ماسح الأحذية

  قصة بقلم: وزنة حامد
w.hamedose@gmail.com

تناهى إلى مسمعه نبرات أمه الدافئة , تقلب في فراش الفجر كوردة ما تزال تتفتح للتو أمام أنظار أمه ثم ما لبث إن فتح عينيه النائمتين متمتما بطفولة تفوح منها رائحة رجولة مبكرة : صباح الخير يا أمي, قالها وألقى نفسه في حضن أمه يقبل يديها , عز عليها أن ينهض طفلها في هذا الوقت الباكر , لكنه كالعادة يوم جديد يتطلب نفقات طائلة , يتطلب فطورا وغذاء وعشاء , يتطلب نقودا ستكون كالماء في فراغات الاصابع ,سيذهب عمر إلى المدرسة ماسكا بيد أخته شروق وعندما يعودان قد يطلبان حاجات مدرسية , لقد كان يوما اسودا عندما أصيب قدما رجل البيت بالشلل إثر سقوطه من فوق السطح عندما كان يريد إصلاح السقف استعدادا للأمطار فكان الاتفاق أن يكون  عماد كبش الفدى الذي سوف يتحمل أعباء المنزل بقدر المستطاع على حساب تعليمه لينقذ أهله من التسول وينقذ ضياع مستقبل أخويه
 وكان أول ما ضحى به هو ترك المدرسة والبحث عن عمل عاجل يوفر دخلا جيدا مهما كان نوع هذا العمل وان كان الأخر بلا مستقبل , فبحث ستة أيام في المطاعم والمقاهي بدون جدوى , عندما يئس من إيجاد عمل اهتدى إلى فكرة مسح الأحذية فهي مهنة سهلة لا تتطلب خبرة ولا مالا ولا التزاما بموعد محدد ولا تحمل شتائم رب العمل فراح والده رغم شلله يصنع له صندوقا متواضعا ونزل إلى المدينة يعمل وقد اندفعت إليه رائحة الرجولة انه الآن الطفل الذي يقوم بدور رجل البيت ومدبره الطفل الذي يدخل للتو ربيعه الثاني عشر ويحمل الكثير من ملامح أبيه حتى تكاد أمه تناديه باسم أبيه لكنها تتردد لأسباب لا تريد البحث عنها , جلس عماد مع أبويه وأخويه إلى مائدة الإفطار المكون من خبز وشاي وزيتون , إنها مائدة غير عامرة هكذا تعودوا الفقراء , وعلى عجل نهض وما يزال الطعام في فمه مسرعا إلى الخارج ليلتحق بعمله فهو يدرك انه سيمضي على قدميه مسافة ثلاثة كيلو متر لأنه لا يملك أجرة ركوب السرفيس كل يوم ,عند وصوله إلى الدكان الذي اعتاد أن يترك فيه صندوقه بصفة أمانة قرر تكملة الفكرة التي نفذها منذ ثلاثة أيام وهي أن يتجول في أماكن تجمع الناس ويدخل المحال التجارية والدوائر الحكومية بدل الجلوس في مكان واحد بانتظار زبون يأتي أو لا يأتي وسط عشرات ماسحي الأحذية الذين يتشاجرون على الزبائن ويجرونهم جرا ومما شجعه على هذا الجهد المرهق دائراً من الصباح وحتى حلول الظلام هو قدوم العيد بعد أيام قليلة والذي سوف تتضاعف فيه المصاريف فقد ألمحت له أمه إن البيت يحتاج إلى سكاكر العيد ولا بد من شراء ثياب العيد له ولأخويه لان الأقرباء سوف يزورونهم ويجب أن يكونوا بمظاهر لائقة لا أن تفوح منهم رائحة المتسولين جلس قليلا يستريح بمحاذاة إحدى المحال التجارية لكنه فوجئ بصاحب المحل يخرج ويدفعه مع صندوقه بقدميه كأنه يطرد كلبا فنهض عماد ثم دخل إحدى الدوائر لكن مستخدم الدائرة هو الأخر قام بطرده وعندما خرج من الدائرة فوجئ بسيارة سريعة تصطدم به فخرج سالما لكن الصندوق تحطم , عاد إلى البيت و الأسى تلبسه إلا إن والده واساه بصنع صندوق جديد لرحلة عمل جديدة لعل السماء تستجيب لدعائهم برزق يسد به جوعهم هكذا هي الحياة نصارع لأجل البقاء .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…