جبران يا راعي الناي الحزين

علي ميراني

       علي البوح اولا، اني لا ارحل الى حدود مملكة الانشودة المثلوجة بدفء الغفوة والادب الا قليلا، ولكن ماذا افعل اذا كانت اسطر جبران خليل جبران ” عرائس المروج” ، الممتعة كخيال حرمة معبد مقدس، وكخصب العنب والقرنفل، لاحقت حافة الروح وحرضتها، وسحرت قلبي كطائر نورس صعقه الخوف، ونقلت عدوى الكتابة الى تمردي،  وطعنت نفسي وجدا، وما وجدتها الا وانا اطفأ الليل واتجرع كأسا من رمال الخيال، واسمع استبداد رعشة الذهول المنسوجة بحروف من الجمر  تجذف قاربي بعيدا ، وهل هناك من يمكنه رفض مراقصة راهبات جبران؟
       حينما تقرأ كلمات جبران، تنقلب آية العقل والنفس رأسا على العقب، ويختفي اطار الوجود المعاش، ويشع نبض القلب بالوانه الزيتية، وتولد عوالم البراءة والفردوس، وترى نفسك امام تماثيل مرمرية نحتت من شواهد قبورنا على صور جنيات البحر، وتتراىء لك طرق مرصوفة بحجارة ذات مغزى خاص، وبوارق امل بظلال الالم، وتجد نفسك امام خريطة النفس البشرية الحائرة، وتبدأ كلماته المطرزة بعبق السحر وسر الغموض بقرأتك، ونقلك من شتيمة عالمك، الى عوالم الروابي والجبل والزهرة البرية وانغام الناي وشدو الحساسين.

      يا جبران، اي اجراس سحرية تبعثرها كلماتك وتظرزها حول اعناقنا، واي نور مضيء جميل يدفء قلوبنا، ونحن نطل على ازقة تضاريس جملك، واي طعم لوز وسكر تتدفق من نور نايك الحزين كاللوحة الجميلة.
       كثيرون كتبوا ويكتبون، سطروا ويسطرون، لكن القلة من زين شراب القلوب السديمي بالسكون، واحالها صفاءا وملجأ دافقا بحب الاشياء ، و ذوب عزف الحجارة الصماء كنوافذ رخامية متماوجة بحرمة الطبيعة.   
      واذا كانت كتابات غيره، لحنا جنائزيا يصاحب الموتى، فان جبران يبعث الحياة في الراقدين دون اسراف، واذا كانت طيور الاخرين بجناح واحد، فان طيور جبران وراهباته تحلقن بالآف الاجنحة، واذا كانت صورهم بلون اثري واحد، فان صوره تفضح كل الالوان، واذا كان المقابل وردا في حديقة، فجبران بكل تأكيد هو حارس كل حدائق الزهد والرقص والولادة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…