواية ستنشر عن دار كلمة التي أشرت إليها في سياق هذا الحوار (رواية ميرنامه- سيرة شاعر) ويستطيع القارئ العربي والناقد العربي أن يحكما على مدى جودة هذا العمل الأدبي. الكاتب الكردي مغبون ومحاصر ليس فقط من قبل السلطات الحاكمة في بلاده بل من قبل أهل اللغة الكردية نفسها. في مسارب التاريخ أبحث عن لغز. لغز سبب كل هذا الظلم لشعب دافعت عنه الجغرافيا وظلمه التاريخ. شغفي بالتاريخ جزء من الأخذ بالثأر. أنا أثأر من هذا التاريخ الأسود فأفككه في رواياتي. أبحث في كل زاوية منه عن حلقة مفقودة وأعثر على كم هائل من الوثائق التي تدين التاريخ كحركة إلى الأمام. شغفي بالتاريخ ليس مرده إلى النوستالجيا. فأنا لا أدعي أننا عشنا عصوراً ذهبية غابرة بل على العكس. أعود إلى التاريخ لأقرأ الواقع على ضوئه وأحاول رسم طريق المستقبل. وما أكتشفه خلال عودتي إلى الوراء أبثه في ثنايا رواياتي. نقطة أخرى تدعوني إلى كتابة الرواية التاريخية وهي أن تاريخ الكرد لم يكتبه الأكراد أنفسهم بالرغم من أنهم كانوا مادة فعالة في رسم مساراته في الشرق وحتى في الغرب أيام الصليبيين! أحاول أن أكتب تاريخا مغايراً للمألوف وربما صادماً في بعض الأحيان. لا أريد أن أجعل من التاريخ مشجباً أعلق عليه فشل الأمة الكردية في التوحد والعيش بكرامة كما يفعل الكثيرون إنما أنظر إليه بصفته باباً ألج منه إلى ميادين لم يطأها قبلي كردي آخر. يسوءني مثلاً أن أرى الكرد يعزون سبب فشل انتفاضة الشيخ سعيد التي أشرت إليها في سياق سؤالك إلى خيانة فردية. هذه قراءة خاطئة للتاريخ لا يمكن أن يصححها إلا المبدع في رواية تستكمل شروط الإبداع وتدرس كل الملفات المتعلقة بتلك الانتفاضة التي كانت تلك الخيانة جزءاً من أسباب سقوطها وليست السبب الوحيد.