مشاهدات نوروزية (في تربه سبيه)

صبري رسول

(A)
في أكمات ووهدات وسيعة في سهول تربه سبيه كان وجه نوروز مضيئاً كابتسامة طفلٍ، آلاف الخيم تتناثر هنا وهناك، متآلفة رغم تبعثرها العشوائي، يوحّدها عشقٌ واحد، عشق نوروز كرمزٍ قوميٍّ ووطني في الوقت ذاته، عيدٌ يجد الإنسان الكردي فيه شخصيته، ويعبّر من خلاله عن وجوده منذ آلف السنين.

فرقٌ فنية عدّة، كلٌّ منها تقيم مسرحاً لأفراحه ورقصاتها الفلوكلورية وأغانيها الجميلة، تسمعُ أغنياتٍ تعود بك إلى الماضي السّحيق، وتفصح عن طبيعة الإنسان الكردي، وطريقة تفكيره، وحبّه، وأسلوب حياته، وأغنياتٌ أخرى تُؤَدَّى بصوتٍ صدّاح، يشبه الشلالَ حيناً، وزخاتٍ مطرٍ حيناً آخر، وربما يسمع المرءُ أغنياتٍ أخرى فقيرة بكلماتها البسيطة ولحنها غير النّاجح.
(B)
لم تغب عن تلك المسارح (يُقصَدُ من المصطلح مكان الفرقة وليس المسرح المتعارف عليه) قصائد شعرية أغلبُها ليس شعراً، بل هي كلماتٌ وسجعٌ مُختنقََة بالمباشرة والسّطحية. كان يمكن لتلك الفرق الفنية استضافة بعض الشعراء المجيدين، وما أكثرهم، ليقدّموا بعضاً من قصائدهم ليصبح ذلك مهرجاناً شعرياً أنيقاً، أو استعارة قصائدهم وتقديمها بعد شكرهم، وذكر أسمائهم، فيمكن لأحد المجيدين في أداء الشعر تقديمها بصوته وتمثيله. إضافة إلى أنّ عناصر الفرق الفنية كما يبدو لي لا تملك الخبرة الكافية في انتقاء البرامج المقدمة مع مراعاة الوقت المخصّص للغناء والرّقص والشّعر والمسرح (التّمثيليات المُمسرَحة هي مجرّد فرجة لا أكثر)

(C)
ومن مشاهدات نوروزية، رؤية صورٍ لشخصياتٍ سياسية كردية من أجزاء أخرى من كردستان، تُرفَعُ هنا وهناك، إضافة إلى شعاراتٍ تمجّد تلك الشخصيات رغم رحيل بعضها منذ عقود، وهذا يدلُّ أن الشخصية الكردية هنا ترى نفسها ضعيفةً، والشّعور بالضّعف عند الشخصية سمةٌ من سمات الإنسان الشّرقي عامة، فتستقوي بالآخر، الغائب أو الحاضر وتعيشُ تابعاً ومُمجِّداً بذاك الآخر. هل رأيتم مواطناً غربياً يمجّد زعيمه؟ بعد الحرب العالمية الثانية، وانتهاء زمن تمجيد الزعيم انتقل إلى الإنسان الأوربي والغربي إلى احترام الزعيم وليس عبادته، لكننا نحتاج إلى عقودٍ طويلة لتجاوز ذلك.

(D)
هناك لم يعد المرء يميّز بين جمال الطبيعة وجمال المرأة. تقفُ الأنثى إلى جانب زهرة متفتحة فتتوحّد معها جمالياً، إنها المرأة الكردية، بعفويتها وجمالها تتمازج مع زهور الطبيعة، وبسمة الأطفال. بعد أشهر الشتاء القاسية يحتاج الإنسان إلى نزهة ربيعية يتنفّسُ فيها، وما أجمل الموعد مع بداية انبلاج الربيع وعيد النوروز الكردي، فيكون الفرح أبهى إن رجع الجميع إلى بيوتهم فرحين دون منغصات، سالمين من كلّ سوء، مفعمين بعيدهم القومي.

21/3/2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد حسو

الأغاني والأهازيج الكوردية، والرقص الجماعي الذي يتجلى في تماسك الأيدي خلال الدبكات الكوردية، ليست مجرد طقوس فنية أو تعبيرات عن الفرح، بل هي شهادة حية على حيوية هذا الشعب وإرادته الصلبة. إنها دليلٌ واضحٌ على حبه العميق للحياة، وسعيه المستمر للعيش بكرامة وسعادة، رغم كل مظاهر وأشكال الظلم والطغيان والاستبداد التي حاولت…

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…

تقرير صحفي: شهدت جامعة النجاح الوطنية يوم الخميس الموافق 20/11/2025 إنجازاً أكاديمياً لافتاً، تمثل في مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الطالبة رجاء رشيد محمود الحلبي في برنامج اللغة العربية وآدابها، جاءت الرسالة تحت عنوان: “روايتا “الحاجز” و”حب في منطقة الظل” للكاتب عزمي بشارة دراسة تحليلية في المضمون والفن”، وقد أعلنت اللجنة نجاح الطالبة وحصولها على…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

 

يَا لَيْلُ

أنَاجِي الرُّوحَ وَهِيَ بَعِيدَةٌ

تَلْهُو فِي صَمْتِي الْمَجْرُوحِ

آهٍ يَا لَيْلُ

صَمْتِي كَحَرِيقٍ فِي صَدْرِي

وَجُدْرَانُهُ تَكْتُمُ قَدَرِي

آهٍ يَا لَيْلُ نَوَافِذُ مُغْلَقَةٌ

وَأَبْوَابٌ صَامِتَةٌ

كَتِمْثَالٍ جَمِيلٍ

أُنَادِي وَكَأَنَّ السَّمَاءَ تَسْمَعُ صَوْتِي

وَلَا أَهْجُو أَحَدًا

بَلْ أَهْجُو كُلَّ النِّدَاءَاتِ

يَا لَيْلُ كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الظَّلَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْخِصَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْحُسَامُ

الَّذِي يَقْطَعُ شَرَايِينِي

يَا لَيْلُ لَا أُعَزِّيكَ

وَلَا أَثْرِي بِكَ

وَلَا أُعَزِّي إِلَّا نَفْسِي

مُرَادُكَ…