(الرجل الحر- سعيد النورسي)

دلشا يوسف

يبدأ (سونَر يالجين)كاتب العمود في صحيفة حورييت التركية، مقاله المنشور تحت عنوان ( الكورد صناع الحضارة الأوائل)، بطرح سلسلة من الأسئلة حول حقائق يصعب على عقل الإنسان التركي تقبلها و المثول لها في الوقت الحالي، لذا يحذرهم و يدعوهم للإستعداد لنقاش طاحن قبل الولوج في إيجاد الأجوبة لأسئلته بقوله: “هل أدهشكم العنوان؟ لا تندهشوا”.

و يدرج الكاتب أسئلته بالشكل التالي:
مَن إستخدم الحصان لجر العربة أول مرة؟ من كشف الدولاب  الذي طوّر الحضارة البدائية؟ من كشف الكتابةلأول مرة؟ لمن يعود أصل أسطورة طوفان نوح؟ من وقع على أول بروتوكول مدون في التاريخ؟ من كتب الشعر لأول مرة؟ من أسس الإرصاد الجوي لأول مرة؟ لمن يعود إرث ملحمة كلكامش؟ لمن يعود أصل سباق الخيول؟ من عزف على آلة الطنبور لأول مرة؟ بمن تأثر كل من مولانا الرومي و حاجي بكداش؟ كيف ولدت العلوية؟.
بعد كل هذه الأسئلة، هل تعتقدون أن المسألة ستنتهي عند ثنائية اللغة و الحكم الذاتي؟”.
يذكر الكاتب سونر يالجين، أنه إستقى أفكاره و أسئلته من كتاب قرأه و هو كتاب (تاريخ الكورد و حضارته) لمؤلفه جمشيد بندر و هو الإسم المستعار ل ( مهدي هاليجي) الكوردي الأصل و الذي يعتبر أحد تلامذة و مريدي بديع الزمان شيخ سعيد النورسي الكوردي، و هو واحد من أبرز علماء الإصلاح الديني و الإجتماعي في العصر الراهن. ولد عام 1877 في قضاء نورشين التابعة لولاية بتليس الكوردية. عانى النورسي النفي و السجن طوال عمره، بسبب إتهامه من قبل النظام التركي برئاسة مصطفى كمال آتاتورك، بمعاداة الدولة التركية العلمانية، و هو الذي نذر حياته من أجل حماية الإسلام و العقيدة الإسلامية في تركيا.
و من المفارقات أن تتزامن مقال الكاتب هذه مع بدء دور السينما التركية بعرض فيلم ( الرجل الحر- سعيد النورسي)، و الذي يجسد قصة حياة و نضال الشيخ النورسي، إلى جانب مطالبة بعض الشخصيات و المنظمات المدنية و التابعين لطريقته، الكشف عن مكان دفن جثمان النورسي، الذي توفي في أورفا عام 1960، و لكن و بعد شهر من وفاته، قام الجيش الإنقلابي بالإنقضاض على قبر النورسي و نقل رفاته إلى مكان مجهول. و لا يعرف حتى الآن أي أحد بمكان دفنه، رغم أن مقابر تركيا مليئة بشواهد قبور تحمل أسم الشيخ النورسي، و حركته اليوم تضم الملايين، و ما تمر ليلة واحدة دون أن تعقد مئات الحلقات لدراسة رسائله و تحليل معانيها.
يمضي الكاتب في مقاله – و الذي بإمكاننا أن نستشّف من مضمونها سوء نيته و كأنه يقرع جرس الحذر و يثير غيرة الأتراك بأن يستعدوا للطوفان الآتي من جهة الكورد و تطلعاتهم المستقبلية – بقوله:
” يمنحنا كتاب ( تاريخ الكورد و حضارته- الطبعة الثالثة- دار نشر قايناق 1991)، فكرة واضحة عن ما سيدور النقاش حوله في تركيا في المراحل القادمة، غير ثنائية اللغة و الحكم الذاتي.
إن الكتاب يحمل في طياته فكرة التأكيد على حقيقة أن الشعب الكوردي أول من بدأ بصنع الحضارة الإنسانية”.
و من وحي فيلم (الرجل الحر- سعيد النورسي)  أيضا، نشر الكاتب ( نوح جونولتاش) مقالا في صحيفة ( بوجون) تحت عنوان ” بديع الزمان و آتاتورك”، يشرح فيها مدى أهمية البحث في جذور العلاقة بين مصطفى كمال آتاتورك، باني الجمهورية التركية العلمانية، و بديع الزمان شيخ سعيد النورسي.
حيث يقول:
” أثار فيلم ( الرجل الحر- سعيد النورسي) موجة من النقاشات، حتى قبل البدء بعرضه. حيث لفت إنتباه الرأي العام، المشاهد التي يتواجه فيها آتاتورك مع النورسي، و الذي لم يكن يعلم بها الكثير من الناس”.
و يضيف الكاتب قائلا:

” قدم النورسي خدمات جليلة للإسلام، فقد ألّف العشرات من المجلدات، رغم الظروف القاسية التي فرضت عليه. حيث عاش في أكثر المراحل وعورة في التاريخ التركي، و تقاطع في كثير من الأمور مع آتاتورك، لكن الأخير كان يرى في النورسي تهديداً للعلمانية التي ناضل من أجلها، لذا أراد  بمعاداته للنورسي ، وضع الحركات الدينية تحت سيطرة سلطة الدولة”.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…