سِهام الدعاية في الإعلام

غسان جان كير

وما مِن كاتب إلا سيفنى      ويبقى الجهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء   يسرك في القيامة أم تراه

بلغني أيها السادة الكرام , مع تبجيلي لخيركم من بين الأنام , الذين لا يخلطون – عنوة – بين الدعاية والإعلام , وينأون بأنفسهم عن الإيحاء والإيهام .

بلغني أن كل مهنة لها ميثاق شرف , يلتزم بها السلف والخلف , تُنظّم لممارسها العمل دون سُخفٍ أو خَرَف أو قَرَف , واضحة غير مستورة بالبطانيات واللحف , يتعفف مُمارسها عن الترف , ويعيش كُلّ عيشٍ شظف , وينأى بنفسه بحزمٍ وحسمٍ دون أسف , ويختار أخلاقيات مهنته ما استتر منها وما عرف.
وقد بلغني أن من يعمل في الإعلام لا بُد أن يلتزم بمبادئ عدة , وهي كل ما في جعبته من عدّة , يُدافع بها عن الموضوعية بكل حدّة, فيكون على قلوب المتلقين كالوردة , فمن هذه المبادئ مثلا مثلا ؛ حق المواطن في تكوين أرائه بصورة موضوعية , دون رقابة مُسبقة أو تلقينية , وضمان حصول المتلقي على المعلومات , حتى وإن كان خبراً عن الجوائح والآفات ,أو مُتظاهرين يهتفون في الساحات ؛ وهي بظنّي أفضل من الخمول والسُبات , ولتحقيق ذلك لا بُد من تنوع المصادر , التي تسيل كالنهر الهادر , وليس لأحدٍ على الوقوف في وجهها بقادر , والنجاح بحجبها اصبح من النوادر , وتنوّع المصادر تُتيح للمتلقي التأكد من صحة الخبر , فلا يبقى للتشكيك والتدليس من أثر , وهذا حقٌ للمُتلقيّ وليس بَطَر , يستلزم صدراً واسع كالبحر , فالإعلام غير المفتوح يتصدّأ و يتزنجر , ومن حقّ المُتلقي ألّا يتعمّد الإعلامي إغفال بعض المعلومات او الآراء , أو يُمارس عليه الكذب والرياء , أو يُمثّل دور الأطرش او الطرشاء , أو يُجمّل القبيحة بالماكياج والحنّاء , أو يتقمّص شخصية الحرباء , فالإعلام فقط نقلٌ للأنباء , وهو يُخالف الدعاية التي تدسّ في الأخبار الآراء .
ومن باب التمثّل بالمَثَل الشعبي (زيوان البلد ولا قمح الغريب) توجّهت الى تلفزيون بلدنا الحبيب , علّ وعسى أجد مَن على استفساراتي يُجيب , فوجدت خبراً قد كتبه مَن يظنُّ نفسه نجيب , والخبر هو التالي : ” رغم الحملات التحريضية الواسعة التي تتعرض لها سوريا , مجموعات محدودة تهتف للحرية والشهيد ” . ولأن المحرر النجيب اغفل الإجابة عن الاسئلة الستة (ماذا, من , كيف , أين , متى , لماذا) , فقد جاء الخبر بشكل باهت , ينتمي الى الدعاية في عصر فائت , لا راحت ولا جابت , تمثّل في سير المعلومات في اتجاه واحد : (شو ما طبخت العمشى جوزها بيتعشى) , وعصر كانت مقولته المُفضّلة : (إذا كان بدك تستريح , شو ما شفت قول منيح) .
والسؤال الذي يلحّ عليّ إلحاحا , ويكافح الافتراء كفاحا , أشدو به همسا وصياحا : ومتى كان الهتاف للحرية والشهيد فِعلاً لا يجلبُ ارتياحا.!!!!!!!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…