ترجمان الحلم

إبراهيم اليوسف

كثيراً ما يتناول دارسو الأدب والفن الإنسانيين ظاهرة الحلم في الأدب والفن، ليكون الحلم بذلك العمود الفقري في النتاج الإبداعي، أياً كان، وهو ما يظهر لدى الشاعر أو الأديب أو الفنان، على نحو أو آخر، سلباً أو إيجاباً، ليرتبط الحلم بالتفاؤل الذي ركزت عليه بعض نظريات الأدب والفن، لدى بعض المبدعين، أو بالتشاؤم لدى آخرين، وهو ما كان يسمى ب”انكسار الحلم” .
ولعل الحلم في  النتاج الإبداعي يظل مرتبطاً برؤية المبدع، بل بمجمل الظروف المحيطة به، فهو يأتي كحصيلة لتجربته وظروفه، وتطلعاته إلى اللحظة المقبلة، متاثراً بها، ونابعاً عنها .
وإذا كان المبدع يترجم حلمه عبر إبداعه، فإن الحلم هو  في التالي  خصيصة إنسانية عامة، وينشأ على نحو مختلف بين شخص وآخر، لدرجة أنه لا يمكننا الحديث عن مجرد حلم واحد، يساور الإنسان أياً كان، في أي زمان ومكان، بل إنه حتى ضمن الأسرة الواحدة التي ينشأ أبناؤها في ظروف متشابهة، ويتلقون ثقافة واحدة، فإن أحلامهم تتباين، ولا يمكن الحديث عن “نسخة فوتوكوبية” من الحلم لدى جميعهم، في صيغة واحدة، وعلى نحو واحد.

ولعل في تلون الأحلام  إذاً  عند الناس، ما يذكرنا بمبدأ “البصمة الحلمية” التي تعود إليها سائر التباينات الحلمية، وتشكل أرومة مختلفة، تكاد  بالرغم من قواسمها المشتركة  أن تكون سلالة كاملة من الأحلام، لها علاماتها الفارقة بين فرد وآخر، لئلا يشبه حلم أحد منا أحلام أي من السابقين عليه، أو اللاحقين به حتى في شجرة الأسرة نفسها.

وكما أن لبصمة الحلم هذه الفرادة، فإنه يمكن العودة إلى العمل الإبداعي للوقوف على علاماته الفارقة، من قبل الناقد الحذق، اعتماداً على درجة الخصوصية الحلمية بين مبدع وآخر، وهذا ما يقصي على ضوء مثل هذا الكلام ما يمكن أن يلتبس بالحلم، انطلاقاً من جذر إيديولوجي، أو سواه، الأمر الذي يجعلنا نعيد النظر في الكثير مما هو مستنسخ حلمياً تحت سطوة بعض المدارس الأدبية  على سبيل المثال  ليكون اللاحق صدى للسابق، بل قد يكون  في اللاحق تجاوزاً للسابق ذاته، وإن كان هناك ما قد يغفر في الحلمية المقارنة، نظراً للاتفاق على قيم الخير والجمال وغيرهما.

وفي هذا المنظور من التشابهات والتصاديات الحلمية، ضمن الإطار المسوغ والطبيعي، يمكن تناول علاقة المبدع بمحيطه الاجتماعي، أنى ترجم حلمه في الخلاص من ربقة الظلم والاستبداد، ليقارب بين حلمه الخاص والجمعي، ويكون لسان حال من حوله، وهذا ما قد يعيد إلى البال تلك الأعمال الإبداعية الخالدة التي كانت تتغنى بإرادة الإنسان التي لا تقهر، ومقدرته على قيادة زمام اللحظة والتأسيس للمستقبل، وهي من أولى مهمات المبدع الذي لا بد أن يكون إبداعه حافزاً للتغيير لمصلحة مجتمعه والإنسانية برمتها، من دون أية مساومة عليها، لأن على المبدع الذي يريد الخلود لإبداعه ألا يقفز فوق لحظته التاريخية، بل أن يجيد قراءتها، ويجهد في إضاءتها انطلاقاً من الدور المعول على خطابه في خدمة قضايا الوطن والمجتمع، من دون أية مغامرة بما هو جمالي في الإبداع .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فراس حج محمد| فلسطين

المقدمة

تُمثّل رواية “ميثاق النساء” للروائية والشاعرة اللبنانية حنين الصايغ، الصادرة في طبعتها الأولى عن دار الآداب عام 2023، إضافة نوعية في المشهد الثقافي العربي المعاصر. لقد نجحت الكاتبة في تقديم عمل أدبي عميق يتجاوز كونه سرداً فنياً ليلامس قضايا اجتماعية ونفسية حساسة، خاصة في مجتمع يتسم بالخصوصية والانغلاق مثل المجتمع الدرزي في…

فواز عبدي

إلى أخي آزاد؛ سيد العبث الجميل

في مدينة قامشلو، تلك المدينة التي يحل فيها الغبار ضيفاً دائم الإقامة، وحيث الحمير تعرف مواعيد الصلاة أكثر من بعض البشر، وبدأت الهواتف المحمولة بالزحف إلى المدينة، بعد أن كانت تُعامل ككائنات فضائية تحتاج إلى تأشيرة دخول، قرر آزاد، المعروف بين أصدقائه بالمزاج الشقي، أن يعبث قليلاً ويترك بصمة…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

يُعْتَبَر عَالِمُ الاجتماعِ الألمانيُّ ماكس فيبر ( 1864 _ 1920 ) أحَدَ الآباءِ المُؤسِّسين لِعِلْمِ الاجتماعِ الحَديثِ . وَقَدْ سَاهَمَ بشكلٍ فَعَّالٍ في دِرَاسَةِ الفِعْلِ الاجتماعيِّ ، وتأويلِه بشكلٍ مَنْطقيٍّ وَعَقْلانيٍّ ، وتَفسيرِه بطريقةٍ قائمة عَلى رَبْطِ الأسبابِ بالمُسَبِّبَاتِ .

عَرَّفَ فيبر الفِعْلَ الاجتماعيَّ بأنَّهُ صُورةُ السُّلوكِ الإنسانيِّ الذي يَشْتمل…

سيماف خالد محمد

أغلب الناس يخافون مرور الأيام، يخشون أن تتساقط أعمارهم من بين أصابعهم كالرمل، فيخفون سنواتهم أو يصغّرون أنفسهم حين يُسألون عن أعمارهم.

أما أنا فأترك الأيام تركض بي كما تشاء، تمضي وتتركني على حافة العمر وإن سألني أحد عن عمري أخبره بالحقيقة، وربما أزيد على نفسي عاماً أو عامين كأنني أفتح نافذة…