سلامتك تاتليس

  إبراهيم اليوسف

لا يخفى على أحد أن اسم الفنان الكردي الكبير إبراهيم تاتليس (1952-…….) وهو في حدود معرفتي من أبناء مدينة  “أورفة” الكردية ومن  أب كردي وأم عربية، قد ملأ الدنيا، وشغل الناس، وهو أحد نجوم عالم الأغنية ليس في تركيا فقط، وإنما في المنطقة، والعالم على حد سواء، حيث لمع اسمه، وأصبح ذا حضور فني  وإبداعي لافتين.
 وواضح أنّ من يرسخ قدميه محلياً، أو عالمياً، سيكون له خصومه-وهم القلة النافلة عادة- إلا أن خريطة محبيه ستكون أكبر، بالرغم من أن الفنان والمبدع الحقيقيين هما أبعد عن الحقد أو الضغينة على أحد، وهنا لا أقصد قضية الموقف التي لا بد من حضورها القوي، لدى أي مبدع أصيل، لتكون علامته الفارقة، وفرقانه، وصليبه، كما فنه، ولكم أريد فناننا تاتليسس صاحب موقف بحق.
ثمّة من سرعان ما يتذكر أسماء قلة من المبدعين الكبار في تركيا من أمثال ناظم حكمت، أو عزيز نسين أو يشار كمال أو يلماظ كوني و العم الشهيد موسى عنتر  أو يردال أوزأو أحمد قايا والقائمة تكبر وتكب (ومن بين هؤلاء بعض كردنا) لمجرد ذكر ذلك المكان الذي يحتل مساحة كبرى من بينها جزء جدّ كبير من خريطة آبائنا وجدودنا الكرد، ولعل إبراهيم تاتليس استطاع أن يكون أحد هذه الأسماء دويّاً في أقل تقدير- ولست أستخدم “حمض” تقويم سيرة و لا “موشور” مواقف – كي أتناوله كفنان-كردي- مشدداً ومن جهتي على كرديته- ذي قدرات فنية خارقة في عالم الأغنية- وأركز على هذه القدرات أيضاً- وليس من خلال موازين السياسة، وقراءة اللوحة من حوله، حيث يمكن النظر إليها من زوايا شتى، بل ومن خلال موازين عديدة- يفهمها أهلنا الكرد من أصحاب المكان بأكثر مني- بعيداً عن أية أدلجة، محتكمين في ذلك للكردية الصرفة التي قد أكون انصرفت عن خصوصيته هو في لجتها، وسهوت عن مدى تواشجه الرؤيوي في عمقها- كي أتحدث -من جهتي- عنه كصاحب اسم “شاسع” “عال”، وإن كان كرده ليتوخون منه-بحكم الظلم المديد والمحيق الذي يدفعون ضريبته- ما يرتقي إلى مستوى التوسم المطلوب منه، توسم الخير، موازياً قامته الفنية،تلك، التي لا يخطأ الثناء عليها، لأن واحداً مثلي كان يرجو منه- وهو إبراهيم تاتليس- أن يكرس صوته كاملاً، لشعبه، كما فعل بعض عظماء فنانينا الكبارمن أمثال شفان ومحمد شيخو الذي نعيش الآن ذكرى رحيله،  ممن لايزال دوي أغانيهم لصق الروح والمكان، وأعالي جبالنا الشماء، تندد بالظلم، وتشير بسبابة الضوء إلى الحق في سفح وضوحه، مهما كانت ضريبة ذلك.
لقد تابع العالم كله ذلك الخبر المدوي الذي سمعناه منذ انطلق كالشرارة  في أن –تاتليسنا- قد وظف بعض أمواله من أجل إطلاق “شركة استثمارات كبرى” في “إقليم كردستان “،وهو ما أقرؤه-هنا- موقفاً قبل أن أقرأه تجارة، ووسيلة للثراء، ولعل الموقف نفسه قد استجرّ عليه حقد من أطلق عليه الرصاص مساء أمس الأحد الآذاري وتصيب إحداها رأسه (قبل ساعات من هذا الصباح) – وهو في أحد شوارع منطقة شيشلي في استنبول بعد خروجه من فندق Nuro Plaza  الأكثر قدماً، مسجلاً هناك برنامجه الأسبوعي ibo show ،أثناء ركوبه سيارته برفقة السيدة Buket Cakici  ليسعف إلى مشفى LEVENT ومن ثم لينقل إلى مشفى أجي بادام،  ويخضع للعلاج في غرفة العناية المشددة فيها، ولعل من أطلق عليه الرصاص- وهم أربعة أشخاص كانوا يستقلون سيارة خاصة- ولا أحد يدري هوية هؤلاء الآثمين “عميان” البصيرة حتى الآن – هم من طراز قتلة الصحفي الأرمني المغدور هرانت دينك الذي فقد حياته في العام 2007 بسبب ذلك، من قبل أحد المتطرفين الأتراك، وإن كان تاتليس نفسه قد تعرض لموقفين مماثلين أحدهما في العام 1981 والثاني في العام 1990عندما أطلق عليه النار في كازينو maksim .
وبعيداً عن سطوة العاطفة التي أكتب تحت إلحاح هياجها الجارف، الآن، فإنني لن أخفي أن الكثير قيل حول أغنية تاتليس التي غناها بلغته الأم الكردية- وصار يتوجه إليها بشكل ملحوظ – كما غناها بالتركية والعربية، وكان يمكن بسهولة الاهتداء إلى أرومة لحن تحسين طه أو سواه في هذه الأغنية أو تلك، ومن بين أغانيه التي وسعت دائرة حضوره هنا وهناك منذ إطلاق ألبومه الأول 1977: ayaginda kundura و min xem derya yek agira و bayaz gul kirmizi gul، وليدخل عالم الإنتاج السينمائي في ما بعد، إذ يمكن القول :إن “تاتلسيس” هو ابن منظومة مفاهيمه الخاصة، لكننا لنعده –بلغة  البروفيسور عزالدين مصطفى رسول إحدى أشجارنا العالية، في ذلك المكان، ولم يشقّ طريقه، ليثبت حضوره في عالم الفن، بل في الذروة منه تماماً، وهي مأثرة جد كبيرة لعملاق-إلا بعد بذل المزيد من الجهد والجلد والعناء، وهنا أنا في حضرة الفن، الفن المحض، ومحض الفن، محايداً لا محايثاً-  إلا أن هذا الاسم صار- مفهوماً بأكثر في رحلته صوب أهله، أحد أرومة مهاده الأول، كي يترك مسحة “العمران” الحضاري في لوحة ذلك المكان، وهو ما أفصله عن” بزنزيته” وإن اختلطا، إلى حدّ ما، إلا أن الضريبة التي دفعها في ظل حنق هاتيك الرصاصات اللئيمة تقول ما هو أكثر وأأمر وأدهى..
أياً كان القول هنا، فإنني لأتمنى لتاتليس الشفاءالسريع والعودة إلى مشروعاته في الفن والحياة والموقف، لأنني واثق أنه ستكون له قراءته الخاصة لتلك الرصاصات التي ستحدد أين كان واقفاً، بل إلى أين كان يمضي، هو سر ينوس بين من ضغط على الزناد و وعي فناننا، منتظرين على أحر من جمرعودته ليقول كل ذلك، ويمضي أبعد في ما نريده له، قريباً من أهله، علماً نعتز به أينما كنا.

ملاحظة:
-المتطرفون الأتراك يواصلون تهديد المبدعين والمشاهير لأسباب وأجندات خاصة، ولقد علمنا أن الروائي أورهان باموك الحاصل على جائزة نوابل قبل ثلاث سنوات قد تم تهديده قبل الآن من قبل هؤلاء.
-عندما أعلن الفنان الراحل أحمد قايا كرديته في حفل غنائي تم في أحد المطاعم التركية وقبل هجرته إلى أوربة، هجم عليه بعض هؤلاء الدهماء المتطرفين بسكاكين وملاعق ذلك المطعم، مستنكرين عليه ذلك.
الاثنين 14آذار2011

الشارقة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…