كان يرى أن الإنسان الأوربي لم يستطع التخلص من عصور الظلام , إلا بعد أن قرأ تاريخه بأسلوب نقدي , فاستطاع تصحيح ما شابه من أخطاء , وتوصل الى أن تهم الهرطقة والتجديف لم تكن سوى أساليب تعسفية لإسكات الصوت الآخر , حينها تخلص الإنسان الأوربي من عصور الظلام , لينهض ويصل الى عصر الأنوار , ويصل إلى القمة اليوم .
رافق مرض القلب سهيلا منذ ولادته , فمنحه ذلك القوة في شخصيته , كنا أكثر من أصدقاء برغم الاختلاف الواضح بيننا في الرأي , كان عربيا ينتمي الى الحزب الشيوعي , في المقابل أنا كردي بعيد عن الماركسية ولا أؤمن بالحزبية التي أراها تسلب الإنسان حيوية التفكير وحرية الرأي , كثيرا ما كان النقاش يحتد بيننا , ولكن كنا نخرج من تلك النقاشات أكثر قربا , لقد كانت بيننا رابطة أسمى ألا وهي الوطنية السورية , فقد كان سهيل من المؤمنين بأن التواصل بين المختلفين أهم كثيرا منه بين المتفقين وأن المساواة في الحقوق والواجبات بين أطياف المجتمع السوري المتعدد هو معيار تطورنا , وأن ثقافة الإقصاء والتهميش ومحاولات إلغاء الآخر , ليست في مصلحة بلدنا سوريا , وإنما تخدم أعداءها , فهي لا تؤدي الى بناء الأوطان بل الى تدميرها , وأن الاختلاف المذهبي والديني والقومي , موزاييك حضاري سوري , يمتد لآلاف السنين , وألوان الموزاييك أغنى وأجمل من اللون الواحد , إذا عرفنا كيف نستفيد منها , كان يشبه الفكر الواحد الذي يرفض الآخر , ولا يقبل النقد , بسلطة استبدادية تقمع كل صوت معارض , فتخسر بذلك المرآة التي كانت تكشف لها عيوبها , كي تتفاداها , أو مثل فريق كرة القدم الذي ينزل وحده الى الملعب , دون فريق يتبارى معه , ولا يوجد في الملعب غير مشجعيه وطباليه , فيشوط يمينا ويسارا , دون أن يستفيد من تلك اللعبة , وتكثر أخطاؤه , فمشجعوه مهمتهم الزعيق والتطبيل له , دون وجود منافس , أو حكم يحاسبه على أخطائه , فيبقى مكانه يراوح , ولا ينتبه الى فشله , الا حين النزول أمام فريق آخر حقيقي , حينها لا يفيده مديح الطبالين وزعيق المشجعين , وحينها فقط يكتشف ذلك الفريق , كم أنه كان مخطئا لعدم السماح لفريق منافس , يحرضه على إتقان اللعبة , ولكن بعد فوات الأوان , بعد أن تخلف كثيرا عن الفرق الأخرى .
هكذا كان سهيل الشبلي ومن حقه على أصدقائه والذين عرفوه عن قرب أن يتذكروا كم كان ذلك الإنسان رائعا في تعامله مع الآخر , ومن حق الأجيال اللاحقة علينا أن نعرفهم بفكره , فالإنسان يموت ولكن أعماله وحدها هي التي تخلد ذكراه .
حسين عيسو
الحسكة في : 01/01/2011