غالبا –في المجتمعات المتخلفة- لا استجابة للتغير والتطور

محمد قاسم “ابن الجزيرة “
m.qibnjezire@hotmail.com

من خصائص المجتمعات المتخلفة عموما –مهما كانت التسمية:نامية-محافظة-..الخ. أنها تحاول الوقوف في وجه التغير…

 بتأثير ثقافة جامدة جمّدت العقول والنفوس. فأصبحت هذه الثقافة الجامدة تابعة للماضي في الغالب؛ وكأن الماضي فقط هو الصحيح.ربما لما يتركه الماضي من هالة عبر الحالة التراثية-وخدمتها لغايات مختلفة – تخدم مصالح نخب دينية وسياسية واجتماعية..فضلا عن الميل الى الدعة والراحة كسمة للنفس البشرية عموما.
ومع أن دورة اليوم خلال أربع وعشرين ساعة تتجدد، ودورة القمر خلال شهر تتجدد، والكرة الأرضية نفسها تدور كل سنة مرة…!
والأحداث الطبيعية لا تكون دائما كما هي على وتيرة واحدة فيها…
 لكن هذه المجتمعات -خاصة النخب القيادية فيها- لا تشعر،أو لا تريد أن تشعر بكل هذا …!
أما دلالات التغير في الطبيعة وانعكاساتها على الحياة الاجتماعية في جميع جوانبها،   والتي يمكن للمرء العاقل-بسهولة –أن يستنبط ما فيها.فلا تحظى بالأهمية المفترضة لدفع المجتمع نحو مقتضيات  هذا التغير والتطور…. لماذا؟
الأمر -بتقديري- بسيط.. الغريزة الجمعية المسماة لدى بعض علماء النفس بغريزة القطيع تفوّت عليهم التأمل، والتحليل، ومن ثم الاستنباط.و لملمة الجميع في مجرى يؤدي الى تبني مواقف وقرارات تقتضي تغييرا في العادات والسلوكيات ،وجهدا نفسيا وماديا.
في كل مجتمع –تسود عادة- مفاهيم وقيم ومنهج للتفكير -كنتيجة لظروف حياتهم الطبيعية والاجتماعية ونمط التعليم..-أو لنقل كنتيجة لنمط التربية  السائدة.(التربية كمفهوم  أشمل).
والتربية هي البيئة التي تشكل الحاضن لممارسة الثقافة الاجتماعية بكل نواحيها.
فالنمط التربوي-أو نمط التربية السائدة- والذي يقل فيه العلم بمفاهيمه الموضوعية، ومنهجه المنطقي –النظري والعملي (التطبيقي) يكون أقرب إلى ذلك النمط  من التفكير الذي أسماه أوغست كونت  بـ”النمط  اللاهوتي”-الحالة اللاهوتية- ويعني:
“تعليل الظواهر بالقوى الغيبية”.
أو “النمط  الميتافيزيقي”-  أو الحالة الميتافيزيقية- والذي”يعتمد عللا ذاتية يتوهمها في باطن الأشياء”.
وكما هو ملاحظ ،ففي الحالتين يكون التعليل غير منطقي، ولا يُستمد من  الواقع. بخلاف “النمط الوضعي”أو “الحالة الوضعية” حيث يصبح المنهج العلمي-التجريبي الذي يعتمد الملاحظة والتجريب بديلا عن الخيال والبرهان  العقلي المحض-النظري.والذي اعتمده العقليون والمتدينون -مع فارق طبعا- فالمتدينون يرون الوحي رديفا-على الأقل- أو سابقا على العقل.
ونحن لا نريد أن نبحث فلسفيا -بالمنهج الصارم للفلسفة-؛ بقدر ما نريد أن نستفيد من جهودها في إنتاج الأفكار والمصطلحات التي تسهل علينا وعي الحياة، والموضوعات المطروحة –و موضوعنا هنا- هو:
 الموقف من التغير والتطور في المجتمعات الإنسانية.
بعضهم يطلق اسم “عبدة القديم” –أو الماضي- على هذه الحالة.
في اللغة الكردية “kevinperist” ( Kevin ،قديم و perist ، عابد- و kevinperistê عبادة القديم.
 وهي تسمية تبدو مقبولة في مجملها.
فمثلا ،على صعيد الحالة النفسية-أو الجانب النفسي في حياة الناس- معروف أن الشيخ يحن إلى شبابه ،و السجين يشعر بالشوق إلى أيامه التي كان فيها طليقا،و كل إنسان يحن إلى لحظات طيبة مر فيها خلال حياته ” عبر الزمان”..!
هذا طبيعي؛ مادام مجرد شعور نفسي يعيش ذكريات مضت في لحظات استرخاء وتداعيات.

أما أن نحنّ إلى ذلك الماضي الذي لم يعد يوافق الحاضر إلا في حدود الذكريات، متجاهلين المستجدات في الحاضر -وهي ممتعة ومفيدة- وان اقتضى تغييرا في بعض آليات التفاعل فكريا وسلوكيا –أي الحاجة إلى حيوية – فهذا الحنين أشبه بمرض في الإدراك والشعور.!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

كانت الورشة ساكنة، تشبه لحظة ما قبل العاصفة.

الضوء الأصفر المنبعث من المصباح الوحيد ينساب بخجل على ملامح رجلٍ أنهكه الشغف أكثر مما أنهكته الحياة. أمامه قالب معدني ينتظر أن يُسكب فيه الحلم، وأكواب وأدوات تتناثر كأنها جنود في معركة صامتة.

مدّ يده إلى البيدون الأول، حمله على كتفه بقوة، وسكبه في القالب كمن يسكب روحه…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “كلّ الأشياء تخلو من الفلسفة” للكاتب والباحث العراقيّ مشهد العلّاف الذي يستعيد معنى الفلسفة في أصلها الأعمق، باعتبارها يقظةً داخل العيش، واصغاءً إلى ما يتسرّب من صمت الوجود.

في هذا الكتاب تتقدّم الفلسفة كأثرٍ للحياة أكثر مما هي تأمّل فيها، وكأنّ الكاتب يعيد تعريفها من خلال تجربته الشخصية…

غريب ملا زلال

بعد إنقطاع طويل دام عقدين من الزمن تقريباً عاد التشكيلي إبراهيم بريمو إلى الساحة الفنية، ولكن هذه المرة بلغة مغايرة تماماً.

ولعل سبب غيابه يعود إلى أمرين كما يقول في أحد أحاديثه، الأول كونه إتجه إلى التصميم الإعلاني وغرق فيه، والثاني كون الساحة التشكيلية السورية كانت ممتلئة بالكثير من اللغط الفني.

وبعد صيام دام طويلاً…

ياسر بادلي

في عمله الروائي “قلعة الملح”، يسلّط الكاتب السوري ثائر الناشف الضوء على واحدة من أعقد الإشكاليات التي تواجه اللاجئ الشرق أوسطي في أوروبا: الهوية، والاندماج، وصراع الانتماء. بأسلوب سردي يزاوج بين التوثيق والرمزية، يغوص الناشف في تفاصيل الاغتراب النفسي والوجودي للاجئ، واضعًا القارئ أمام مرآة تعكس هشاشة الإنسان في مواجهة مجتمعات جديدة بثقافات مغايرة،…