ومن جديد تكرّرت تلك المعجزة الغريبة ، يوم أعطيتني مجموعة عملاقة من الأغاني الكردية ولاسيما أغاني السيد مزهري خالقي.، شعرت حينها أنّ هذه الهدية تحمل إليّ دهشتي من جديد، في ليلة وصولي إلى الأردن، أخذت الأقراص في نزهة مسائية في سيارتي، وانطلقت في البعيد، وكان ما توقعّت، لقد كان ذلك الصوت الجميل الحنون امتداداً لكلّ مراقص روحي ودهشتي الفردوسية في كردستان…
سمعت أغانيه الواحدة تلو الأخرى، لكن تلك الأغنية، أعني أغنية ” أذكرك دائماً” هي من أعادتني إلى تجربة المتعة من جديد، ذلك الصوت الحزين الجميل الغريق المغرق استحضر كلّ الأشياء في لحظة، كان تميمتي ضد انشطار نفسي، وكان ضياعي في ذاتي، وكان حقيقتي التي لا أعرف لها اسماً إلاّ أنّي أعبد هذا الصوت الجميل، وأعبد هذه الأغنية الرائعة.
عندما قلت لي يا سيد إدريس إنّ السيد مزهري هو من ألّف هذه الأغنية بنفسه لم أعجب؛ لأنّ هذه الكلمات يجب أن تكون خارجة من أعماق حرقة من شدا بها كي تكون بهذا الكمال وبهذه اللوعة، إنّها اغنية ملتاعة لا تخرج إلاّ من بين الرّوح والجسد والتفجّع.
أنا لا أحبّ هذه الأغنية لأنّها جميلة بكلّ المعاني فقط، بل أحبّها إن لم أكن أعشقها؛ لأنها قادرة في لحظة على أن تختزلني في اللااختزال، وأن تراقصني، أن تصفعني، أن تبكيني، أن تحضنني، أن تقبلني، وأن تمسّد على شعري.
هذه الأغنية تشبه صوت حبيبي الذي لا أعرف من يمكن أن يكون، ومتى سأقابله، ومتى سأعشقه، ومن يكون، تشبه كلماته التي لا أعرف ما جدوى أن يقولها، هذه الأغنية فيها من رائحة أمي المضخمّة بعبق البرتقال القروي، وبعيدة مثل حدود الغرباء، وباردة مثل ليل الجبال، وشاهقة مثل أمنيات لا تتحقّق.
هذه الأغنية باردة وحارة في آن، خشنة وزلقة في لحظة، وممكنة ومستحيلة في كلّ الأوقات.
عندما أخبرتني عن ملابسات كتابة هذه الأغنية، شعرت بأنّي كنت يوماً هناك في الجبال أرحل مع السيد مزهري، وأغنّي معه للرحيل والغربة، ومدينة اسمها سنا، أليس هذا هو اسم مدينته التي رحل عنها؟ لعلّي كنت في زمن آخر مدينته التي رحل عنها؛ فأنا سناء وهي سنا .لعلّي كنت آخر طفلة رمقته يبتعد دون أن تعرف معنى الرّحيل، لعلّي كنت شجرة بلّوط توكّأ عليها قبل الفراق…
أنا أؤمن بأنّني كنت امتداد لحظة، وإلاّ كيف تكاثر هذا الحزن والوجد في نفسي بمجرد سماع صوته؟!
كم جميل أنّ السيد مزهري خالقي قد أبدع هذا النّص الجميل، والغناء الآسر، فأسرني أنا سليلة الصحراء حيث الحداء الذي تسرقه الرمال، وتسعى به نحو العدم…
قدري أن أعشق كردستان، وأن تظلّ روحي معلقة هناك بين الأشجار، وفي تمائم النّماء، وعلى صدور الحوامل والأرامل والمنتظرات…
أنا أعشق الرّجل عندما يكون قصيدة، ولذلك أكنّ كلّ التقدير للسيد مزهري؛ فهو رجل قصيدة في زمن الرجال المراثي…”.
الهوامش:
(1) جزء من رسالة شخصية موجهة للصديق إدريس كريم في جامعة السليمانية.
(2) ترجمة أغنية” أذكرك دائماً” لمزهري خالقي .الترجمة بقلم السيد إدريس كريم.
بيرت دةكةم أذكرك دائما |
قصيدة : مةزهةر خالقي : مةزهةر خالقي ئةرِيَنج : بابةك لةندةن :1993 |
لة هةرلايةك ,يا لة كويَ بم | إن كنت من اي جهة أو من أي مكان |
لة هةندةران ,ياكو ديل بم | أن كنت من الغربة او إن كنت أسيرا |
تؤتؤي دلَم ثرِ ئةوينة | طيات قلبي مليئة بالعشق |
بيرت لة دلَ زؤر بة تينة | ذكرك في القلب متينة |
دةضمة هةوراز لاي هةوران | سأذهب الى التل والغيوم |
هاوار ئةكةم لاي ثةريان | أصرخ عند الملائكة |
ئاي كة بيري ,طيان كةبيري تؤ ئةكةم | آه من ذكري، آه اني اذكرك |
طيانة بيرت دةكةم,قوربان بيرت دةكةم | يا حياتي أذكرك، سيدتي أذكرك |
خؤشةويستي من لةطةلَ تؤ | إن حبي معاكِ |
بةرهةمي ذيان و خةباتة | نتاج الحياة والثورة |
وةك بةهاري كوردةواري | مثل ربيع الأكراد |
ثرِ طولَ و لافاوي سةختة | مليئة بالأزهار و الفيضانات الشاقة |
جاريَ بة طولَ ,جاريَ بة دلَ | مرة بالزهرة، ومرة بالقلب |
يادو بيري تؤم مةبةستة | قصدي هو اني اذكرك وأفكرك |
هيواي سةربةستي و ئةوينم | يا امنية حريتي و إشتياقي |
بةرهةمي زام و برينم | نتاج جرحي و ألمي |
كة من كوردم رِاهاتووم | كأني كردي متدرَّب من زمان |
دةميَ لة شاخ يا لة شار بم | أعيش مدة في الجبال و مدة في المدينة |
دةبيَ بزانيت ئازيز | ينبغي ان تعرفي يا سيدتي |
دةبيَ ئةو رِؤذة لة لات بم | حتما سأكون عندكِ في اليوم الذي |
ئاسؤي طشتي كورد رِووناكة | افق الكوردي يضيئ |
با ئةم بةشة نا بةشيَكي تر | لا في هذا الجزء او ذاك |
وةرة دلَ ثرِ لة هيوا كةين | تعال كي نملي القلوب من التفاؤل |
با ئةمرِؤ نا رِؤذيَكي تر | لا في هذا اليوم وانما في يوم آخر |
خؤشةويستيمان ثيرؤزة | حبنا مقدس كثيرا |
وةرة شاد بين زوو لة يةكتر | تعال كي نسعد كل منا من الآخر |