المثقف ونبض الشارع

إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com

لا بدّ من الاعتراف، بأن شيئاً من تبادل الأدوار بات يتم، على صعيد العلاقة بين المثقف والمحيط الاجتماعي، وذلك بعد مرحلة بدا خلالها اتساع الهوة بينهما، إلى تلك الدرجة التي لم يكن المثقف ليجد صدى لخطابه في نفوس من حوله، وهو ما كان من السهل تشخيصه بأنه نتاج  تجاوز  هذا المحيط  لسقف خطاب المثقف، بعد أن افتقد الجدة، وصار يكرر نفسه، غير قادر على الارتقاء، إلى مستوى الأسئلة الجديدة المطلوبة منه.
ولعلّ بعض المثقفين ظل يسوغ أثناء قراءته للشرخ المستحدث بينه والآخر،  بأن سبب ذلك يعود إلى المدى الهائل الذي باتت  تحتله الثورة المعلوماتية، في عصر الصورة الإلكترونية التي تقدم جاهزة إلى المتلقي هو في منزله، ومن خلال حلول الضيف الجديد في حياتنا اليومية وهو عالم الإنترنت، حيث بات الشباب الجديد مشدوداً إليه، وصار متنفساً له، وملاذاً له،  وهو يواجه المتاعب التي يتعرض لها، نتيجة التنكر لأسئلته الخاصة، من قبل المعنيين بأمره.

 وإذا كانت هناك بعض الصوابية في تسويغ  مثل هذا الرهط من المثقفين، سواء أكانوا مفكرين أو كتاباً وأدباء وإعلاميين، فإنه لا بد من التأكيد بأن جوهر  الأمر لهو أبعد من مثل هذا التصور-على صوابيته الجزئية تلك-إذ أنه ليتعلق بعدم مقدرة خطاب هذا المثقف من الخروج من قمقمه ، بل إن خطاب هؤلاء لا يزال يعيد مقولات سواهم، بوساطة أدوات بدائية، عاجزة عن الاستفادة من الأدوات الجديدة التي صارت أمراً واقعاً، لا بدمنه، وينبغي تفهمها على أكمل وجه.

أجل، إن قراءة اللحظة بعين الأمس، لم تعد متماشية مع روح العصر التواقة إلى تجاوز نفسها، من خلال تجددها المستمر،  وهو ما يرتب على المثقف أن يعيد النظر في مجمل أدواته،  ونبذ ما لم يعد موائماً لمثل تلك الروح، واعتماد ما هو وليد اللحظة الحالية، ما دام المحيط الاجتماعي بات يؤكد له- وفقاً للتحولات الهائلة التي تتم- بأن مواطن القوة الكامنة فيه لا تزال على حالها، وإن ما قاله واحد مثل أرنست همنغواي في رواية” الشيخ والبحر”1899-1961 بأن الإنسان قد يتحطم ولكنه لا يستسلم” يتحول إلى موقع الترجمة، لأن إرادة الإنسان لهي الأقوى، بيد أن العبرة تكمن في طريقة تحفيز الهمم، وإيجاد والتقاط البوصلة الحقيقية التي لا تخطيء، والتي من شأنها أن تعيد الثقة بالكلمة، من جديد، ولكن وفق طبيعة المرحلة، لتكون الصوت المعبر عن إنسانية الإنسان وحلمه، أنى كان.

  وبدهي أن المثقف الفطن قادر على التفاعل مع اللحظة التاريخية، وذلك من خلال إعادة الثقة بالحياة، وبنفسه، وبأدواته، ونبذ روح الاستسلام والإحباط التي كانت مهيمنة عليه من قبل، من جراء مرحلة انسداد الأفق، وهو لحري بأن يجعلنا موعودين مع نتاجات إبداعية وفكرية جديدة ترتقي إلى مستوى أسئلة اللحظة الراهنة  بأكثر.

جريدة الخليج-13-2-2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيرين خليل خطيب

في أيِّ مجال إبداعي، أو أي حرفة تعتمد على الحس والموهبة، يظهر أشخاص يظنون أن بإمكانهم اقتحام هذا العالم لمجرد أنه يعجبهم أو أنهم يحلمون بالانتماء إليه. لكن الحقيقة المُرَّة التي مهما حاولنا تجميلها، هي أن بعض الطرق لا تُفتح لكل عابر، وأن بعض الفنون تحتاج إلى موهبة أصلية أو حد…

خالد بهلوي

اختُتمت الدورة الإلكترونية لتعليم كتابة سيناريو السينما الكردية، التي أُنجِزت بإشراف الدكتور جاسمي وزير سَرهَدي، البروفيسور في المسرح والسيناريو (الدراما الهوليوودية)، والمدرّس السابق في جامعة صلاح الدين في هولير، والحاصل على عدة جوائز دولية في كتابة السيناريو السينمائي.

قدّم الدكتور الدورة على مدى عشرة أسابيع، تناول فيها موضوع الدراماتورج وبنية القصة الدرامية، إضافة إلى محاور…

ا. د. قاسم المندلاوي

في هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم نبذة مختصرة عن فنانين آخرين، احدهم من غرب كوردستان، الفنان الشهيد يوسف جلبي، الذي تعرض الى ابشع اساليب الاضطهاد والتعذيب من قبل السلطات السورية الظالمة، وخاصة بعد سيطرة نظام البعث سدة الحكم عام 1966. فقد تعرض الكثير من المطربين والملحنين والشعراء الكورد في سوريا…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…