«العربيّة» بين استوديوين في القاهرة وبيروت

هوشنك أوسي

تأتي قوّة أيّ برنامج تلفزيوني، لا من قوّة فكرته، بل من قوّة وعمق ومهارة معدِّه ومقدِّمه، في الدرجة الأولى. وكلما احتوت لائحة البرامج، لأيّة قناة تلفزيونيّة، برامج ذات وزن وقيمة إعلاميّة، معرفيّة ومهنيّة يقدّمها إعلاميون ذوو صولاتٍ وباع، كلما ازدادت أسهم هذه القناة لدى بورصة المُشاهدة، وارتفع مؤشّر متابعها وجدّيتها، وتمتّنَ حضورها وتصدّرها لائحة الخيارات لدى المُشاهد. وكذا الحال مع قناة «العربيّة» التي بات كثير من برامجها عنواناً للرصانة والاتزان والعمق في التعاطي مع القضايا والملفَّات والإشكالات العربيّة والشرق الأوسطيّة والعالميّة. وذلك، عبر أسلوب تناولها وطرحها ومعالجتها. وتمثيلاً وليس حصراً، يمكننا ذكر برنامجي «استوديو بيروت» الذي تقدّمه الإعلاميّة اللبنانيّة المعروفة جيزيل خوري، الذي تبثّه «العربيّة» ليلة كل خميس، و «استوديو القاهرة» لمعدّه ومقدِّمه، الإعلامي المصري المعروف حافظ الميرازي، وتبثّه «العربيّة» ليلة كل جمعة.
جيزيل خوري التي كان لها برنامج حواري سابق على شاشة «العربيّة» عنوانه «بالعربي»، هي الآن معدِّة ومقدِّمة «استوديو بيروت»، وتتناول في برنامجها هذا، الشؤون والشجون والقضايا اللبنانيّة وحسب، سواء منها السياسيّة أو الاقتصاديّة، وحتّى البيئيّة، رصداً وتحليلاً، بحيث تسلّط الضوء على أبرز قضايا التي تنشغل بها الساعة اللبنانيّة، خلال أسبوع، عبر التقارير المصوّرة، واستضافة أهل الاختصاص والمعنيين بالأمور، إضافة إلى نشرة خبريّة مقتضبة لأهمّ ما شهده لبنان خلال أسبوع. والإعلاميّة خوري، عطفاً على أهمّيتها ووزنها ومراسها في الحقل الإعلامي، يصعب تسجيل النقاط على برنامجها، ما عدا نقطة واحدة فقط، وهي: إن المُشاهد، لن يألو جهداً لمعرفة الميل السياسي لخوري، ومدى حضور ظلال هذا الميل على برنامجها. بمعنى، إن المُشاهد حاليّاً لـ «استوديو بيروت»، وسابقاً لـ «بالعربي»، يعرف أن مزاج البرنامج، من مزاج مقدِّمته، كونه يجنح الى طرح وتبنّي أفكار وسياسات قوى «14 آذار»!. ولا يغدو هذا الأمر مثلباً، لو كان «استوديو بيروت» تبثّه إحدى القنوات التابعة لقوى «14 آذار» اللبنانيّة. لكن، أن تعرضه قناة «العربيّة» غير اللبنانيّة، والتي من المفترض أنها تقف على مسافة واحدة من كل الفرقاء اللبنانيين، فهذا ما يثير التساؤل!؟

أمّا الإعلامي المصري حافظ الميرازي، المشهود له حتّى قبل أن ينتقل إلى أسرة «العربيّة»، إذ كان يشغل مدير مكتب قناة «الجزيرة» في واشنطن، وكان يعدّ ويقدّم برنامج «من واشنطن» الذي ما زال تبثّه «الجزيرة» ويقدّمه عبدالحميد فقرا…، الميرازي أيضاً يتناول، بحرفيّة عاليّة، في «استوديو القاهرة» أبرز وأهمّ قضايا الساعة المصريّة، خلال اسبوع، عبر التقارير والمقابلات والحوارات مع ذوي الاختصاص والملمّين بالشأن. الميرازي أيضاً، من العسير جدّاً، تسجيل نقاط على برنامجه، ما عدا نقطة واحدة، وهي: انزياح مزاج البرنامج مع المزاج السياسي لمقدّمه. ولكن، بنسبة أقلّ مما يجري في «استوديو بيروت»!. بمعنى، لن يدّخر المُشاهد وسعاً في كشف أن مزاج «استوديو القاهرة»، يميل إلى تبنّي وطرح أفكار المعارضة المصريّة!. وبالتالي، ما قيل في «استوديو بيروت» ينسحب على «استوديو القاهرة» أيضاً، لجهة ألاّ حرج على «استوديو القاهرة» من تبنّي طروحات المعارضة المصريّة والتسويق لها، لو كان هذا البرنامج تبثّه قناة مصريّة خاصّة معارضة.

حاصل القول: لا يمكن لرئيس تحرير في أيّة وسيلة إعلاميّة مرئيّة أو مقروءة أو مسموعة، أن ينقي تأثّر سياسة النشر والبث والتحرير بالمصالح السياسيّة للدول والجماعات ورؤوس
الأموال التي تدير هذه المؤسسات الإعلاميّة. بالتالي، فإن شعار «الإعلام الحرّ المستقلّ» أكذوبة، نرددها ونطالب بها ونزعمها ونخترقها. لكن من دون أن ننسى أنه من الضروري الحفاظ على الحدّ الأدنى من هامش الحياديّة، لكونها معيار الموضوعيّة في الأداء الإعلامي. فقناة «العربيّة» التي أثبتت جدارتها، وحافظت على تنامي شعبيّتها، على رغم استهدافها من محور «الممانعة» وملاحقها السياسيّة والإعلاميّة من نظم وتيّارات ودكاكين ونخب، وحتّى إرهاب، هذه القناة، عليها المحافظة على الوسطيّة والاعتدال، لكونهما رصيد ورأسمال هذه القناة، وألاّ تكون استوديوات «العربيّة» الخارجيّة، تميل حيثما مال مديروها. كما يستحسن أن الفاصل الزمني بين «استوديو بيروت» و «استوديو القاهرة» أكثر من 24 ساعة. وذلك أن يبقى الأوّل يعرض ليلة الخميس، وأن يعرض الثاني، يوم الاثنين مثلاً، لا يوم الجمعة، نظراً الى تشابه اسمي البرنامجين.
الاربعاء, 20 أكتوبر 2010

عن جريدة الحياة
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/193656

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…