اللغة الكردية في قفص الاتهام!!!!! (من وحي المحاكم)

المحامي محمود عمر

ظن (ميخائيل نعيمة) و (كلكامش) في نسختيهما الكردية, إن وجودهما تحت يد من قد أجيز له, ومنذ أكثر عقد من الزمن بنشر مؤلفاته بلغته الأم سيشفع لهما, ويمكنهما من اجتياز نقطة حدود نصيبين القامشلي بأمان, والإفلات من عين الرقيب ولكن هيهات فقد تم توقيفهما, وإحالتهما إلى أحد الفروع الأمنية, وبعد استجوابات متكررة أحيلا للمحاكمة أمام القضاء العسكري, بتهمة إثارة النعرات المذهبية والعنصرية سندا للمادة 307 من قانون عقوباتنا, وفي ذات السياق تم توقيف الشعر الكردي حين حاول الهروب من الملاحقة والتخفي في إحدى القرى النائية للاحتفال بمهرجانه الخامس عشر في أحد البيوتات المهجورة, فتلسكوبات المراقبة كانت له بالمرصاد, وأحيل بعد حين كصاحبينا (ميخائيل وكلكامش) ليحاكما بنفس التهمة وأمام ذات المحكمة.
حاولت هيئة الدفاع أن تجتهد في دفوعها لتبرئة ساحة موكليها, وتؤكد بأن اللغة الكردية, لم تكن يوما غريبة أو دخيلة على البيئة العربية, وانه وإذا كانت بعض الجماعات والهيئات المتخصصة في بلدان الغرب المتقدم, تبحث اليوم في الأدغال, وعمق الغابات, وأطراف الصحارى, عن قبائل وشعوب بعيدة عن الحضارة وقوانينها, وذلك بغية تدوين, وحفظ لغاتها , وتراثها, خوفا من الضياع, تحت مسميات عدة (كحماية الشعوب واللغات المهددة بالانقراض) فإن ذلك لا يثير الدهشة والعجب إذا ما قورن بحال وأحوال الشعوب المنضوية في ظل الحضارة الإسلامية التي كفلت لكل الشعوب ـ وعلى مبادئ الدين الحنيف التي تدعو إلى العدالة والمساواة ـ نمو وازدهار ثقافاتها ولغاتها, على الرغم من التمايز بينها, في التاريخ والطباع والعادات, وكل ذلك كان يأتي في إطار المهمة التي خلقنا الله كبشر من أجلها ـ وهي أعمار الأرض ـ بعد أن جعلنا خليفته على الأرض. حيث كان من نعمه سبحانه وتعالى انه لم يشأ أن يجعلنا أمة (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) بل جعلنا شعوبا , وقبائل, للتعارف والتعاون , وأعمار البسيطة (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) هكذا استرسل الدفاع مؤكدا بأن من أبرز النماذج لهذه العلاقة بين الشعوب, هي تلك التي جمعت العرب بالكرد وذلك نظرا لتداخل عوامل الجغرافية والتاريخ والعيش المشترك فيما بينهم, وان نصيب الكرد من الرقي والتطور وفي كل الميادين في ظل هذه الحضارة لم يكن  بأقل من الشعوب الأخرى, فكما ظهر من بين الكرد قادة عظام كصلاح الدين, وشيركوه, وأبا مسلم, ولاحقا وفي العهد الحديث ظهر ثوار ومحررين كيوسف العظمة, وإبراهيم هنانو, وسليمان حلبي, والبارافي, ظهر بينهم أيضا علماء وفلاسفة ومؤرخين كابن خلكان, وأبناء الأثير, والقاضي الفاضل, والفارابي, وفي ميدان اللغة والشعر ظهر جهابذة كالشاعر احمد الجزيري, وفقه طيران , وأحمدي خاني وملحمته (مم وزين) التي ما زالت وبعد ترجمتها إلى العربية من قبل الدكتور البوطي تباع وتعرض في جميع المكتبات, ومؤخرا ظهر أدباء أبدعوا ـ ولم يكن بهم غضاضة ـ  بنشر نتاجاتهم باللغة العربية, رغم أصولهم الكردية, كأمير الشعراء أحمد شوقي, وقاسم أمين, والزهاوي, وسليم بركات, الذي يشير إليه  أدو نيس بالقول:(ذاك الكردي الذي بيده مفاتيح اللغة العربية). وفي دمشق أوجد الأمير جلادت بدرخان الأبجدية اللاتينية للأحرف الكردية, وفيها نشر مجلته هاوار(الصرخة) لأكثر من عقد, ومن بعده أكملت زوجته روشن  بدرخان مسيرته الأدبية ومثلت سوريا في أكثر من مؤتمر نسائي عالمي, وبين دمشق وبيروت كان يتنقل المرحوم الشاعر جكرخوين لطباعة دواوينه, وصوت أول إذاعة كردية  خارج مناطق التواجد الكردي انطلقت من أرض مصر العربية, و ادراكاً لهذه الحقيقة قال السيد رئيس الجمهورية: (القومية الكردية جزء من النسيج الاجتماعي السوري ومن تاريخ سوريا), اذاً ـ استطردت هيئة الدفاع ـ فالبيئة العربية كانت وعلى الدوام حاضنة طبيعية للغة الكردية وللتاريخ الكردي ولم يثر ذلك حفيظة أحد بل كانت عامل إثراء حضاري للبشرية جمعاء , ولعله لذلك أوردت هيئة الدفاع بيتين من الشعر للشاعر الجزيري من ديوانه الذي شرحه (مفتي القامشلي المرحوم أحمد الزفنكي تحت عنوان (العقد الجوهري في شرح ديوان الشيخ الجزري) والذي يحوي بمجمله على قصائد قسٌم كل بيت فيها إلى شطر باللغة الكردية وآخر باللغة العربية, مع تطعيمها بمفردات وجمل من اللغة الفارسية حيث يصبٌح الشاعر في البيتين على حبيبته, ويصفها بأنها سيدته الجميلة, وروحه, وملهمة أشعاره, وأنها رؤى العين, وأنه يفتديها بحياته , كلما تطل بقدها المياس في كل صباح جديد حين يقول: 
 (صباح الخير خان منْ) شٌهى شيرين زبان منْ        توي روح روانى من ببيت قربان  ته جانى منْ
حياتُ و راحتا  جانم (صباح الخير يا خانم )          وره  بينا  هيا  جافان   ببينم   بزن   وبالايى

بعد كل هذا وبعد البحث في الوقائع والأدلة والبراهين والتكييف القانوني والاجتهادات والمواد القانونية والدستورية التي ساقتها هيئة الدفاع طلبت إعلان براءة موكليها مما هو منسوب إليهم , لأن شعبا ألزمه سخائه ووفاءه وإخلاصه سبق الإفاضة في القيام بواجباته, لا يستحق أن يحاكم في لغته بل يستحق ـ وعلى قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات وفضل الاعتراف بالجميل ـ أن يتساوى مع غيره في التمتع بالحقوق, رفعت قضية (ميخائيل نعيمة وكلكامش) ـ بنسختيهما الكردية ـ للتدقيق , وحكم عليهما فيما بعد, وبعد أن استخدم القاضي مشكورا كل صلاحياته في التخفيف, بالسجن ثلاثة أشهر والغرامة , وما زالت دعوى الشعر الكردي ـ في انتظار الحكم ـ قيد النظر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…