الفصول الأربع

سردار محمد رشيد

التنضيد والإخــراج :  Malva
فـــكـــــرة الـغـــــلاف :  شيرين حسن أحمدشكر خاص للأستاذ : فواز عبدي
كلمة لا بدّ منها 
في زمنٍ لن يفيدنا فيه الهروب دوما ً..
وفي مكانٍ لن يفيدنا فيه الوقوف دوما ً..
أردت أن أرسم غصنا ًصغيرا ً لشجرة آن لها أن تثمر ..
فيا قامشلو..المتعبة..سامحينا..فقد نبكي ، وقد نضحك ..
أو نرحل … ولكننا نبقى نحبك .
ســــــردار – قامشلي 2005م
 

متى    
   يأتي الربيع .. 
    يا شمس ..؟!
الإهداء : .. إلى قامشلو .. أفينامن ..
 
 ((   الشخصيات   ))
 
 

 

طالب هندسة مدنية سنة رابعة، توفي بتاريخ 8/4/2004م . السجين ، الشاب :

 

خطيبة السجين العمر23 سنة. الفتاة:

 

توفي بتاريخ 13/3/2004م وكان عمره 17 سنة .
 
فرهاد :

 

العمر17 سنة .
 
آرزيف :

 

العمر17 سنة.
 
فيغان :

 

العمر48 سنة . والد فرهاد .
 
الأب :

 

العمر 40 سنة . والدة فرهاد .
 
الأم :

 

المحقق .
 
الأول :

 

المساعد .
 
الثاني :

 

العمر 22 سنة .
 
الكاتب :

 

العمر 6 سنوات .
 
هيم الصغير :

 

 
                                                                                       
 
الفصل الأول 
 حيث تنتمي الريح… يا شمس
 وينتهي لونُ الأفق ….
إلى تلك البقاع تقاسموا ذلك العبء …
فلا حاضرَ يثنيهم …
ولا ماضي قادرٌ على تقيدهم …
وحدهُ الغد أغلب الظن … يدفعهم يا شمس …
 

1/4/2004م
 
  المشهد الأول

 
(( في القسم الأيمن من المسرح…حيث السجين مستلقٍ على بطنه وقد باعد بين رجليه وبين يديه ، كأنه وبتلك الوضعية يوهم نفسه بأنه يرتاح…على سريره الحديدي .. ))
 
السجين : … أتساءلُ إن كنت لا أزال حيا ً… (يرفع رأسه بصعوبة فاحصا ً المحيط من حوله ) … يالا حظي التعيس ..
ها قد بدأت من جديد بطرح أسئلة غبية أخرى .. وهل الأوغاد سيتركونني أموت بتلك السهولة … ؟؟!!
( يعود إلى وضعيته السابقة،يبدأ بالغناْء) … كلميني … كلميني
يا شمس نيسان …
إن كنت تملكين ذرة من الحنان….            
   وحيدٌ أنا  بين الجدران….
 (يرفع رأسه منتبها ً…) ( يعود مجددا ًإلى وضعيته )
إنها قضبان يا شمس نيسان ….
كلميني .. كلميني .. أرجوكِ ( يبكي ) .. أرجووووكِ الآن..
( يثور فجأة وينهض على ركبتيه ) تبا ًلهم وتبا ًلكما أيضا ً …
.. أقسم بأنني سأقتلعكما معا ًلو حاولتما مرة أخرى أن تذرفا دموعا ً أحتفظ بها إلى يومٍ عصيب …
( يلمس عينيه بعصبية ) .. إنني جادٌ يا غبيتان … ( يمسح دموعه بسرعة زائدة ) .. افهماني فأنا لم أعد أملك سوى هذا الجسد
( يقوم من مكانه ) مسكينٌ أنا ( يتأمل نفسه ) حتى هذا الجسد .. لا يكون من ملكي إلا حين يتعبون من ضربه .. أو .. حين يُقدمٌ لهم طبقٌ أخر .. جسدٌ أخر …
( يصفع وجهه بشدة تحت جبينه ) فلا تدعاني …أبكي.. كي لا أغدو مثلهم..
أحفر في الأجساد .. وأقتلع العيون والأظافر ..
أو أجعل من دماء البشر دارةً كهربائية ….
( يتوجه نحو سريره ببطء ، يجلس ورأسه يتدلى نحو الأسفل وكأنه نادم على تهديداته … )
لا تصدقا كلامي فأنا أهذي ( مبررا ) إنني فقط لا أريد أن أهزم أمامهم ….
فأنتما من علمتماني أن الورد في حديقة دارنا لونه أحمر.. وأن السماء زرقاء … وبكما عرفت الحقيقة …
وبكما بكيت أحيانا ًلكنكما نقلتما لي تفاصيل الفرح قدر المستطاع .. (شاردا ً) آه يا حياة .. ماذا فعلت بي ..!!؟ تدفعني الأيام ..

ومكانٌ يدفعني إلى مكان … ( لحظات صمت وسكون طويلة ) .. 
( ثم يتمدد على سريره من جديد و يغني ) …
كلميني .. كلميني .. يا شمس نيسان ..
كلميني إن كنت تملكين الحنان ..
وحيدٌ أنا يا شمس …
متعبٌ أنا بين هذه القضبان ….      
   سجينٌ بين القضبان …
 
( ينـــام )
 

 

2/4/2004م
 
المشهد الثاني    
 
( مكـتــب حكـــومي ذو أثـــــاث قديــــم نوعـــا ًمـــا )
( الأول جالسٌ خلف الطاولة ، يقرأ في أوراقٍ بين يديه )
 
الثاني : ( قائما ًمن مكانه ، ومتوجها ًبخوف نحو الأول ) .. لقد ترجم هذه المقالات واحدٌ منهم يا سيدي .. أهي مفهومة ؟
( الأول لا يرد ، متابعا ًالقراءة ) .. ( الثاني بارتباك ) .. إنه إلى جانبنا يا سيدي .. وأنا واثق به تمام الثقة .. لأنه جبانٌ …
يا سيد ….
الأول : ( مقاطعا ً، ودون أن ينظر إليه )
أولا ً: إياك أن تثق بشخصٍ يخون شعبه … يا غبي ..
ثانياً : ( يقوم من مكانه ) .. أسمع ما كتبه ذاك اللعين ..
( يقرأ من الورقة ) .. لا بد من الاعتراف بأن هناك حضارات قوية ومتقدمة وسائدة ، وحضارات تختفي من الوجود وتموت ( ينظر إلى الثاني ) .. أقسم لك بأنه سيموت …
بل سأجعل الموت زورقا ًللنجاة بالنسبة له .. ( يضحكان ، ثم يتابع القراءة ) .. تختفي .. تموت .. ولا يوجد مؤشر أخطر على هذا ، من معيار اندثار اللغات البشرية . فعلى مدى التاريخ البشري بأكمله كان يوجد حوالي عشرة آلاف لغة منطوقة ، واليوم وصل عدد هذه اللغات إلى ستة آلاف لغة مستعملة، ولكن الكثير منها لا يتم تداوله وتعليمه للأطفال . أي أنها لغات تحتضر بالفعل ، أما اللغات التي يتحدث بها أكثر من مليون شخص فلا يوجد منها الآن سوى ثلاثمائة لغة وخلال القرن القادم قد تندثر أكثر من نصف اللغات المنطوقة في العالم …فيا أبناء قومي ، لغتنا هي الأخرى تندثر … علموا أبناءكم …
( بلهجة حانقة ) قل لي … هل يُدرِسون التاريخ لطلاب الهندسة هذه الأيام ؟!!
الثاني : ( بخوف ) لا يا سيدي أبدا ًً…                         
الأول : ( بسخرية ) المشكلة أنهم لا يتعبون فكل واحدٍ منهم لا بد أن يكون إما كاتبا ً أو رساما ً أو يعزف على آلةٍ لعينة ….  والمصيبة أن لهم إرادة تدفعهم أن يكونوا كل ذلك … ( يتناول علبة الدخان ، الثاني يشعل له سيجارته )
الثاني : ( بخبث ) هون عليك يا سيدي .. فنحن الأقوى دوما ً…
ثم أن صاحبنا الآن ضيفٌ لدينا … وأنت بالطبع تتحكم بمدة الاستضافة ونوعها … ( يضحكان ، يلتقط ورقة ثم يبدأ بالقراءة وهو يروح ويجيء أمام الطاولة ) ..عامٌ جديد والألم متواصل … الثمن غال ٍولكن الحرية أغلى … لا يهم عدد الضحايا ، المهم ألا تهدر دمائهم ولا تهم الخسائر ، المهم ألا نقدم المزيد من التنازلات … يا أبناء مدينتي الغالية .. لقد كان الثمن  باهظا ًويجب ألا ننسى ذلك للحظة واحدة ( يقاطعه الأول بعصبية )
الأول: لعنة الله عليك وعليه …. كانت المسألة برمتها مجرد خطأ ولن يتكرر …
اللعنة … اللعنة …
مرت سنينٌ ونحن نحاول أن نزرع بذور الخوف في أرواحهم اللعينة..أدمغتهم كانت كأراضي جرداء من الخوف ولكننا زرعناها بكل وسيلة أتيحت لنا آنذاك ..
والنتيجة : حصدنا الجرأة منهم …
أجنحتهم الصغيرة تلك سوف تتكسر ( يلتفت إلى الثاني )
اللعين… أكان يظن بأنه سيبقى طليق اللسان والأصابع إلى الأبد ..!؟ ( يتناول الورقة من يد الثاني ) عام جديد والألم متواصل … هذا عنوان مقالته .. أما عنوان ملفه .. ( أريد أن أموت ) …………
الثاني : (داعيا ً)أمدّ الله بعمرك يا سيدي ، وكثر من أمثالك …. ليحفظوا أمننا من كل بلاءٍ ودخيل ….. (منتبها ً) وكاتبنا المحترم
يا سيدي ؟                                                                  
الأول : ماذا عنه..؟ آآ… صحيح .. إلى أية مرحلة وصلتم به ؟
الثاني : لا زلنا في المرحلة الثانية يا سيدي كما أمرت ولكننا أضفنا أكياس الجليد …              
الأول : جيد جدا ً.. استمروا بهذه الطريقة … ريثما أجد طريقة تليق به ( باستهزاء ) إنه مهندس وكاتب ( ضاحكاً )
اللعنة عليه … أنصرف .
الثاني : ( يقدم التحية ) احترامي سيدي … ( يخرج ) .
الأول : ( يتناول ورقة و يبدأ بقرأتها بصوت عال )
إنه الربيع يا دنيا …
أشعلوا النيران يا أبناء الدنيا …
كما اوشهنك حفيد جيومرد  الذي ملك يوما ً ما كل الدنيا …
ناراً كبيرة انتشر وهجها في كل الدنيا …
حتى ظنوا بأن الشمس لم تغرب … والنهار لم ينته ….
إنه الربيع … إنه يستحق يا دنيا …                                                                                      ( بحيرة ) لن ترى الربيع مجددا ً…                                                                                                            
( خارجاً ) قد جنا على نفسه يا دنيا .
                                                                   
                                                                                                                                                                                                     
 
 
3/4/2004م
 
  المشهد الثالث 
 
( غرفة معيشة بسيطة ، أثاث قديم لكنه ينم عن ذوق رفيع ، مكتبة كتب إلى اليسار ، وآلة كمان معلقة على الصدر وحوضٌ للسمك في الطرف الأيمن )
 
الفتاة : ( تتأمل الغرفة بحسرة واضحة ، تنقل ببصرها بين المكتبة والكمان المعلق متجهة نحو حوض السمك ، يرن الهاتف ) آلو .. نعم آماه أنا بخير .. انتهيت من تنظيف بيته للتو …لن أتأخر … آماه … قلت لك بأنني لن أتأخر .. آوه …
كلام الناس كلام الناس … إنه خطيبي يا أمي .. ثم ( بحرقة )  ثم .. إنه قابع في السجن … حسناً .. سأحضر الأسماك معي .. لا لا لن أتأخر … مع السلامة ….
( للأسماك بلطفٍ زائد ) ما هي أخبارك يا زين … أنت لا تزعجها بالطبع يا مم … ( بحرقة ) مشتاقون إليه أليس كذلك .. وأنا أيضاً مثلكما .. ( بغضب )
أخذوه .. سرقوه منا ( تبكي ) الأوغاد .. بلا شك أنهم يعذبونه ، عشرون يوم .. عشرون يوم …!
ولا نعلم حتى أين هو … ( بعصبية وألم ) …. أجيبيني يا زين .. أهو حي .. مم .. أنقلوه إلى العاصمة … ( تنهار على الكرسي القريب من حوض السمك ) ..
يا رب يا إله الحق إنه لا يستحق كل هذا العذاب.. ولا حياة لي من بعده ..لو كنت أعلم آنذاك بأنه ذاهبٌ … لما تركته يذهب … لو كنت أعلم .. آه .. يا ليتني قيدته أو حتى هددته بتركي له … ما كنت لأفعل … إنني أحبه … ( تتمالك نفسها وتقوم من على الكرسي ) لا بدّ أن أكون قوية …. وسأنتظره إلى الأبد .. ولا بد للحال أن يتحول … لا بد أن تنقشع الغيوم وتشرق الشمس من جديد .. لا لن يضيع الحق وخلفه طالب … آه .. آه كم أنا مشتاقة إلى كلماته .. لعزفه .. ( بابتسامة صغيرة )حتى لأكاذيبه البيضاء … ( تتظاهر بالقناعة ، تلتفت إلى حوض السمك ) حسناً ما رأيكما لو قرأت لكما واحدة من قصائده .. موافقون …
( تتجه نحو المكتبة وتبحث عن ديوانه )ها هو ( تجلس ثم تبدأ بالقراءة ) الإهداء …. إلى قبر يرقد فيه أب لم أره …. إلى أم تخلت عن أنوثتها من أجلي ثم رحلت ….
إلى الغالية … ( تتنهد) و أنت أغلى ( تتابع القراء )
وإليكما طبعا ًيا مم و زين ..( أنتِ كل يوم ) …
أنتِ .. بك بدأت القصة …
تناقلها الكل في الحي …
يحلو الشاي … وما أطيب القهوة …
حتى المقهى … يحلو بالتسكع لسماعها …
هكذا يقول الكبار منا .. والنسوة يبحثن منذ زمن ..
عن حكاية .. يبررن بها اجتماعاتهم الدائمة … عن قضية … يهربن بواسطتها من تعبهم الدائم .. من قصصهم الدائمة ..
والأطفال … ينشدن اسمك وهم يلعبون… ولا ينامون مثلي أنا إلا بعد سماع تلك القصة … أنت كل يوم … حبيبتي كل يوم …
( تطغى الأصوات التالية على صوتها وهي لا تزال تقرأ )
الأصوات هي مقتطفات من حوارات جرت في الماضي :
1- صوت السجين : أغمضي عينيك … لدي مفاجأة …
     صوت الفتاة : حسنا ً… إنه أرنب !! … كم هو جميل …
2- صوت الفتاة : أحلم دوما ًبأنك تنال جائزة ما …
    صوت السجين : أما أنا فأحلم ببيت صغير دافئ … فيه شجرة
     ياسمين … وزوجة أحبها .. وابنة جميلة كأمِها ..
3- صوت السجين : ما بك ؟
     صوت الفتاة : إنني قلقة عليك … إنهم لا يعرفون الرحمة
4- صوت السجين : الحياة عندي وطنٌ وامرأة …
صوت الفتاة : أحبك ……………………. ( أثناء ذلك تضع الكتاب في المكتبة وتحمل حوض السمك و تتأمل الغرفة لمرة أخيرة وتخرج ) 
 
المشهد الرابع
                        
                                            
( الكاتب جالس على كرسي في الطرف الأيمن من خشبة المسرح وحوض السمك في الطرف الأخر ) ( الديكور : الكرسي وحوض السمك فقط )
 
الكاتب : (يقرأ كتاباً للحظات ثم يتوجه إلى الجمهور) من أكون .. ؟ وماذا أفعل الآن.. ؟ ولماذا أخاطبكم ؟هذه أسئلة تهمكم بالطبع نوعاً ما لغرض إكمال صورة رسمها كل شخص منكم أملاً أن تكتمل في النهاية
باختصار : أنا كاتب هذه المسرحية … ولرغبة ما في نفسي وبعد موافقة المخرج ، قررت أن أطل عليكم بين الحين والأخر .. بالطبع دون أن أتدخل في الأحداث .
المهم : هناك الكثير من الكلام أود أن أنطق به على هذه الخشبة والتي تعطي المؤدي امتيازات عدة أهمها بنظري الحرية …
وأنا مثل كل الممثلين سأقوم بدور الكاتب أملا ًمن ورائه اجتذاب اهتمامكم و إثارة الخيال لديكم … إلى اللقاء قريباً … ( يخرج ) .  
                                                      
الفصل الثاني
 
لا تحزني يا شمس…إننا منذ الولادة ضاحكون…
 فعلى الرغم من بكائنا الأخير… قادمون…
 فلا تيأسي منا….
  11/3/2004م
 
المشهد الأول
 
( غرفة ضيوف ، يدخل ثلاث شبان ، يجلس اثنان منهما والأخر يظل في مكانه )
 
آرزيف : ( بجدية مرحة ) أقسم بأن الدنيا تسير إلى الهلاك …
( يجلس ) أرأيتم تلك الفتاة … يا ألهي … !!!
فرهاد : (بتفاخر ممازحاً ) … أحم .. أحم … هل من داع أن نناقش مسألة أنها كانت تنظر إلي …
فيغان : ( بضجر ) ها قد بدأنا من جديد . ( يرمي إلى آرزيف CD ) إنه جيد جربه ..
( آرزيف يقوم بتشغيل الكمبيوتر ويرفع الصوت عالياً )                                                                               
فرهاد : اخفض الصوت يا أحمق … أم أنك تريد أن تسمع مرة أخرى محاضرة طويلة من أبي .. ؟
آرزيف : ( يخفض الصوت ، مقلداً بحركات مبالغ فيها )
على عاتقكم أنتم تقع مسؤولية إنقاذ المستقبل من المجهول … لابد أن تكونوا على قدر المسؤولية … عليكم أن تتخطوا حدود أعماركم … حين كنت في عمركم..
فيغان : ( مقاطعا ًآرزيف وبنفس النبرة ) الدراسة..!!
العلم وما أحوجنا إليه … لو عدنا إلى تاريخ الأمم لوجدنا بأن القلم كان الشريك الوحيد للسلاح …
فرهاد : ( مقاطعاً فيغان ) إما أنكما تبحثان عن المشاكل.. أو .. أنكما تكرهانني …. المهم :سأذهب لأطمئن على الوضع …. ما رأيكم بفنجان من القهوة .. ؟
آرزيف : (بتكبر) أريدها حلوة لو سمحت..حين كنت في عمركم..
( يتأفف فرهاد دلالة على ضجره ثم يخرج )
فيغان : صحيح … ( بنبرة معاتبة ) لماذا لم تحضر ليلة البارحة ؟؟
( آرزيف يتظاهر بأنه لم يسمع وبخجل ) إنه أباك مجدداً ؟.. أليس كذلك .. ؟؟
آرزيف : ( بانزعاج واضح ) لا أدري .. ربما هو على صواب .. ثم أنه يتحجج دوما بخوفه علينا وبحرصه على أن لا نرتكب أخطاء هو وقع فيها .. وبالطبع الأسطوانة القديمة عن المؤامرة التي حيكت ضده لإبعاده عن الحزب حفظتها عن ظهر قلب ..
فيغان : ( مواسياً ) ألم تقل له بأنها مجرد ندوة ثقافية عن الشعر الكردي الكلاسيكي …؟
آرزيف : ويا ليتني لم أقل .. أتعلم بأنه قال لي بأنه يعرف الشخص المحاضر جيداً ولا ينبغي أن يصنف بين المثقفين وبأنه انتهازي ذائع الصيت وكاذب من الطراز الأول . ؟؟! 
فيغان : ( محتاراً ) … ربما …. لا أعلم ….!!!
( صمت للحظات يقطعه دخولُ فرهاد مع القهوة )
فرهاد : ( متعجبا ًو هو يقدم لهما القهوة )ما هذه الملامح المأساوية على وجهيكما … إنها لا تليق بكما ..
فيغان : لا شيء … سئمنا من انتظار القهوة فقط لا غير .
آرزيف : ( مستفسراً ) ها .. كيف كان الوضع ؟؟
فرهاد : ( بخبث ) أبي غارقٌ في نشرات الأخبار وأمي في المطبخ
( يخرج علبة دخان من تحت طاولة الكمبيوتر ثم يشعلون السجائر )
فيغان : ( مخاطباً اللفافة ) يا صغيرتي .. كم أنا مشتاق .
آرزيف : ( يخرج ورقة من جيبه ) حسنا ً… لنبدأ …
سأقرأ لكم مقطعا ًصغيرا ًمن قصيدةٍ لبابلو نيرودا :                                      
نحن فضة الكوكب النقية ….
ومعدن الرجال الحقيقي ….
نحن البحر لا يهدأ …
وقلعة الأمل ..
دقيقة من الظل لا تحيلنا عميان …
وأي احتضارٍ لا يحيلنا موتى … ها … ما رأيكم ؟؟
فيغان : إنها رائعة ..!!
فرهاد : بالفعل إنها رائعة.. ( يحضر دفتراً من على طاولة الكمبيوتر ) أما بالنسبة لي وكما اتفقنا بأن أكون  المسؤول عن الأدب الكردي … قررت بدافع الشفقة طبعاً ( ممازحاً ) .. أن أتكرم عليكم وأعطيكم معلومة بسيطة من معلوماتي الهائلة والتي هي بغنى عن التعريف :
اختلف الباحثون في تحديد بداية تدوين الأدب الكردي باللغة الكردية، فهناك من اعتبر أشعار ( بابا طاهر عريان الهمداني 1010م ) المدونة باللهجة اللورية هي البداية . وهناك أيضا ًمن اعتبر بأن الأدب الكردي المدون باللهجة الكورانية هو البداية، وأشعار أول شاعر بتلك اللهجة هو ( ملا بريشان ) المتوفى عام1399م . واللهجتان اللورية والكورانية من لهجات اللغة الكردية الجنوبية .
فيغان : من أين أتيت بهذه المعلومة ؟؟
فرهاد : في كتابٍ لعمر حيدر عن ( فقه تيران ) .
آرزيف : معلومة جيدة ( للثالث ) وماذا عنك يا مسؤول الأدب العربي ؟
فيغان : إنها قصة لجبران خليل جبران ، بعنوان :
الحرب والأمم الصغيرة ..سأبدأ .. ( ممثلاً الأدوار كلها )كان في أحد المروج نعجة وحمل يرعيان . وكان فوقهما في الجو نسر يحوم ناظرا إلى الحمل بعين جائعة يبغي افتراسه . وبينما هو يهم بالهبوط لاقتناص فريسته ، جاء نسر آخر وبدأ يرفرف فوق النعجة وصغيرها وفي أعماقه جشع زميله . فتلاقيا وتقاتلا حتى ملأ صراخهما الوحشي أطراف الفضاء .
فرفعت النعجة نظرها إليهما منذهلة،و التفتت إلى حملها وقالت له : ( تأمل يا ولدي ، ما أغرب قتال هذين الطائرين الكريمين ! أو ليس من العار عليهما أن يتقاتلا، وهذا الجو الواسع كاف لكليهما ليعيشا متسالمين ؟ ولكن صلِّ يا صغيري، صلِّ في قلبك إلى الله،لكي يرسل سلاما إلى أخويك المجنحين! ) فصلَّ الحمل من أعماق قلبه …. !!!
آرزيف : إنها عبرة رائعة … أشكرك ..
فرهاد : جبران خليل جبران يستحق التقدير …
فيغان : علينا أن نذهب الآن … ( وهو ينظر إلى ساعته ) لا تنسوا موعدنا غداً …
فرهاد : العاشرة صباحاً .. لن ننسى …
آرزيف : أنتظركم في البيت غداً.. شكراً على القهوة يا صاحبي ..
فيغان : نراك غداً …
فرهاد : مع السلامة …. ( يخرجون ) .

 13/3/2004م  المشهد الثاني 
 
( غرفة الضيوف السابقة ، من الخارج تأتي أصوات إطلاق الرصاص ممزوجة بصرخات الناس )
 
 – إنه رصاص حي .. !!
– دماء… دماء.. يا ألهي … لقد أصابوه… ساعدوني في حمله …!!
– إنهم يتجهون نحو المقبرة ..                                                                           
– نريد دفن شهداء يوم البارحة وتقتلوننا …؟؟!!
– أتركوني .. فأنا لا أخاف من رصاصهم …
– أقسم بأنني سأحطم كل شيء …
– يا ناس يا بشر ما بكم … لماذا تحطمونها ..
– أتركني يا عماه .. سأحطم كل شي … لقد قتلوا ..
– أأنت بخير يا خالة …. هل أستطيع أن أساعدك بشيء .. أريد أبني .. إنه بطولك …
( الأب والأم يدخلان )
الأم : ( بارتباك ) الرحمة يا ربي … الرحمة… لا نسألك ردَّ القضاء يا رب إنما اللطف فيه …
الأب : ( بارتباك و لكن مواسياً ) هوني عليك يا امرأة … ( يجلس ) أعصابي متعبة … فلا تثيريها …
الأم : ( بأسى ) أين العدل يا ربي ..؟! إنه لا يستحق أن يقع في أيدي هؤلاء الظالمين … 
الأب : ( بحزن ) مسكين ذلك الشاب لم تكتمل فرحة تخرجهِ …
الأم : ( باكيةً )كان الله في عون خطيبته …يا رب .. حفظه … واحميه … إنه يتيم … إنه يتيم يا ربي …
الأب : قد نبهته ألف مرة … ولكن ما العمل .. إنه يدرك ما يفعل … ثم أنه جارنا لأربع سنين … وأعرفه جيداً … إن كتاباته من العيار الثقيل جداً يا والعداء بينه وبينهم عداءٌ تاريخي …
الأم : ( بغضب ) كانوا ينتظرون الفرصة للنيل منه … ولدي المسكين .. يا ربي أأصبح تشيع الأموات في هذه البلاد جريمة ؟!!
الأب : ( بفرح باهت وبتأمل عميق ) أرأيت الناس يا زوجتي الغالية ..؟؟!
( يتجه نحوها مواسياً ومبشراً ، محتضناً إياها )
ألم أقل لك دوماً بأن الأمل ينبع على نحو سرمدي .. وأنا لم أفقده يوماً .. فهوني عليك يا عزيزتي إنها حال الدنيا
لا بد من التضحية ولا بد من الصبر على الضحايا …
الأم : ( بهدوء ) أرأيت أبنك كم أنا فخورة به..لم ترزقني بغيره … يا الله فأحفظه.. ( منتبهةً بقلق ) لقد تأخر .!! أليس كذلك ..؟؟!!
الأب : ( بعصبية وقلق ) كفاك تذمراً.. قد كان خلفنا أثناء المسير.. وسيصل في أية لحظة …
الأم : ( وهي تقوم من مكانها مذعورة ) لقد …قتل اثنان آخران اليوم أيضاً .. ماذا لو اعتقلوه هو أيضاً … أو …
الأب : ( مقاطعا ًإياها وبعصبية ) قلت لك كفى .. ( متمالكاً أعصابه )
لا حول ولا قوة إلا بال له… ثم أن للخبر السيئ جناحين وهو مع الريح يطير…فتحلي بالصبر سيصل في أية لحظة …
الأم : ( مذعورة وتركض نحو الخارج ) ولدي …. فرهاد …
الأب : ( وهو يلحق بها ) يا إلهي.. انتظري … ( الأصوات تختفي ولا يسمع سوى أصوات إطلاق الرصاص )
 

20/3/2004م
 
المشهد الثالث 
 
( غرفة الضيوف السابقة، آرزيف وفيغان جالسان وعلامات الحزن والانتظار بادرة على وجهيهما، يظلان على هذه الوضعية فترة من الزمن حتى دخول الأب إلى الغرفة ومعه حقيبتان كبيرتان نسبياً )
( الذكريات تعود إليه لحظة رؤيته لصديقي ولده المتوفي ، يضع الحقائب على أرض الغرفة دون أن يتكلم معهما )
 
 آرزيف : ( يركض نحو الأب ويرتمي بين يديه بحزنٍ واضح ) أسفٌ يا عماه … أسف ..لم يكن بمقدوري حمايته ..
فيغان : (ساكناً لا يتحرك من مكانه ويتكلم بانفعال صوتي عالٍ ) .. رجوته أن نعود … وحين أصررت عليه بالعودة .. ( باكياً ) أتعلم ماذا قال.. قال : بأن الجبناء يموتون عدة مرات قبل أن يدركهم الموت … اللعنة .. إنني السبب .. لو أنني …. ( ضاحكاً ودموعه لا تزال تنهمر ) كما قال بأن هذا الكلام ليس له بل لشكسبير …!!
( يبتسم الأب مراعاة لشعورهما ويدعو فيغان إلى قربه ويرفع الأخر المرتميّ بين يديه )
الأب : ( وقد غرقت عيناه بالدموع ) لا ذنب لكما في ذلك ..
ثم أنني أفتخر به… أكثرَ مما أنا حزين لفقدانه… (متنهداً )كان الابن الوحيد… وأمسى شهيداً ….حسناً .. دعاني أرى وجهيكما … لا .. لا تبكيا … ( ممازحاً ) أنتما رجلان…
آرزيف : ( متأثراً ) مرَّ عشرون يوم .. ولازلت لا أستوعب بأنني لن أراه مجدداً … يا ألهي كم أنا مشتاق إلى مزاحه …
فيغان : ( وهو يمسح دموعه ، للأول ) أتذكر حين أخبرنا … تصور يا عماه … قال : بأنك سوف تطلق أمه …
آرزيف : ( بنفس النبرة ) أجل .. أجل ..حتى أنه بكى أمامنا كالطفل الصغير … رجانا كي نتدخل لمصالحتكم …
فيغان : و حين قدمنا إلى هنا .. أتذكر يا عماه ..؟؟
الأب : ( متأثراً ) ضحكنا كثيراً ( يبكي ) أذكر .. أذكر …
( تدخل الأم وهي تحمل حقيبة أيضاً ، يمسح الأب دموعه بسرعة كبيرة حين يلحظ دخولها ، قائماً من مكانه )
أنظري من جاء ليودعنا…
الأم : … يا أعزائي … ( تبكي بحرقة وتنهار على الكرسي القريب منها ، الثلاثة يهرعون إليها )
الأب : ( مذعوراً ) ما بك .. أأنت بخير ..؟؟؟
الأم : (باكيةً ) وكيف أكون بخير … فقد كانوا ثلاثة … ثلاثة يملئن الحي جيئة وذهاباً .. ويملئن حياتي فرحاً وسروراً ..
مات ابني .. مات …
آرزيف : ( مقبلاً يدها ، وراكعاً أمامها ) أنا ابنك أيضا ً
فيغان : ( مقبلا ًيدها الأخرى ) وأنا ابنك أيضاً …..
الأم : ( بابتسامة صغيرة ) أعلم يا أولادي أعلم …
الأب : ( منتبهاً ) يجدر بنا الذهاب .. قد نتأخر .. ( للأول)خذ هذه المفاتيح أعطها لأباك … وتذكرا أن المشوار قد بدأ … اهتما بنفسيكما ….
الأم : أطال الله في عمريكما يا صغيري … واجمعا براعم الورد ما دمتما قادرين على ذلك … ( يحمل الشابان الحقائب ويخرجان من بعدهما )
                                                                                           
                                                                              
 
المشهد الرابع
    ( الكاتب من بين الجمهور متجها ًنحو خشبة المسرح و الديكور : الكرسي وحوض السمك فقط )
 الكاتب : كم أحب هذه الليلة..!!
وربما تتساءلون الآن عن السبب .. ولكي لا أطيل عليكم ولا أغضب المخرج أيضاً سأخبركم … السبب هو أن المسرح مزدحمٌ بكم .. وهناك من يقول بأن الليل يكون مبهجاً ومثيراً بشكلٍ خاص عندما يزدحم المسرح .. كما أنني أعتقد بأن مديرية المسارح لو وزعت عدداً لا بأس به من التذاكر المجانية .. خلال مواسم الركود المسرحي .. مع أن الركود مسيطرٌ على كل موسم .. قد يؤدي بالعرض إلى الشهرة من خلال الحديث عنه .. وأنا متأكدٌ بأنه مفيدٌ جداً من أجل استجلاب أشكال أفضل من الأداء من جانب المثلين ، لأنني كنت ممثلاً يوماً ما.. وأعرف ذلك ( يخرج ).                                                                                              
 
الفصل الثالث
 
إنه الشتاء …. يا شمس …
 بردٌ وبكاءٌ ومطر …
 وآكلٌ للحجارة …
 وحرقٌ لأغصان الشجر ….
 فمتى يأتي الربيع يا شمسُ .. متى ..؟؟!!
 إننا نخافُ القدر …!!!!
                                                                                                   
14/2/2004م صباحا ً
 
  المشهد الأول
  
 
( حديقة بيت ، وللوهلة الأولى تدل على عناية فائقة بها ، هيم الصغير يكتب وظائفه المدرسية على طاولة صغيرة ، في أقصى اليسار على خشبة المسرح ، والفتاة تسقي الأزهار وهي تغني أغنية لفيروز ) .
 
الفتاة : ( تغني ) … بعدك على بالي…. يا قمر الحلوين … يا زهر التشرين … ( مستدركة وبخبث ) هيم … هيم .. يا أخي الجميل
هيم : ( متأففاً ) أولاً : لن أذهب إلى الدكان … ثانياً : إنني أكتب وظائفي …
ثالثاً : لا تستطيعين أن تضربيني أيضاً .. لأنني سأخبر خطيبك ..!!!
الفتاة : ( في سرها ) أيها العفريت الصغير..!! ( إليه ) ومن قال لك بأنني أريدك أن تذهب إلى الدكان ( تمازحه بحركات يد غليظة ) .. كيف أضربك يا أخي .. وأنت عفريتي الصغير .. ؟
 هيم : كفي عن مناداتي بالعفريت.. ( وهو يرفع يديه ) يا ربي … يقولون بأن دعاء الأطفال مستجاب لديك .!! أرجوك خلصني من هذه الشريرة .. !!!!
الفتاة : ( بغضب ) .. شريرة .. !! أقسم بأنني سأعلقك من رجليك .. ( تركض ورائه ) …
هيم : ( بهلع ) … أمي .. أمي .. إلحقيني .. !!
الفتاة : ( ماسكة به وبدهاء ) .. لا يا حبيبي كنت أمزح معك ..
أنسيت بأنني أختك التي تحبك .. وأنت أخي الجميل ..
هيم : ( مخلصاً نفسه ) .. حسناً .. ماذا تريدين.. قولي وبسرعة ..
الفتاة : ( بسرور ) أنت ألطف عفريت في الدنيا .. الدكان ..
هيم : ( بعصبية ) … ماذا .. ؟؟!! .. ألم أقل ..
الفتاة : (مقاطعةً ) ..كنت أمزح معك أيها الغبي .. ( بدلال ) أريدك أن تأتي معي الليلة إلى بيت جارنا في الطابق الثاني .
هيم : ( بخبث ) .. جارنا … سأخبر أمي أولاً ..
 الفتاة : ( بانزعاج ) ..كم أنت غبي .. عفواً .. إنها تعلم بالأمر
يا حبيبي .. لقد دعونا إلى العشاء .. ولكن أباك سيتأخر في العمل ، وأمك لا ترضى أن تأتي بدونه . ثم أن خطيبي سيكون هناك … أرجوك تعال معي …
هيم : لم لا تذهبين لوحدك ؟؟!! .. وانتهى الأمر ..!!
الفتاة : (مسايرةً ) .. يا حبيبي هناك أمور لا تجوز .. سوف تفهم كل ذلك حين تكبر …
 هيم : وهل ستدعيني أكبر .. ( باستياء )
الفتاة : ( بتلهف ) .. ها .. ماذا قلت .. ؟؟!!
( تنتظر منه الجواب بفارغ الصبر، يقوم بحركات دلالة على التفكير )
هيم : ( وهو ما يزال على حاله ) .. دعيني أفكر …
الفتاة : ( وهي تمسك بأذنه ) .. فكر بسرعة إذا ..
هيم : ( بعصبية ) .. أبعدي يدك وإلا .. ( تبعد يدها وترتب له ثيابه ) .. حسناً لدي شرطان .. ؟؟!!!
الفتاة : ( بنفاذ الصبر ) .. موافقة .. !!!                                                                            هيم : اسمعيهما أولاً …!!
الفتاة : ( وهي تكاد أن تجن ) .. حسناً .. ما هما .. ؟؟
هيم : ( بانتصار وهو يقوم بحركة عدِّ المال ).. أريد 50 ليرة .. هذا أولاً .. ثانياً .. أين خبئت لعبة الآتاري الخاصة بي …
الفتاة : أيها الخبيث .. موافقة ولكن قل لي من أين تعلمت هذه الـ ( أولاً وثانياً ) … ؟؟
هيم : من خطيبك .. أين هي اللعبة .. ؟؟
الفتاة : ( تضحك بعفوية ) .. إنها في المطبخ تحت الطاولة ..
( يركض هيم خارجا ًكالبرق ، والفتاة تتابع سقاية الأزهار )
 
                                                                                              
                                                                               
 
 
14/2/2004م مساءا ً
 
  المشهد الثاني
                               
 
( غرفة الضيوف السابقة )
                                                                                                        الأب : وكما قلت سابقا ً.. بأن الأمور في تغير مستمر .. شئنا أم أبينا .. وبالطبع لا بد أن يكون لنا الدور الكبير في تغيرها …
الشاب : بالتأكيد يا عماه ..قد آن الأوان لانطلاق حوار جاد ومسؤول في هذا الاتجاه …
فرهاد : ( متدخلاً ) .. إطلاق الحريات الديمقراطية .. حرية التعبير عن الرأي …
الشاب : ( بنفس النبرة ) وإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين .. وإزالة كافة أشكال الاضطهاد القومي بحق شعبنا.. وتشديد الصراع الطبقي ضد البرجوازية والبيروقراطية التي تنهب الدولة والمجتمع لأنها لا تستطيع بناء اقتصاد وطني قوي ومزدهر …. ( للابن ) … ها ما رأيك .. ؟؟
الأب : ( متدخلاً للابن ) .. إنها دعوة صريحة ومسالمة للتفاوض
يا بني …
فرهاد : كوني أصغركم عليكم أن تتحملوني فربما تنقصني الخبرة الكافية لاستيعاب بعض الأمور ، أقصد بأننا لم نتفق بعد ، أننقل عدم اتفاقنا إليهم .. ؟؟!
الشاب : ( باحترام ) لو سمحت يا عماه .. أنا سأجيب على
سؤاله ..
الأب : تفضل ..
الشاب : يا جاري العزيز … عدم الاتفاق لا يعني الخلاف في المبادئ .. الخلاف يكمن في الطريقة … لنقل بأننا أنا وأنت نريد الوصول إلى مسجد الحي مثلاً .. قد نسلك طريقين مختلفين .. ولكن يظل همنا الوصول فقط …
فرهاد : هذا بالضبط ما يحيرني .. لأن الطريق الصحيح هو أن نسلك شارع الفرن .. !!
الشاب : غلبتني .. إنه لك يا عماه ..
الأب : ( بود ) بني أصابع اليدين لا تشبه بعضها .. الأيام القادمة وحدها تقرر من كان على صواب ومن كان على خطأ …
الشاب : ( متدخلاً ) ونحن لا نريد أن نكون على خطأ كما أننا لا نريد أن يكون الآخرون على خطأ .. المشكلة أن العقوبات طالما كانت جماعية ..
وهمك الوحيد حالياً ، الدراسة ثم الدراسة …
الأب : وكما قال .. كل شيء في أوانه يا بني ..
( يرن جرس الباب ، تدخل الأم وتتجه نحو مخرج أخر )
الأم : أنا سأفتح الباب لا عليكم .. ( وهي تخرج )
فرهاد : ( بعفوية ) .. سؤال .. ما هي البيروقراطية يا أبي..؟؟!!
( يضحك الآخران )
( تدخل الفتاة مع هيم وتتقدمهما الأم )
الأم : تفضلوا ..
الفتاة : مساء الخير جميعا ً…
الأب : (مرحباً ) أهلاً بك يا ابنتي .. أين هو أباك ؟؟!
الفتاة : طلب مني أن أعتذر منك … فهو يعمل إلى وقت متأخر هذه الأيام …
الشاب : أهلاً بك كيف حالك ؟؟
الفتاة : بخير وأنت ؟؟!
الشاب : أنا بخير … وأنت أيها الشقي .. تعال إلى هنا ..
( هيم يلقي بنفسه على الشاب )
فرهاد : ( لهيم ) يا لك من متملق ..!!
( يضحك الجميع )
الأم : حسناً .. تفضلوا من هنا .. العشاء جاهز …
( يخرجون وعينا الشاب لا تفارق الفتاة ويبقى هيم وحده يتأمل طاولة الكمبيوتر )
هيم : ( وهو يخرج علبة دخان من تحت طاولة الكمبيوتر )… ها .. ( بمكر ) … إنه يدخن في السرّ ( منتبهاً وبخبث ) .. سأطلب منه كرة قدم … لا لا بل دراجة .. وإن رفض .. سأخبر أباه …
( يضع العلبة في مكانها بسرور ثم يخرج ) .
                                                                                                                                                                       
 
 
المشهد الأخير
                                
                                                                                    ( الديكور ؛ الكرسي وحوض السمك فقط ، موسيقى مؤثرة تصدح في أرجاء المكان ، والكاتب ينفعل معها بحركات بسيطة من يديه ثم يتوجه إلى الجمهور )
 
الكاتب : ( متنهداً ) .. لم أحصل ، .. لا على دراجة ولا على كرة قدم .. ولم أخبر والده أيضاً ( لحظة تأمل ثم يلتفت إلى الجمهور ) … المشكلة أنني وحين أكتب مسرحية ما ، لا أستطيع أن أتحدث بلساني مباشرة خلافا ًللروائي والشاعر والناقد ، فهم يملكون فرصا ًرائعة لتطوير أو توضيح مشاعر وأفكار الشخصيات . ولكنني أملك آلة مميزة وهي المسرحية بالطبع ….                                              
فبعزفي عليها أثير العاطفة ، وأنتم تقدمون السياق المناسب لتفسير هذه العاطفة ؛ و يكفيني ذلك ويكفيني أيضاً أن أغلبكم إن لم يكن الكل يحاولون أن يحللوا شخصيتي … !!!
ولكي أهون عليكم المسألة ، اعلموا بأن كل عمل خيالي أوحتى حقيقي وربما الدراما بشكل خاص تكشف عن شيء ما يتعلق بسيكولوجية مؤ لفه .
المهم : … أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بهذه المسرحية والتي تشكل بالنسبة لي جانبا مهماً من ذكريات الطفولة ….. والتي ساعدني في استرجاعها المخرج والممثلون وبالتأكيد أنتم بشكل خاص .
.. مع تحياتي لكم ..
أنا هيم دلبرين ..
إلى اللقاء قريباً …
( يحمل حوض السمك ويخرج ) .
 
                                                 

حـينَ
 
 
 
         تتساقط الأوراق
 
 
 
في الخريف … !!
                                   
 
 
 
 
الإهداء : إلى دلوفان برو ..
 

((   الشخصيات   ))
 
 

 

………………….!!
 
دلوفان برو :

 

العمر8 سنوات.
 
ماسح الأحذية :

 

العمر 22 سنة .
 
العسكري :

 

العمر 51 سنة .
 
السيدة :

 

العمر 44 سنة .
 
سائق باص :

 

العمر 42 سنة .
 
الرجل :

 

العمر 30 سنة .
 
المخرج :

 

العمر20 سنة .
 
الطبيب :

 

العمر 19 سنة .
 
سيامند :

 

العمر 16 سنة .
 
ليلى :

 

العمر 16 سنة .
 
شيرين :

 

العمر 17 سنة .
 
جوان :

 

العمر 50 سنة .
 
الأب :
 
العمر47 سنة .
 
 
الأم :
 

 
  ألم الرحيل : خريف 2005م
 عمر دلو : 27 سنة
  
 
( المكان موقف للباصات ، يعلوه صياح السائقين ومعاونيهم عن وقت المغادرة والوجهة ، ممزوجة بأصوات البائعين المتجولين ، والمتسولين . دلو شارداً وهو جالس على أحد المقاعد المزدوجة المتراصة على القسم الأمامي من خشبة المسرح وعلى يمينه يدخن شاب بلباس عسكري وعلى يساره حقيبة كبيرة وأمامه طفل صغير يمسح له حذائه ) .
 
ماسح الأحذية : (حاملاً علبته التي تبدو كبيرة بالنسبة له ).. خمس ليرات .. ياخال ….
دلو : ( منتبهاً ) .. ماذا .. من طلب منك أن تنظف حذائي ..!!! ( وهو ينظر إلى حذائه ) … وأن تلمعه ..!!
ماسح الأحذية : ( وقد خاب أمله ) .. أنت بالطبع .. سألتك في البداية .. وقد وافقت على ذلك .. ( متذكراً ) .. لكن لا بلسانك .. بل بهز رأسك هكذا ..
( يهز رأسه إلى الأسفل ) .
العسكري : (متدخلاًبتطفل وقد سمع كل الحديث ) هيا …مع السلامة يا ولد ..
أنني أعرفكم خير المعرفة يا ماسحي الأحذية … هيا .. هيا .. الرجل لم يطلب منك شيء … هيا .. أغرب عن وجهي … هيا..                         
ماسح الأحذية : ( بخوف لكن بتحدٍ ) … وما دخلك أنت ..؟؟
دلو : ( للعسكري ) لا بأس يا أخي … ( للولد وهو ينظر إلى حذائه ) ..
خذ خمس ليرات .. إنك تستحقها ….
ماسح الأحذية : ( فرحاً وهو يراقب الأحذية قبل أن يسمع جوابه ) … شكراً يا خال .. عوضها الله لك بألف مثلها … ( يذهب ويبحث عن أحذية تحتاج إلى التنظيف ) .
العسكري : ( بغرور وهو يناوله سيجارة ) ..لو كنت مكانك لما دفعت له ..
دلو : ( ممانعاً ) ..شكراً أنا لا أدخن … إنه طفل صغير ..!!                          العسكري : ( وهو يمد له يده ) .. أسمي آلان .. , أنا في الخدمة العسكرية هنا في العاصمة ( ينظر إلى ساعته دون أن ينتظر الجواب ) … وها قد حان موعد العودة إلى البيت … ( يحمل حقيبته الصغيرة وعلبة للحلويات ) … وداعاً …
دلو : ( مراقباً رحيله، لنفسه )… وأنا دلوفان برو… مع السلامة…
سائق باص : ( مقاطعاً ويحمل حقيبة دلو ) .. إلى الشمال يا أستاذ .. بعد نصف ساعة …
دلو : ( بفزع ، منتزعاً الحقيبة من يد السائق ) ..قد وصلت من الشمال للتو ..شكراً (مراقباً السائق وهو يحمل حقيبة السيدة الجالسة في الخلف ) .. أستاذ .!. إنها العاصمة اللعينة …. ( يجلس في مكانه من جديد وهو يفتح حقيبته مخرجاً منها صورة ) .. سأشتاق إليه كثيراً … ( يقبل الصورة ثم يتابع التمعن فيها ) .
السيدة : إنه طفل جميل .. إنه  لا يشبهك كثيراً … أهو أبنك … ما اسمه .؟؟
دلو : ( متفاجأً وملتفتاً إلى الخلف ) .. إنه يشبه أمه … أسمه
لاوين …
السيدة : أسمٌ غريب … ماذا تفعل هنا .. أنت عائد إلى ديارك .. أليس كذلك .. لأنني رأيتك تقبل صورته .. ؟؟
دلو : ( متأثراً ) … بل أنا مسافر  ٌإلى مكان آخر … لكنني لم أعتد على عدم رؤيته لعشر ساعات متواصلة … ( منتبهاً )عن أذنك .. ( حاملاً الحقيبة وملتفتا ًإلى اليمين وإلى اليسار كمن يبحث عن شيء ما ثم يتجه نحو اليمين ) .
السيدة : (بصوت عال ) إن ذلك الباص ذاهبٌ إلى الشمال .. !!!؟
دلو : ( بنبرة بكاء ودون أن يلتفت إليها وهو يتابع مسيره ) ….
وأنا عائد إلى الشمال .       
  البداية : صيف 1993 .
 عمر دلو 15 سنة . 
  
 
   ( حديقة عامة )
 
 
دلو : ( ويجلس على مقعد في الحديقة وقد نال منه التعب ) … وماذا بعد ………………
أأعود إلى البيت خاوي اليدين..؟؟.. أم أذهب إلى مديرية التربية ..؟؟ ( مستهزئاً وهو يدس رأسه بين يديه ) .. أم أدعو إلى الله أن يرسل لي من السماء شهادتي الإعدادية التي أستحقهاوالتي نلتها بتعبي .
( رافعاً رأسه بغضب ) اللعنة عليه .. اللعنة .
ذلك السمين البشع … ( مقلداً باستياء ) .. أأنا عالم غيب يا ولد … وكيف لي أن أعلم أين هي وثيقتك ..؟؟!!.. هذه دائرة امتحانات … وليست دار عرافين وعرافات …!
( بتفاهم ) .. ولكن يا أستاذ … لم يجدوها هناك …………. وقالوا بأنها لا بد أن تكون في المحافظة …! ( مقلداً باستياء ) … ألا تفهم ألم يعلموك اللغة العربية في المدارس عندكم ؟؟؟.. قلت لك بأنها ليست هنا وكفى … ( بتوسل ) .. أستاذ أرجوك .. أبحث هنا أو هناك … فربما لم ترسلوها . أو ربما هي مصنفة ضمن أوراق مدينتكم أو منطقة أخرى … ( مقلداً بعصبية ) … ماذا تقول يا ولد ..؟؟؟ أهذا دكان .. قال هنا وهناك ….!
ثم أنك لا تملك بطاقة شخصية تدل عليك…..! فماحاجتك إلى وثيقة لا قيمة لها ولم تجني من ورائها سوى تعب الدراسة …!!… أخيراً ألا ترى بأنك تخالف القوانين بإزعاجك لموظف حكومي أثناء خدمته .. أذهب إلى مديرية التربية … وأحكي لهم قصتك … قبل أن أطلب لك الشرطة .. هيا … هيا.. الذي بعده………….!! ( بغضب ) ….
أيها الحقير البغيض .. ( متمالكاً نفسه ) …سأذهب إلى مديرية التربية وانتهى الأمر
( وهو يقوم من مكانه وبتردد ) … أخشى أن ألقى نفس الجواب هناك أيضاً …!!
( ويجلس مستسلماً ) … على من ألقي اللوم … يا ألهي … على أبي المسكين ودموعه التي ذرفها حين تلقى خبر نجاحي ….؟؟؟
أم على قدر يبكي هو الآخر …؟؟!
( لحظة صمت ، ثم يقوم من مكانه ) …. أمري لله … سأذهب إلى مديرية التربية ..وانتهى الأمر ….
( يدخل رجل قد نال من التعب وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة، يتأمله دلو قليلا ً دون أن ينتبه الرجل ثم يخرج ) .
الرجل : (مستسلماً ) قدماي لم تعدا تحملانني .. ( وهو يخلع حذائه بصعوبة ) …. آه ……..
( لقدميه ) .. أعلم أنكما غاضبتان مني …!! وربما تشتمانني الآن .. !! .. أعتذر يا قدماي .. أعتذر ( بتفاؤل مرح ) .. عهداً مني لكما، بأنني لن أخطو خطوة واحدة مشياً عليكما بعد أن أنال إجازة القيادة … حتى ولو ذهبت إلى الحمام …سأذهب بسيارتي ..!!!
(ضاحكاً ).. ما بال أولئك الموظفين يتلذذون بإرهاق الآخرين..!!؟ ( متذكراً ) …… غادرت البيت الساعة السابعة صباحاً ……… ووصلت إلى المحافظة الساعة الثامنة والنصف تقريباً ….. ( ينظر إلى ساعته ) يا رب السموات أنها الواحدة والنصف .!!
( باستياء ) الأوغاد.. السفلة وماذا لو كنت لا أملك شهادة تعريف. يطعنوننا بالسكين ويسألوننا .. لماذا نموت ؟؟!! .. أنا أبن هذه البلاد يا أوغاد …. وولدت هنا ….. !!!!!!
وأنتم تعرفون بأنني هنا قبلكم ..!!.. يا من تحولتم بقدرة قادر إلى بشر ….!!!
يا من تملكون ما نهبه الآخرون منا ….!!!
شهادة تعريف …؟؟!! أأبقى دون عمل … ( رافعاً يديه عالياً ) .. أرحمني قليلاً يا رب أرحمني … بعد كل تلك الديون والذل .. اشتريت تلك السيارة .. أنها قديمة نوعا ًما ولكنها سيارة .. ولا أجيد أي عمل سوى القيادة … ( منهاراً ) .. لدي أربعة أولاد وزوجة ينتظرونني في البيت يا رب .. اجعلهم عمياناً يا رب ودعهم يعطونني إجازة القيادة اللعينة تلك…(يتمالك نفسه)..يجدر بي الذهاب .. ولكنني سآتي غداً …. فربما …. ( ضاحكاً بجنون ) ربما ماذا .. أيها الأحمق .. ؟؟! وهل ستتحول إلى مواطنٍ في أوراقهم بين ليلة وضحاها … ؟؟!! أم ستسرق بطاقة أبن أحد أعمامك …؟؟! ( صارخاً ) يا دنيا .. يا شجر ..يا مقعد .. يا حجر … من أين لي بتلك البطاقة الخضراء والحمراء …!!
أنا مكتوم … أنا منسي … ( ينظر إلى كل شيء من حوله ) ..
يا ألهي .. إنني أهذي ..!؟؟
(ينتعل حذائه بسرعة)..سأغادر هذه المحافظة اللعينة قبل أن أجن..!!!
 
( يخـرج راكضـاً )
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
  حينَ تتساقط الأوراق في الخريف…!!
 ربيع 1995م .  عمر دلو : 17  سنة
  
 
(خمس كراسي تتوسط خشبة المسرح على شكل نصف دائرة ، ويجلس عليها خمسة ، وهم جوان وشيرين ودلو وليلى وسيامند من اليمين إلى اليسار)
 
سيامند : ( رافعاً رأسه ) وراء ليل طويل بدأت القصة …
ليلى : ( مخاطبة الجمهور ) قصة أبكتنا وإلى زنزانة سوداء ألقتنا …
دلو : ( باكياً ) لست السبب .. لست السبب …
شيرين : ( وهي تنظر إلى دلو ) دع الليل يغادرنا فإننا لم نعد نحتمل السفر …
جوان : ( وهو ينظر إلى دلو ) فك وثاقنا فلم نعد نصبر على قيود من حجر ..
شيرين ، ليلى : ( تقومان و تطوقان دلو ) إن الأنانية تحكمك .. إن الموت لمصيرك ..
دلو : ( متقلصاً على الكرسي بينهما ) أنتم أشباح لا أكثر .. فهم لن يعاتبوني .. 
لو عانوا ما عانيت … ( سيامند وجوان يمسكان بيديه )
سيامند : حكمنا عليك بالموت بكاء ً…
جوان : وسندفنك عارياً …
دلو : (صارخاً ) .. لا .. لا أريد أن أموت .. ( ينسحب الآخرون بخطوات سريعة ) لست السبب … لست السبب .. لست
… ل … ( ينام دلو ثم يدخل الطبيب ويجلس إلى جانبه وفجأة يستيقظ دلو )
دلو : ( بفزع ) ماذا كان كل ذلك أيها الطبيب ..!!… أقسم بأنني كدت أموت من الرعبة …
الطبيب : هدأ من روعك .. فالحبوب التي وصفتها لك ستساعدك على النوم ولكن عليك أن تساعدني قليلاً … وتنسى تلك البلاد بأكملها .. ما حصل قد حصل والكل هنا وهناك يدركون قسوتهم المهم أن تقتنع بجلسات العلاج الجماعية مع أبناء جنسك
دلو : سأحاول….
المخرج : (مصفقاً من بين الجمهور ) برافو .. يا شباب .. ( الكل على الخشبة ) أداء جيد من الجميع .. ( بينهم ) جوان .. بدفنك عارياً .. وأنت قلت .. سندفنك عارياً ..
جوان : أعتذر.. تذكرتها فيما بعد ولكنني لم أشأ أن يُقطع المشهد.
المخرج : لا بأس … حسناً … استراحة لمدة ربع ساعة .. ثم نتابع من المشهد الأخير من مسرحية (حين تتساقط الأوراق في الخريف ) ( الكل يخرجون ) دلو … أريدك لأمر ما
دلو : نعم .. يا أستاذ .. ؟
المخرج : لستُ السبب .. لستُ السبب .. أريد أن تقنعهم .. بهذه العبارة .. وبالنسبة للتنويم المغناطيسي .. فهو يبدأ بالعيون ثم يتحكم لاحقا ًبالشفاه .. فاجعل شفاهك أكثر مرونة …
 دلو : (مبرراً ) أعلم يا أستاذ … ولكن تفكيري لم يكن منحصراً في دوري آنذاك … أنا أسف جداً .. قد شردت رغماً عني …!!
المخرج : ( بتفاهم وهو يدعوه إلى الجلوس ) لا بأس .. المهم أن تسيطر على شرودك يوم العرض .. فقد اقترب موعده ..
دلو : ( بيأس ) .. سأحاول قدر استطاعتي يا أستاذ ….
المخرج : الحياة جميلة يا دلو .. حاول أن تفهمها .. ثم أنك لست أول شخص ولن تكون أخر شخص لم يكمل دراسته…( ممازحاً ) … انظر إلى جوان مثلاً.. هو في عمرك تقريبا ويتابع دراسته .. ولا يستطيع أن يخلق كل حالة اطلبها منه، أنت ممثل جيد يا دلو .. وكل الفرقة تشهد لك بذلك … ( بجدية ) ومكانتك لدينا عالية سواء أن درست أم لم تدرس …
دلو : ( بتململ وهو يقوم من مكانه متوجهاً نحو الجمهور وبصوت عال ) … لا أحد يفهمني .. لا أحد .. ( إلى المخرج وبشيء من الندم ) .. أسف يا أستاذ … لم أقصد أن أرفع صوتي .. ولكنني أريد أن أتابع  … والفضل يعود إلى الفرقة هم زرعوا فيّ حب المسرح … وكلنا نعلم بأن مستقبلنا كممثلين لن يتحقق .. ما دمنا ( يتأمل الغرفة ) نتدرب في غرفة لعينة .. خوفاً من …….
( مستسلماً ) .. لنكن واقعيين يا أستاذ … أربع .. خمس .. عشر سنوات .. ثم أركض وراء لقمة لعينة وينتهي حلمي …. ( بانفعال حالماً ) … أريد أن أسمع صوت قدماي وأنا أمشي على خشبة لعينة .. جمهوراً يصفق لي على أدائي لا على جرأة أتحلى بها أو مبادئ أمثلها متحدياً السلطة… ( منتبهاً ويستسلم لإرهاقه على الكرسي ) .. أسف لم أقصد .. ( يقاطعه المخرج ) .
المخرج : ( متفاهماً ) .. لا بأس يا دلو … هون عليك .. ثم أن الكل يعلم بذلك .. وكل الفرقة بكبارها وصغارها تريد أن تقدم لك المساعدة … ولكنك …
دلو : ولكنني …… ولا حلول لمشكلة كهذه …
المخرج : (متأثراً ) … أقسم أنني أفكر بك كل يوم … لابد من حل .. لابد ..
دلو : ( بابتسامة صغيرة ).. أشكرك يا أستاذ…. لولاك لما كنت …
المخرج : ( مقاطعاً ) .. لا داع لذلك … ( بفرح ) .. المهم أن تهز الطبيعة يوم العرض .. فهي تفهمنا أكثر من صالات المسرح …
دلو : ( متفائلاً ) … لك هذا يا أستاذ …. ( يدخل البقية ) .
الطبيب : حتى في الاستراحة ؟؟!! .. إنكما لا تتعبان …!!
( يضحك الجميع ) .
المخرج : ( مصفقاً ).. المشهد الأخير.. الكل إلى مكانه .. تبدؤون مع إشارتي … OK .. يا شباب … ( يغادر خشبة المسرح ) .
( الكل على كرسيه والطبيب خلفهم ) .
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…