شيرين كيلو وتفصيل علاقة الرجل بالمرأة ..

محمد باقي محمد

  في قصيدتها المعنونة بـ ” أبحث عنك ” تشتغل شيرين كيلو على الخطاب الأنثوي في شقه الشعبوي ، إلاّ أنّها لا تذهب إلى الشكوى، لتذكّر الشريك الرجل بمدى ما ألحقه بها من حيف ، وذلك بالاحتكام إلى منظومة ذهنية ذكورية فظة وجائرة ، بل أنّها تنشد علاقة حبّ معه في تماه ، ولكن هل ننجح في إقامة علاقة مُتوازنة ، في الوقت الذي تميل فيه الكفة جهة الأقوياء !؟ حتى في مُستقبل منظور ما تزال علاقة تنهض على التكافؤ ، أي على التماثل لا الامتثال ، غير مُدرجة على منظومتنا الذهنية بعد  ..
  وفي التنفيذ تأتي كيلو على الأليف .. القريب من القلب والعين معاً ، ربّما لأنّها تستمدّ شاعرية مقالها من شاعرية المقام ذاته ، ولذلك فنحن لن نقع على وحشيّ الكلام أو غريبه ، ليس ثمّة جعجعة إذن ولا خطابية أو أيّة شعارات ، ولكننا – من كل بدّ – سنقع على هذا الكلام إذ يُدرج في سياق خاص ، أثيث وجميل يقوم على الإدهاش كما في ” كأنك تسكن هواءها وأمطارها ” أو كما في ” أقرؤك في كل غيمة وشجرة ” ، ولا نظنّ الأمر بعيد عن مُحاولة من الشاعرة في الاشتغال على الجدة والفرادة ..

   هي تلجأ إلى أنسنة الجامد بتبادل الصفات ، فالحبيب صنو لهواء المدينة وأمطارها ، ولذلك فهي تقرؤه في كل غيمة أو شجرة ، وبذا فهي ترفع قصيدتها إلى مقام التشوّف والتواصل الإنساني في مراقيه العالية ، قد لا يكون ثمّة ترسّم لتراث المتصوّفة ، وقد لا يكون ثمّة اشتغال على الهامس والمرخم والمفخم والحلقيّ على غرار ما كان الأسلاف من المتصوفة قد فعلوا ، ولكن ثمّة إيقاع – قد لا يتأتى له أن يحلّ محل الوزن – إلاّ أنّه فعال ، وعلى مُستوى الموضوع ثمّة إعلاء لشأن الحب كقيمة بذاته إلى عليّين ..
   وكعادة قصيدة النثر تحضر التفاصيل الصغيرة لتعطي الصورة اكتمالها ، يحضر اليوميّ الذي قد لا نأبه به ، لكن الشاعرة إذ تمرّ به ترفعه إلى مقام الشعر ، ليتداخل الاشتغال على القضايا الكبرى بهذا اليومي في تفاصيله المُمضّة ، إذ قد نختلف حول قصة حب بعينها ، غير أنّنا لن نختلف حول الحب كثيمة وكمعيار أيضاً ، بهذا المعنى قد نقول بأنّ قصيدة النثر تنسج حساسيتنا للإنساني والنبيل فينا على اقتدار ..

   ثمّ تنتبه كيلو إلى مأزق شخصيتها المحورية ، وإلى إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة في تجسيدها الواقعي ، إذ ها هو الشريك ينأى ، ولذلك هلت الخواتيم في انضوائها على المفارق والصادم تحقيقاً للإدهاش ، تتراوح صورة المدينة بين الزيف والضياع إذن ، وبذلك تحقق قفلة مُدهشة ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…