رسالة الكاتب

إبراهيم اليوسف

لم يعد ينظر إلى مهمة الكتابة على أنها مجرد ترف جمالي، وأن لا علاقة للكاتب بما يجري من حوله، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بشأن عام، فلا بدّ أن يسمع فيه للكاتب صوت، ولا بد من أن يكون له موقف واضح منه، وذلك انطلاقاً من دوره الطليعي والتنويري في المجتمع، كحامل رسالة، وقابض على جمر الأمانة .

مؤكد أن العطالة في دور الكاتب – ويمكن أن يقال المثقف بشكل عام – أدى إلى تلكؤ بيّن في مستوى أدائه لمسؤولياته تجاه مجتمعه وأهله، بل انعكس سلباً على ثنائية العلاقة بمحيطه، الأمر الذي شكّل هوّة وقطيعة في التواصل مع الدائرة الأوسع من المتلقين، حيث بدا الكاتب كأنه في وادٍ، ومن يتوجه إليهم بخطابه في وادٍ آخر، ما داموا لم يجدوا في هذه الكتابة ملامح لوجوههم، وصدى لأوجاعهم وأحزانهم، وخرائط حلمهم، لنكون أمام اغتراب بين الكاتب والمتلقي، وهو ما يقع جزء كبير من مسؤوليته، ضمن هذه الرؤية على الكاتب نفسه .
إن استمرار مثل هذه العطالة من قبل الكاتب كانت تترجم – باستمرار – على أنها مباركة لتراتبية اللحظة وصلفها، وشراستها، وهو ما جعل الصمت إزاء الانتهاكات التي تجري انحيازاً لآلة الشر، على حساب آلة الخير، الأمر الذي جعل الكثيرين ممن لم تبدر عنهم مواقف إيجابية مشرفة، تجاه كل ذلك، في مظهر خيانة الأمانة التي يحملونها، ما جعل الكاتب أعزل، غير جماهيري، فاقداً للمصداقية، غير فاعل، بل متخلياً عن الدور الكبير المنوط به، نتيجة لوذه بنعمة – الصمت – التي تجنبه دفع ضريبة الكلمة والموقف، بل قد تكسبه في حالات كثيرة امتيازات بائسة، مكافأة له على حياديته المرفوضة في الميزان الأخلاقي، ولاسيما أثناء المنعطفات الكبرى .

وأمام الأسئلة الأكثر إلحاحاً من قبل المحيط الاجتماعي للكاتب، في مثل هذه الحالة، نشأت حالة من الرّيبة وعدم الثقة بالكثيرين من هذا الأنموذج المهادن، ممن يأكلون جبنهم بجبنهم – كما قال هادي العلوي- ما دفع بهذا المحيط لابتكار أدواته الخاصة، ليكون صوته هو الأعلى، والأكثر دوياً، وليكون هو المبادر السبّاق في قول كلمته الفصل، إزاء ما يتعرض له، وليغدو بهذا المعنى حامل شرف الموقف، واستكناه اللحظة، واستشراف المستقبل، بثقة أكيدة، ما جعل فرقاً من الكتاب والفنانين والإعلاميين- كما هو في حالة ثورة مصر على سبيل المثال – إلى جانب أهلهم، فور اندلاعها، لا يتركون ساحة التحرير ألبتة، بل ليكون – في المقابل- ثمة من يواصل عدم قراءة اللحظة كما هي، فيستمر في الاستبسال في إراقة ماء وجهه، نفاخ بوق، في جوقة آلة الشر- مقابل آخرين غارقين في نعمة الصمت والذّهول .

وإذا كان واضحاً أن موقف الكاتب الذي يتطوع بنفسه، ويؤثر الانضمام إلى آلة الشر يكمن في تشويه الحقائق، بروح غوبلزية لا يخطئ أحد في قراءتها البتة، إلا أن هناك نفراً من المتخلفين عن أداء واجبهم تجاه أنفسهم ومحيطهم، لا يكتفون بما هم عليه، بل إنهم يوجهون إصبع إدانتهم لمن يتنطع في القيام بدوره العضوي – بحسب غرامشي- ويخلقون فلسفة بائسة تدعو إلى الرّثاء والحزن عليهم في كل مرة .
جريدة الخليج- زاوية أفق-24-4-2011

elyousef@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…