العشق بصوت مزهري خالقي… «جزء من رسالة شخصية» (1)

  بقلم: د.سناء الشعلان

     “… بتُّ أفكّر جدياً في تعلّم الكردية؛ لعلّي أعرف كيف تسلّل ذلك السّحر إلى قلبي يوم سمعت رجلاً ساحراً يتحدّث الكردية في أوّل زيارة لي للسليمانية، فذقتُ في لحظة واحدة معنى الجمال واللذة والرجولة وشهقات الجبال وخليط رائحة رذاذ الأمطار والحنطة والأرض المبتلّة والعجين الخامر وطلع الأشجار. لم أكن أعرف ذلك الرجل، ولا زلت لا اعرف من كان، ولكن رجولته المضمّخة بالكردية سحرتني، عندها حصلت على موهبة رائعة واستثنائية، وهي سماع الكردية بقلبي، وهي هبة لم أحصل عليها من قبل. في كردستان جرّبت أن أسمع بقلبي، وأرى بأذني، وأتنفّس بعيني، وقد نجحت في كلّ ذلك.
   عندما كنتَ تترجم لي في أوّل زيارة كلّ كلمة من الكردية إلى العربية كنت أفرح كلما همست لي بكلمة في أذني، فهي كانت تداعب توقّعي، وتشبه فهمي، فأعلم علم العارفين أنّي قد حصلت على هدية كردستانية عجيبة.

ومن جديد تكرّرت تلك المعجزة الغريبة ، يوم أعطيتني مجموعة عملاقة من الأغاني الكردية ولاسيما أغاني السيد مزهري خالقي.، شعرت حينها أنّ هذه الهدية تحمل إليّ دهشتي من جديد، في ليلة وصولي إلى الأردن، أخذت الأقراص في نزهة مسائية في سيارتي، وانطلقت في البعيد، وكان ما توقعّت، لقد كان ذلك الصوت الجميل الحنون امتداداً لكلّ مراقص روحي ودهشتي الفردوسية في كردستان…
 سمعت أغانيه الواحدة تلو الأخرى، لكن تلك الأغنية، أعني أغنية ” أذكرك دائماً” هي من أعادتني إلى تجربة المتعة من جديد، ذلك الصوت الحزين الجميل الغريق المغرق استحضر كلّ الأشياء في لحظة، كان تميمتي ضد انشطار نفسي، وكان ضياعي في ذاتي، وكان حقيقتي التي لا أعرف لها اسماً إلاّ أنّي أعبد هذا الصوت الجميل، وأعبد هذه الأغنية الرائعة.
      عندما قلت لي  يا سيد إدريس إنّ السيد مزهري هو من ألّف هذه الأغنية بنفسه لم أعجب؛ لأنّ هذه الكلمات يجب أن تكون خارجة من أعماق حرقة من شدا بها كي تكون بهذا الكمال وبهذه اللوعة، إنّها اغنية ملتاعة لا تخرج إلاّ من بين الرّوح والجسد والتفجّع.
     أنا لا أحبّ هذه الأغنية لأنّها جميلة بكلّ المعاني فقط، بل أحبّها إن لم أكن أعشقها؛ لأنها قادرة في لحظة على أن تختزلني في اللااختزال، وأن تراقصني، أن تصفعني، أن تبكيني، أن تحضنني، أن تقبلني، وأن تمسّد على شعري.
     هذه الأغنية تشبه صوت حبيبي الذي لا أعرف من يمكن أن يكون، ومتى سأقابله، ومتى سأعشقه، ومن يكون، تشبه كلماته التي لا أعرف ما جدوى أن يقولها، هذه الأغنية فيها من رائحة أمي المضخمّة بعبق البرتقال القروي، وبعيدة مثل حدود الغرباء، وباردة مثل ليل الجبال، وشاهقة مثل أمنيات لا تتحقّق.
    هذه الأغنية باردة وحارة في آن، خشنة وزلقة في لحظة، وممكنة ومستحيلة في كلّ الأوقات.
   عندما أخبرتني عن ملابسات كتابة هذه الأغنية، شعرت بأنّي كنت يوماً هناك في الجبال أرحل مع السيد مزهري، وأغنّي معه للرحيل والغربة، ومدينة اسمها سنا، أليس هذا هو اسم مدينته التي رحل عنها؟ لعلّي كنت في زمن آخر مدينته التي رحل عنها؛ فأنا سناء وهي سنا .لعلّي كنت آخر طفلة رمقته يبتعد دون أن تعرف معنى الرّحيل، لعلّي كنت شجرة بلّوط توكّأ عليها قبل الفراق…
    أنا أؤمن بأنّني كنت امتداد لحظة، وإلاّ كيف تكاثر هذا الحزن والوجد في نفسي بمجرد سماع صوته؟!
      كم جميل أنّ السيد مزهري خالقي قد أبدع هذا النّص الجميل، والغناء الآسر، فأسرني أنا سليلة الصحراء حيث الحداء الذي تسرقه الرمال، وتسعى به نحو العدم…
قدري أن أعشق كردستان، وأن تظلّ روحي معلقة هناك بين الأشجار، وفي تمائم النّماء، وعلى صدور الحوامل والأرامل والمنتظرات…
أنا أعشق الرّجل عندما يكون قصيدة، ولذلك أكنّ كلّ التقدير للسيد مزهري؛ فهو رجل قصيدة في زمن الرجال المراثي…”.
الهوامش:
(1)            جزء من رسالة شخصية موجهة للصديق إدريس كريم في جامعة السليمانية.
(2)            ترجمة أغنية” أذكرك دائماً” لمزهري خالقي .الترجمة بقلم السيد إدريس كريم.

بيرت دةكةم
أذكرك دائما
قصيدة : مةزهةر خالقي
 : مةزهةر خالقي  ئةرِيَنج : بابةك
لةندةن :1993
لة هةرلايةك  ,يا لة كويَ بم إن كنت من اي جهة أو من أي مكان
لة هةندةران ,ياكو ديل بم أن كنت من الغربة او إن كنت أسيرا
تؤتؤي دلَم ثرِ ئةوينة طيات قلبي مليئة بالعشق
بيرت لة دلَ زؤر بة تينة ذكرك في القلب متينة
دةضمة هةوراز لاي هةوران سأذهب الى التل والغيوم
هاوار ئةكةم لاي ثةريان أصرخ عند الملائكة
   ئاي كة بيري ,طيان كةبيري تؤ ئةكةم آه من ذكري، آه اني اذكرك
طيانة بيرت دةكةم,قوربان بيرت دةكةم يا حياتي أذكرك، سيدتي أذكرك
خؤشةويستي من لةطةلَ تؤ إن حبي معاكِ
بةرهةمي ذيان و خةباتة نتاج الحياة والثورة
وةك بةهاري كوردةواري مثل ربيع الأكراد
ثرِ طولَ و لافاوي سةختة مليئة بالأزهار و الفيضانات الشاقة
جاريَ بة طولَ ,جاريَ بة دلَ مرة بالزهرة، ومرة بالقلب
يادو بيري تؤم مةبةستة قصدي هو اني اذكرك وأفكرك
هيواي سةربةستي و ئةوينم يا امنية حريتي و إشتياقي
بةرهةمي زام و برينم نتاج جرحي و ألمي
كة من كوردم رِاهاتووم كأني كردي متدرَّب من زمان
دةميَ لة شاخ يا لة شار بم أعيش مدة في الجبال و مدة في المدينة
دةبيَ بزانيت ئازيز ينبغي ان تعرفي يا سيدتي
دةبيَ ئةو رِؤذة لة لات بم حتما سأكون عندكِ في اليوم الذي
ئاسؤي طشتي كورد رِووناكة افق الكوردي يضيئ
با ئةم بةشة نا بةشيَكي تر لا في هذا الجزء او ذاك
وةرة دلَ ثرِ لة هيوا كةين تعال كي نملي القلوب من التفاؤل
با ئةمرِؤ نا رِؤذيَكي تر لا في هذا اليوم وانما في يوم آخر
خؤشةويستيمان ثيرؤزة  حبنا مقدس كثيرا
وةرة شاد بين زوو لة يةكتر تعال كي نسعد كل منا من الآخر
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…